كتب - علي الشرقاوي:
يعد تكريم الناقد البحريني د. عبدالله غلوم على مجمل أعماله من قبل «اثنينة جدة»، تكريم للفكر والنقد بحرينياً وعربياً. ونشعر نحن القريبون من الساحة الثقافية بشيء من الطمأنينة، ما إن يكرم فنان أو أديب أو مفكر، أنه سيأتي الوقت الذي يكرم فيه كل من أسهم على الإنجازات التي أنجز والأعمال التي قدم.
مؤسس منتدى الاثنينية الشيخ عبد المقصود خوجة وخلال حفل التكريم قال: مرحباً بشواطئ اللؤلؤ، «حضارة دلمون»، أرض المليون نخلة، مملكة البحرين وهي تزف إلينا الليلة الأستاذ الدكتور إبراهيم عبد الله غلوم، الأكاديمي والناقد الأدبي المعروف، فوشائج اللقاءات بين اثنينيتكم ومملكة البحرين متجذرة متأصلة، متألقة، متوهجة، ومستمرة. كلما نتسامى فوق جراحاتنا.
وأضاف: ما أن يذكر في محفل إلاَّ وتتداعى معه شؤون وشجون المسرح، وللمسرح لقاءات وذكريات في «أمسيات الاثنينية».. منح ضيفنا المسرح في البحرين والخليج بصفة عامة جل اهتمامه، وأسهم فيه بجهد مقدر برعاية كثير من الندوات والمؤتمرات، وأفرد العديد من الدراسات وأوراق العمل التي عالجت قضاياه، وهذا نابع من إيمانه العميق بالدور الذي ينبغي أن يقوم به المسرح في الحياة العامة باعتباره «أبا الفنون»، وحاضن شذرات الفن التشكيلي، والشعر، والموسيقى، والأزياء، وفنون الإضاءة، وتقنيات الصوت، والإخراج المسرحي، وغيرها من الوسائل التي ارتبطت في الماضي والحاضر بهذه الخشبة التي تنبض بالحياة، وتقتبس أجراساً منها تعلقها في المجتمع كلما دعت الضرورة لتثير التفاعل المنشود وتسهم في علاج كثير من القضايا. فعرف فارسنا بإنجازاته الأكاديمية، فقد حاول أن يعيد أمجاد هذا الفن العريق الذي بدأ ينحسر حتى في عرينه، إلى الخليج العربي، مندمجاً برسالة هذا الفن المهم، مؤكداً أن تجربة كتابة النص المسرحي في الخليج العربي مرت بمراحل متعددة، منذ عقد الثلاثينات في القرن المنصرم وحتى الآن، مذكراً بأن النص ليس نتاجاً لحالة تراكمية، بل انطلاقاً من رغبة في تغيير الواقع ونقده والتوق إلى التعايش مع آلامه، أو المصالحة مع مظاهر التخلف فيه. وبحسبه، فالمسرح لم يتحول إلى صيرورة -والتعبير له- مقابل صيرورة الشعر في الثقافة العربية، بل ظهر كفن عابر في سياق حركة تاريخية لم تهدأ من المثاقفة، وعبر علاقة غير متوازنة مع الثقافة الغربية. وقد تميز ضيفنا بانفتاحه على الآخر، وثقافته، ما جعله يدلف إلى ميادين فلسفية وصور معرفية جديدة؛ ليستخدمها في النظرية والتطبيق. ومن أهم كتبه «المسافة وإنتاج الوعي النقدي.. أحمد المناعي والوعي بالحركة الأدبية الجديدة في البحرين» الذي تناول فيه الفترة الممتدة من 1958 حتى عقد الثمانينات التي يقول عنها بأنها «فترة العقل الناقد الجماعي»، والتي تأتي بعد «لحظات انكسار تأسيس العقل النقدي»، موضحاً أن الحركة الأدبية الجديدة في البحرين عملت على ثلاث مقولات هي «الإنسان، والعقل، والنقد».
