تعكس جريمة الرشوة إرادة فاسدة ومعيبة لمن يرتكبها من الموظفين الحكوميين لما لهما من مردود سلبي على المنظومة الحكومية وبما يبعث على عدم الثقة في إنجاز العمل الحكومي، ذلك أن الخدمات التي يقدمها الموظف العام هي من صميم عمله ويتقاضى عليها أجراً من الحكومة.
وبعد أن تطرقنا في المقال السابق إلى أن الجريمة لا تقوم إلا بتوافر ركنيها المادي والمعنوي، وتحدثنا عن الركن المادي، لذلك سنتناول الركن المعنوي في هذا العمود.
فالركن المعنوي يعني توافر عنصري العلم والإرادة، ويقصد به علم الجاني بالجريمة، أما الإرادة فهي نية ارتكاب هذه الجريمة رغم علمه بوجود قانون يعاقب عليها.
وتعتبر جريمة الرشوة جريمة عمدية لذا يتخذ ركنها المعنوي صورة القصد الجنائي بعنصرية، فيجب أن يعلم المرتشي بتوافر أركان الجريمة جميعها، فيعلم أنه موظف عام، أو مكلف بخدمة عامة، أو من في حكمه، ويعلم أنه مختص بالعمل المطلوب منه، أو يدعي ذلك، وبالمقابل الذي يقدم إليه، إنه نظير أداء العمل الوظيفي وبصورة أبسط أن تكتمل الصلة بين أداء العمل والمقابل بوضوح في نفسية الجاني. فإذا انتفى العلم بأحد العناصر السابقة انتفى القصد الجنائي كعلم الموظف أنه تم تعيينه في الوظيفة العامة، كما لو لم يتم تبليغه بقرار تعيينه أو اعتقد خطأً أنه عزل من وظيفته بناءً على كتاب مزور. كما يتطلب القصد الجنائي اتجاه إرادة المرتشي إلى الأخذ أو القبول أو الطلب، ومن المبادئ الأساسية لتوافر القصد الجنائي وجوب أن يعاصر القصد لحظة ارتكاب الفعل، فيجب أن يتوافر القصد الجنائي لحظة القبول والأخذ والطلب، ولا يكفي أن يتوافر في لحظة لاحقة، وفي جميع الأحوال يقوم القصد الجنائي باعتباره قصداً عاماً لا خاصاً، والقصد لدى الراشي والمرتشي هو قصد اشتراك في جريمة الرشوة ومن ثم تحدد العناصر طبقاً للقواعد العامة للاشتراك في الجريمة.
وتوسع المشروع البحريني في تحديد مقابل الرشوة فقد تكون مادية أو معنوية، ومثال المادية هو النقود والملابس أو شيكاً أو فتح اعتماد بنكي أو سداد دين في ذمته، وقد يكون معنوياً مثل حصول المرتشي على ترقية أو مجرد رضاء رئيسه عنه، كما يكون مقابل الرشوة ظاهراً أو مستتراً وقد يكون غير مشروع في ذاته كمواد مخدرة أو أشياء مسروقة أو شيك بدون رصيد أو لقاء جنسي يهيئ للمرتشي بأن تسمح الراشية له بأن يأتي أفعالاً مخلة بالحياء، ولا يشترط القانون شيئاً في تناسب الرشوة بين قيمة مقابل الرشوة وأهمية العمل الوظيفي. هذا ونكمل في المقال المقبل عقوبة الرشوة.