أكدت وزيرة الثقافة الشيخة مي بنت محمد آل خليفة أنها تأمل مساندة الأهالي لمشروع طريق «اللؤلؤ» خصوصاً أنه يتوجه لهم، مفصحة عن طموح الوزارة لاستثمار موضوع اللؤلؤ كجاذب سياحي، «طموحنا أن يصبح اللؤلؤ وجهةً تُعرف بها البحرين، وتميزها عن باقي الوجهات السياحية حول العالم».
وقالت الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، خلال لقاء مفتوح أمس مع أهالي المنطقة في عمارة فخرو بحضور الوكيل المساعد للسياحة الشيخ خالد بن حمود آل خليفة، مستشار الترميم بوزارة الثقافة د.علاء حبشي، إلى جانب رئيس مركز شرطة المحرق العقيد فواز الحسن، والعديد من أهالي مدينة المحرق، «نحتاج إلى صبرٍ وروية. العمران الذي يسعى طريق اللؤلؤ لحفظه هو حفظٌ لأسماء عائلات عاشت هنا. لدينا العديد من تلك الإنسانيات التي نسعى إلى توثيقها والحفاظ على ذاكرتها، والعمران هو وسيلة الثقافة لفعل ذلك»، وعلقت: «العديد من البيوت التراثية كانت تصنف كأوكار وخرائب للهدم، ونعرف أن فعل الهدم سهلٌ، لكننا نراهن على جمالياتها واستعادتها كهوية وصنيع حضاري لبحريننا، وبالفعل هنالك العديد من النماذج التي استطعنا حمايتها من الضياع».
وأعربت خلال حديثها عن أسفها للإشارة إلى هذه البيوت التاريخية بتسمية «آيلة للسقوط»، مردفةً: «ليس هنالك بيوت آيلة للسقوط، بل بيوت فقد أهاليها الاهتمام بها». وأوضحت أنه من الضروري تحقيق تكامل ما بين مختلف الجهات والأدوار من أجل إنجاز المشروع، مشددة على أهمية التنسيق ما بينها جميعاً، مؤكدةً أن ذلك لا يخلي مسؤولية الجهات الأخرى المعنية، فكل أدوار البلدية والإسكان ووزارة الأشغال وغيرها من الجهات المعنية تبقى قائمة باعتبار هذه المشاريع تكاملاً ما بين مختلف المؤسسات والجهات، وقد قدمت وزارة الثقافة في كل مراحل مشاريعها عددًا من التقارير والدراسات، كما عقدت العديد من الاجتماعات واللقاءات مع مختلف الأطراف من أجل إنجاز المشروع على الوجه الأكمل. وأثنت وزيرة الثقافة على دور الجهات الأهلية والخاصة في دعم المشاريع الثقافية، إضافة إلى تعاون الأهالي وحرصهم على مساندة المشروع، مضيفةً: «هذه الأحلام نحققها جماعيًا عندما نؤمن بها. نحتاج أن نلتف جميعًا حول ما نريد». وأفصحت عن طموح الوزارة لاستثمار موضوع اللؤلؤ كجاذب سياحي، قائلةً: «طموحنا أن يصبح اللؤلؤ وجهةً تُعرف بها البحرين، وتميزها عن باقي الوجهات السياحية حول العالم».
مخاوف نتيجة أقاويل وقصص
من جهتهم، أثنى الأهالي المشاركون في اللقاء على هذا المشروع، مؤكدين صدقهم في دعم فكرته وحرصهم بالمثل على الحفاظ على التراث والحضارات الإنسانية، وبرر بعضهم المخاوف التي تحيطهم كونها نتيجة الأقاويل والقصص التي يرويها الآخرون دون وجود أساسٍ لها، بالإضافة إلى كونِ بعض المعلومات العامة عن المشروع غير معروفة، وقد وعدتهم وزيرة الثقافة بتقديم مطبوعة تعريفية بالمشروع باللغتين العربية والإنجليزية لشرح كافة التفاصيل والمعلومات اللازمة، والتي سيتم توزيعها على نطاق واسع.
وشكل اللقاء فرصةً للاستماع إلى اقتراحات واستفسارات الجمهور، الذين أعربوا عن سعادتهم بمعرفة أن البيوت التراثية المرممة تستهدف استرجاع السكان الأصليين، وأن الأعمال الترميمية لن تقصي الأهالي عن مواقع طفولتهم وذكريات عائلتهم.
وأكدت الشيخة مي بنت محمد آل خليفة أن «العمران وسيلتنا لتحسين الحياة ضمن المدينة، فدورنا يساند الحياة في تفاصيل هذا المكان التراثي، ويرغب فعليًا في استدعاء الإنسان المحلي وإبقائه هنا». ونفت أية مخاوف في استبدال التركيبة الإنسانية ضمن مشروع طريق اللؤلؤ، مبينةً أنه فيما يتجه الناس حاليًا إلى المدن الحديثة ويهجرون مدن الآباء والأجداد، تأتي الثقافة لتعيدهم. ودعت وزيرة الثقافة كل الحضور للتعرف إلى مشروع طريق اللؤلؤ عن قرب، وذلك من خلال زيارة مكوناته، بدءًا من مركز معلومات قلعة بو ماهر الذي افتُتِح مؤخرًا برعاية كريمة وسامية من حضرة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد، مشيرةً إلى أن القوارب ستعبر البحر من مرفأ متحف البحرين الوطني وحتى القلعة.