مسألة النقد الأدبي
وتابع خوجة: تناول ضيفنا الكريم ضمن نشاطاته الأكاديمية مسألة النقد الأدبي باهتمام بالغ، وله في ذلك مؤلفات يعتد بها.. وأنشأ رابطاً متيناً بين «النقد» و «الفلسفة»، ومد بساط البحث ليثبت أنه إذا كانت المعاني ملقاة على قارعة الطريق لا ينتبه إليها ويلتقطها إلا المبدعون، فإن مهمة الناقد الحصيف ليست مجرد إزالة الغبار عن تلك الإبداعات وصقلها وتقديمها للمتلقي بثوب قشيب، بل تخطى هذه المرحلة ليصبح النقد بمدارسه المختلفة نوعاً من الإبداع الذاتي من خلال النصوص النقدية التي تكتسب جمالياتها من حزم الضوء وألوان قوس قزح وعقود الياسمين التي يطلقها الناقد من النص الأصلي -وقد تفوقه جمالاً وتأصيلاً- لتعانق المتلقي وهي متشحة بالنور والنوار كأزهى ما يكون العمل إبداعاً وملامسة لشغاف القلب ولواعج النفس.. مؤكداً أنه (ليس من السهل الذهاب إلى نقد تجربة نقدية ونقضها وفحصها دون هذا الأساس الفلسفي). وقد تجشم في سبيل ذلك الكثير من المشاق والدراسات المطولة ليسهم بدور فاعل ومؤثر في حركة النقد الأدبي شعراً ونثراً في مملكة البحرين وغيرها من دول الخليج العربي. وكم هو رائع أن نرى ضيفنا الكريم ينطلق خفيفاً من دائرة العمل الأكاديمي البحت إلى رحاب وآفاق واسعة من العطاء الفعلي سواء على مستوى الفرق المسرحية الأهلية أو تمهيد الطريق لأجيال من الشباب والشابات علهـــــم يبثـــون النبض في عروق المسرح بدول الخليج العربي.. فالأمل باق ما دامـــــــت إرادة التغــيير قادرة على إقامة رؤوس الجسور. واعتاد ضيفنا بصفته ناقداً الحديث عــــــــن تجارب المبــــــدعين حديث العارف المدقق، يتلمس بواطن النصوص، وتعاريج خطوط اللوحات، وفوضى همس ألحانها، حيوية شخوص مسرحية ما، وانفلاتهم حيناً وتمردهم حيناً آخر على رغبة المنشئ، يرقب كل هذا الضجيج للنصوص ولكنه الليلة يصيخ السمع لصدى صمته الخاص، كي يحدثنا عن ذاته كما يراها لا كما انعكست في مرآة الآخرين ممن كتبوا عن تجربته الأدبية والفكرية والإبداعية العريضة. ويسرني أن أرحب أيضاً بضيفينا الكريمين: الأستاذ الشاعر الكبير قاسم حداد الذي ضمخ هذه الساحة شعراً عندما سعدنا بتكريمه بتاريخ في 8 أبريل 2002 والناقد والأكاديمي المعروف د. أحمد المناعي.
خوجة أشار من جانب آخر إلى أن التواصل بين البشر كان ولايزال يمثل المحرض الأساسي للتطور والنمو .. وعبر تاريخه الطويل لم يترك الإنسان في سعيه الدؤوب للتواصل وسيلة إلا اتخذها جسراً نحو الآخر، فظل يصرخ، ويرسم، ويعطي إشارات بيديه، ويرقص بجسده، إلى أن هداه الله سبحانه وتعالى إلى الكلمة، فوجد فيها ضالته المنشودة، كيف لا وقد جعلها الحق سبحانه وتعالى مفتاحاً للتعارف بين الناس (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا) وهكذا تفنن البشر في صياغة الكلمة شعراً ونثراً بكل لغات الدنيا. وتشكلت العديد من الروافد لإثراء الثقافة والحوار بين مختلف الأمم والشعوب والحضارات، وجاءت المنتديات الأدبية كواحد من هذه الروافد، تظهر تارة وتختفي أخرى حسب توفر المناخ الملائم لنموها وازدهارها، وكثيراً ما تتضافر جهود بعض المثقفين الذين شغلت الكلمة حيزاً كبيراً من فكرهم ووقتهم فتُنبت تلك المنتديات أجمل الأشجار المثقلة بثمار العلم والأدب والشعر والفكر.
