كتبت - نسيبة الشروقي:
لامست خيوط كلماته الوجدان والمشاعر، عبر خيالٍ تفننت في رسمه تلك الأنامل البحرينيـــةُ السمـــراء. كاتـــب السيناريــــو البحريني راشد الجودر خلق من الموروث؛ مادةً دراميّة لم تفارق الأذهان منذ تسعينيات القرن الماضي، حتى أنها ارتبطت بمختلف الأعمار، على أنها من ذكريات الماضي الجميل، مثل «البيت العود، سرور، سعدون، فرجان لول، حزاوي الدار». كما أن المسلسلات المنسوجة بإلهام ذلك الكاتب صاحب الذوق الرفيع، كانت كفيلة باحتواء أفراد العائلة البحرينية أمام شاشة التلفاز. وتزامناً مع عودة باعث السرور في قلوب الأسر، بعد غياب طويل، بالمسلسل الرمضاني «برايحنا»، الذي عرض رمضان الماضي، كان حوارنا معه كالآتي:
لبدايتك ذكرى جميلة .. حدثنا عنها؟
تلك البداية البعيدة تعود لأيام «الفريج» .. حيث كنت مع مجموعة من الأصدقاء، تتراوح أعمارنا بين 10 – 15 سنة، نقوم ببعض العروض التمثيلية في منزل أحدنا، وبحضور بقية أطفال الحي، وكنت حينها المسؤول عن وضع الأفكار وإعداد المشاهد.
أما البداية الفعلية، فإنها تعود إلى العام 1977، حيثُ كنت أعمل موظفاً في وزارة الإعلام، وحينها بدأ العمل على أول عمل درامي بحريني «قطار عام 2000»، وكنت ضمن طاقم العمل لذلك المسلسل، بقسم التسجيل والمونتاج. وبدأت معها أول علاقة لي بالدراما، فمن خلال عملي كـ «مونتير» تعاملت بشكل مباشر مع النصوص، وأحببت هذا العمل وتعلقت به، وبعدها توالى إنتاج البرامج والمسلسلات في تلفزيون البحرين، وانتقلت بالتحديد إلى إعداد البرامج، التي قربتني أكثر من كتابة الدراما.
ما أول تجاربك الكتابية؟
كتبت في عام 1982 أول عمل درامي «سوالف الديرة»، هذا العمل لم يعرض لأسباب موضوعية، بالرغم من تسجيله وتصويره، وأدى ذلك لحالة إحباط شديدة لدى العاملين عليه، ولكن لم تكن تلــك الضربة القاضية بالنسبة لي .. فبعد عام أقيم مؤتمر قمة مجلس التعاون في البحرين وأراد التلفزيون تقديم عمل درامي بهذه المناسبة وتم اختياري لكتابة نص العمل الذي أسميته «العين» وأنتج منه ثلاث حلقات، تحكي قصة مجموعة نواخذة.
من شجعك على الكتابة؟
- أكثر من شجعني وآمن بي ووفر لي الدعم في ذلك الوقت هما الأستاذ طارق المؤيد والأستاذة هالة عمران.
ما أكثر نصوصك تأثيراً فيك؟
- «السعدون» هو الأقرب لقلبي، خاصةً لأنه شكل قفزة في الدراما الخليجية، لكونه أول عمل درامي سياسي على مستوى دول مجلس التعاون.
كيف تستلهم أفكارك؟
بإعتمادي على الإبداع، فجميع ما أكتبه هو نتاجي الخاص، ولا أعيد نسخ رواية حكاها لنا الأجداد، بل أبتكر شيئاً من بنات أفكاري، لذلك فإن مؤلفاتي الخاصة مستلهمة من الزمن الجميل.
ما الأجواء الكتابية المفضلة لديك؟
لا توجد أجواء محددة، فقط أحب أن أكون في عزلة تامة، لأن كتابة الدراما تحتاج لابتعاد تام عن التفكير والمشاعر. وأهوى عيش الشخصية والموضوع وتخيّل تلك الشخصيات أمامي، لدرجة التحدث معهم أحياناً.
أين ترى الدراما البحرينية مقارنة بنظائرها في الخليج؟
الكويت كانت هي السباقة بعشر سنوات لأنه بدأت من المسرح، أما عندما بدأت الدراما في البحرين كانت هناك تجارب جيدة لكنها غير بحرينية، والتي قامت بدورها بتوفير بيئة للشباب البحريني لاكتساب الخبرة. وبعدها بدأت البحرين بإنتاج الأعمال الدرامية البعيدة عن التراث لكنها لم تكن بالمستوى المطلوب. إلى أن جاءت الدراما التراثية التي حققت نجاحاً كبيراً وخلقت جمهوراً للدراما البحرينية وخصوصاً في التسعينيات حيث وصلت لمستوى عالٍ من الحرفية والنجاح على مستوى العالم العربي. بعد ذلك بدأت الدراما البحرينية بالانحدار نتيجة لاحتراق القرية التراثية في البحرين؛ فازدادت الأعمال الحديثة البعيدة عن التراث والتي لم تكن ناجحة ومؤثرة مقارنة بالدراما التراثية؛ ويعود السبب إلى أن باقي الدول قد وصلت لمرحلة متطورة في مجال الدراما الحديثة لم تستطع البحرين أن تكون منافسة لها بعد.