من جهته، أشار مستشار الترميم بوزارة الثقافة د.علاء حبشي إلى أن المشروع يهتم بصياغة جمالية وتوثيقية لكل الشواهد العمرانية والمكانية، وقد روعي أثناء الاشتغال عليه اتباع الضوابط والاشتراطات الترميمية العالمية. وأوضح أن كل العناصر الموجودة تستعيد الهوية العمرانية الأصيلة، كما تم تصميم الأرضيات بأنظمة تبريد ملائمة لتهيئة المكان، وتشكيل واحات في مفاصل معينة من المشروع لاستقطاب السياح وتشكيل محطات معلوماتية واجتماعية على مسار طريق اللؤلؤ. وأشار مستشار الترميم إلى أن المشروع يتبع خطة متكاملة تُصنف من خلالها البيوت طبقًا لأهميتها وعمرها التاريخي، وأوضح أن بعض البيوت تراثية وأخرى تقع ضمن المرحلة الانتقالية ما بين البناء التراثي والبناء الحديث، لذا فإن طريق اللؤلؤ يستكمل في مرحلته الأولى كل ما هو تراثي قبل الانتقال للتصنيف الآخر.
وردًا على استفسار بعض الأهالي حول مشكلة مواقف السيارات، أوضح د.حبشي أنه قد تم تخطيط المواقف كجزء من المشروع لاستيعاب أكبر عدد ممكن من السيارات، مبينًا أن المشروع أيضًا يتيح فرصة للمشاة ويحافظ على طبيعة المكان الداخلية وتركيب النسيج، وأردف: (ستكون فرصة لاكتشاف المكان سيراً بحيث لا تفسد المواصلات التجربة الحقيقية لحكاية اللؤلؤ).
وعبر الأهالي عن اعتزازهم بالمشروع، مبدين رغبتهم في العيش ضمنه، واستعدادهم للعودةِ من مناطق إقامتهم الحالية فور استكمال عمليات الترميم، وقد شجعتهم وزيرة الثقافة قائلةً: «عودوا إلى أمكنتكم. أنتم أبناء المدينة، ونريدكم أن تعودوا»، معربة عن رغبتها في التواصل المباشر مع الأهالي، مبديةً استعدادها لمتابعة كافة التفاصيل وحرص الوزارة على توضيح كافة الاستفسارات. وأشارت إلى أن هذا اللقاء سيكون بداية لمجموعة أخرى من اللقاءات الشهرية التي تشرك الأهالي في خطوات مشروع طريق اللؤلؤ، والتي ستنعقد في كل مرة في أحد المحطات التراثية التابعة للطريق.
وأبدى العقيد فواز الحسن رئيس مركز شرطة المحرق عن استعداد المركز إلى تفعيل شراكة حقيقية مع وزارة الثقافة لضمان سير خطط المشروع، وخلق توعية بأهمية هذا الاتجاه العمراني الحفاظي. مشيرًا إلى أن القوانين وحدها لا تكفي لضمان سلوكيات المجتمع، وإنما يجب غرس الثقافة وروح المواطنة لدى الأهالي، ليكونوا بدورهم شركاء حقيقيين لدعم المشاريع التراثية والحضارية.
جدير بالذكر أن طريق اللؤلؤ مشروع محلي عالمي يوثق على امتداده سيرة الإنسان البحريني القديم، ويستدعي تفاصيل حياة البحارة والغواصة وتجار اللؤلؤ بكل أنساقها ومخيالها الجماعي وواقعها المعيشي. يتكون مشروع طريق اللؤلؤ من عدة أجزاء متسلسلة ومتصلة فيما بينها سواء من خلال الامتداد العمراني والتراثي، البيئة أو حتى عبر الحكايات والقصص التي تستعيد تاريخ صيد اللؤلؤ في منطقة الخليج العربي والذي يعود إلى حوالي 7 آلاف سنة. ويبدأ طريق اللؤلؤ مساره بدءًا من قلعة بو ماهر التي تحرس مياه المحرق وتعيش على الخط الساحلي الأخير جنوب مدينة المحرق، وعبورًا بالهيرات الثلاث التي تُعتَبر أشهر وأغنى مصائد اللؤلؤ في الخليج العربي، بالإضافة إلى 16 مبنى أثريًا داخل المدينة، تم إعادة توزيعها على 11 مجمعًا مختلفًا، ويستحضر كل واحدٍ منها أحد فصول الحكاية، منذ حياة الغواص، تجارة اللؤلؤ، المجالس الشعبية، المنشآت الاجتماعية وغيرها من التفاصيل، التي تتصل جميعها فيما بينها بطريق يصل طوله إلى 3.5 كيلومترات. وقد تم إدراج هذا الموقع على قائمة التراث الإنساني العالمي لمنظمة اليونسكو في يونيو 2012م،