منتدى أدبي
وأضاف: في هذا الإطار قامت «الاثنينية» ترجمةً لما يعتمل في نفسي تجاه الحركة الأدبية والثقافية عامة وبصفة خاصة في المملكة العربية السعودية، وبدأت كمنتدى أدبي للاحتفاء ببعض رموز الشعر والأدب والفكر منذ العام 1982، كما استمدت جذورها من حفلات التكريم التي كان يقيمها والدي (رحمه الله) على ضفاف مواسم الحج لكبار الأدباء والشعراء والعلماء الذين يأتون ضمن وفود بلادهم لأداء مناسك الحج .. واستمر خط «الاثنينية» البياني في التصاعد لتكريم أصحاب الفضل الذين أثروا الساحة الأدبية بعطائهم، باعتبار أن الكلمة ليس لها وطن، والإبداع ملك للجميع.. وبالتالي توسعت دائرة اهتماماتها لتشمل رجالات الأدب والثقافة والعلم والفكر وغيرهم من المبدعين من مختلف أنحاء العالم العربي. وللاستفادة القصوى من هذه اللقاءات، تم تفريغها ومراجعتها ثم طباعتها في سلسلة أصبحت بمرور الوقت موسوعة - من نوع ما - تسهم بجهد المقل في الحركة الثقافية والأدبية، وتحفظ للأجيال القادمة نماذج من أدبنا المعاصر،.. ولعل أجمل ما في هذه الإصدارات أنها وثقت مسيرة أصحابها مباشرة من أفواههم، مما يعطيها ميزة رفيعة بين رصيفاتها من الكتب التي تُعنى بالتراجم.. والحمد لله صدر منها حتى الآن 19 جزءاً (يقع الجزء السابع عشر في مجلدين).
ولفت خوجة إلى أن تجاوب المتلقي مع هذا العمل شد عزمي للمضي في توسيع دائرة الاستفادة منه ليطل عليكم من خلال شبكة الإنترنت، وهو كما ترون موقع متجدد، وسيستمر في النمو بإذن الله، مضيفاً فعاليات كل موسم «اثنينية» إلى جانب ما يصدر من كتب تحت مظلة «كتاب الاثنينية».
ثلاثي الأبعاد
بدوره قال رئيس النادي الثقافي الأدبي في جدة أستاذ الأدب والنقد في جامعة الملك عبد العزيز د. عبدالمحسن القحطاني: اسمحوا لي أن أقول إن الأستاذ الدكتور إبراهيم عبد الله غلوم ثلاثي الأبعاد: فنان، ومبدع، وناقد، ولا أدري كيف استطاع أن يلائم بينها جميعاً بعدل، لا يجعل أحدها يقوى على الآخر، لكن فنه بدأ منذ السبعينات فألف مسرحية صامتة لم تنطق، لكن حركتها وإيمائيتها أعطت أسلوباً يقرؤه الجميع ثم رأيناه يتشبث بالشفاهية، لأنه يعرف قيمتها في المسرح. مؤلفاته كما استمعتم اتكأت على البحرين بخاصة الخاصة، وعلى دول الخليج بخاصة، وعلى عالمنا العربي بعامة. لكن همه كان في المسرح. وفعلاً كما تعرفون -أيها السامعون والسامعات- أن المسرح هو عصارة فكر كل أمة ترونها في المسرح، فنراه يميناً وشمالاً. الدكتور إبراهيم غلوم مغرم بالتأسيس بدءاً من التأليف فكان تأليفه تأسيساً، والتأسيس كما تعرفون يحتاج إلى جهد لأنه البذرة الأولى، ثم بعد أن فرغ من هذا التأسيس بدأ يؤسس جمعيات، فتجدونه دائماً إما عضواً ومؤسساً، وإما رئيساً ومؤسساً، فكأن التأسيس هم يلاحقه أينما كان، بل إنه في آخر فترة، حينما ذهب إلى قطر وهي عاصمة للثقافة العربية، طالب أن يكون هناك كلية أو معهد لتدريس التمثيل والمسرح. عاش للمسرح ومعه، ولكنه بأخرى أصدر هذا الكتاب الذي سمعتم من الأستاذ عبد المقصود محمد سعيد خوجة «المسافة وإنتاج الوعي النقدي» واتكأ على شخصية مرموقة على أحمد مناعي كنموذج، ثم عرَّج عليه وهو يشتغل ليس على النقد بعد التأسيس وإنما على نقد النقد.