برأيك ما الذي ينقص الدراما البحرينية لتكون منافسة لنظائرها في الخليج؟ وهل هناك دعم كافٍ لها؟
لابد أن يكون هناك إنتاج مستمر للأعمال ولا يقتصر الإنتاج على شهر رمضان فقط. أرى أنه لا توجد هناك جدية وتخطيطاً للدراما البحرينية مما يجعل تطورها بطيئاً جداً.
ما السر وراء ميل راشد الجودر لكتابة النصوص التراثية؟
أنا عاشق للتراث والزمن القديم .. ولدي عشق للأشياء البسيطة فيه للعلاقات والقيم التي كان يحتضنها وأصبحت شبه مفقودة في زمننا الحالي. وجزء كبير من دور الأعمال التراثية هو أن تحافظ على هذه القيم والعادات وتساهم في تقليل الفجوة وربط الناس بماضيهم المهم، فالناس بطبيعتها تحن للماضي وهذا ما يجعل للأعمال التراثية جمهوراً كبيراً ويجعلها قريبة لي أنا شخصياً.
هل جربت أن تكتب عن التراث بلون مختلف ؟
بالطبع.. وأول هذه الأعمال كان «السعدون»، فهو لا يعتبر مسلسلاً تراثياً، بل عملاً سياسياً يتحدث عن حقبة معينة، والآن لدي عمل درامي سيعرض قريباً في الإمارات.
كيف ولدت فكرة «برايحنا»؟
تعود الفكرة للمخرج أحمد يعقوب، وتتمحور حول العادة القديمة التي كان يمارسها شعب البحرين في إطلاق الألقاب على الشخوص لوصفهم بصفة معينة فيهم، فبدأنا بتجميع حوالي 60 لقباً، وقمت باختيار 30 منها، وكتبت عن كل لقب قصة، وجميع تلك القصص من تأليفي، حيث لم أستند من خلالها على أي رواية قديمة.
هل ترك «برايحنا» بصمته مثل مسلسلات: «فرجان لول، البيت العود، السعدون»؟
لا .. ففي الفترة السابقة كان هناك حالة من التعطش للمسلسلات نظراً لندرتها، أما «برايحنا» فيعتبر مجرد امتداد كمي وليس نوعياً.
باعتقادك ما الذي جعل «برايحنا» حديث الساعة .. حين تم عرضه؟
الناس كانت مشتاقة لمثل هذه الدراما، وفي الفترة التي عرض فيها المسلسل كان الناس بحاجة لدراما تجسد الواقع الذي هم فيه، لذلك فإن الحالة التي كانت تمر فيها البحرين جعلت الناس تتفاعل مع الموضوع، إذ إنه كان يقدم أجوبة وشرحاً لأمور لا تقــــال.
معظم الحلقات كانت تحاكي واقعاً اجتماعياً وسياسياً نعيشه حالياً .. فهل قمت بإعادة تحرير النص ليلامس الواقع المعاش؟
لم يكن هناك إعادة تحرير لأي من النصوص، ولكن الكاتب يجب أن تكون له رؤية، وفي برايحنا أنا كنت أناقش ظواهر موجودة منذ زمن طويل ولكن ربما لم يعِ لها الشعب البحريني سوى مؤخراً.
هل تعمدت ذكر بعض الكلمات المندثرة في مسلسل برايحنا؟
الدراما لابد أن تعيِّش المشاهد الزمن الذي تحاكيه وهنا تكمن الصعوبة في كتابة الدراما التراثية، فالكاتب هنا يجب أن يلتزم بالدقة في استخدام المفردات التي تتناســـب مـــع الزمـــن الـــذي يتحـــدث عنه العمل وهذه اللغة هي التي تميز ذلك الزمن فلابد من أن أوليها العناية والاهتمام ليكون العمل متكاملاً.
ما هو الجمهور الذي تحاول الوصول له من خلال مسلسلاتك؟
لا أستطيع تحديد جمهوري، فأنا لا أختار جمهوراً معيناً قبل كتابة نصوصي، بل أحرص على أن تكون أعمالي مناسبة للجميع، وأحياناً أقصد بها فئة بعينها لأبعث لها بعض الرسائل.
هل سنشاهد برايحنا 2؟
كلا، فأنا لا أحب تكرار أعمالي. ربما سيكون هناك عمل تراثي جديد.