وأضاف: تمر بإبراهيم عبد الله غلوم فترات من المرض فهو الرجل الحيي والمؤدب لكنه لا يمر بوعكة إلاَّ وينتج معها كتاباً، وكأننا نحن المثقفين نطلب أن تكثر الوعكات لتكثر الكتب. هذا هو د. إبراهيم، ستجدونه أديباً أريباً حيياً وأحياناً يخجل من ظله، ولكن زج به للكلمة والكلمة أنطقته بعد أن ألف مسرحية صامتة، حيوا معي الأستاذ الدكتور إبراهيم عبد الله غلوم، وحيوا معي رفيقيه أحدهما الشاعر المبدع قاسم حداد والثاني الأديب المتأمل الدكتور أحمد المناعي.
د. عبدالله غلوم في سطور
الميلاد: البحرين العام 1952. - دكتوراه في النقد الحديث «المسرح» العام 1983. - يعمل حالياً أستاذ النقد الأدبي الحديث -قسم اللغة العربية -جامعة البحرين. أنشطة ثقافية وفكرية: - عضو أسرة الأدباء والكتّاب، ورئيس مجلس إدارتها في عدة دورات. - عضو مسرح أوال، ومدير الفرقة من 74-1976. - رئيس تحرير مجلة «كلمات» 1973، وأسهم في تأسيسها. - شارك في تأسيس جمعيات وفرق مسرحية منها: تنمية الطفولة، وفرقة مسرح الصواري. وجمعية التراث الشعبي. - كتب سلسلة مقالات في الصحافة المحلية حول النقد المسرحي، والثقافة، والقصة. - أعد النظام الأساسي لجوائز الدولة التقديرية والتشجيعية والوطنية العام 1999. - أسهم في عدد كبير من الندوات والمؤتمرات الأدبية والمسرحية والثقافية على مستوى دول مجلس التعاون في الخليج العربي. - رئيس اللجنة الدائمة للفرق المسرحية الأهلية في دول مجلس التعاون. عضويات في مجالس وهيئات: - يتمتع بعضوية العديد من المجالس والهيئات منها: الهيئة الاستشارية لمعهد الموسيقى العربية -مجلس أمناء جائزة عبد العزيز سعود البابطين -الهيئة الاستشارية للهيئة العربية للمسرح -الهيئة الاستشارية لجهاز تلفزيون الخليج بالرياض.. ويعد خبيراً استراتيجياً في مجال إعداد المشروعات الثقافية والتنموية. - تم اختياره محكماً في أربعين لجنة تحكيم بمختلف الفعاليات الثقافية في كثير من الدول العربية.. كما شارك في العديد من المهرجانات المسرحية العربية والدولية. المؤلفات: - ألف سبعة عشر كتاباً عن القصة القصيرة، والتجربة المسرحية، ودراسات نقدية في الرواية والمسرح.. وله خمسة نصوص مسرحية منشورة، بالإضافة إلى ستة نصوص مسرحية تم إخراجها.