لا يعد التخطيط المالي للتقاعد من بين الأولويات بالنسبة للكثير من الأشخاص على امتداد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فما هي تبعات ذلك؟ وما هي الحلول الممكنة؟ يتجه الادخار للتقاعد ليصبح قضية تحظـــى بقــــدر كبيــر مــن الأهمية بالنسبـــة للكثير من المواطنيـــن في هذه المنطقة والتي يعتبر فيها التخطيط للتقاعد كتخصص أوكقطاع عمل في مهده بالمقارنـــة مع الأسواق الغربية، بالرغم من الاحتمالية الفعلية لامتداد الحياة بعد التقاعد لمــدة تتــراوح بيــــن 20-30 عاماً والتي سوف يتوجب على المتقاعد خلالها إعالة نفسه وكذلك أسرته وتأمين سداد مصروفات مستمرة قد تتضمن السكن والتعليم والرعاية الصحية.
وكمجتمع، فإننا نركز على احتياجات الحاضر بدلاً من التفكير في متطلبات الغد. وما يزيد من تفاقم هذا الوضع هو الزيادة في كلفة المعيشة اليومية بالتوازي مع المصروفات الطارئة وغير المتوقعة، والتي من شأنها استنزاف الموارد المالية لينتج عنه انحسار في القدرة على الادخار على المدى البعيد. ونتيجة لكل ذلك، ففي رأينا أننا بالفعل نمر في هذه المنطقة «بأزمة تقاعد».
يرجع السبب في هذه «الأزمة» إلى غياب التخطيط المالي والادخار بهـــدف تأميـــن المصروفات غيــــر المتوقعة على المدى القريب وتوفير الدعم في السنوات اللاحقة من عمر الشخص ليتمتع بحياة مريحة على المدى البعيد. فعلـــى سبيــل المثـال، أن ما تصـــل نسبتهم إلى 30% من المواطنين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وكذلك 28% من المواطنين في دول مجلس التعاون الخليجي و20% من الوافدين لا يستطيعون توفير أي مبلغ بشكل شهري، ما يشكل قلقاً حقيقياً بسبب انعكاساته الاقتصادية على المدى البعيد.
ومن القضايا المباشرة على سبيل المثال هي عدم وجود مدخرات ملائمة لدى الناس والتورط في الديون بسبب تراجع الصحة أو خسارة الشخص لعمله، ما قد ينتج عنه تبعات خطيرة في حال العجز عن سداد الدفعات المتصلة بالرهن أو في حالة عدم القدرة على سداد دفعات القروض، وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى فقدان الشخص لمنزله، أو قطع خدمات المرافق عنه أو حتى صدور حكم بحقه بوضعه تحت الوصاية القضائية.
وعلى المدى الأبعد، فإن المعضلة الحقيقية والهاجس الحقيقي الذي يساور الكثير من أفراد المجتمع هو أنهم في الغالب لا يدركون أنه لا تتوفر لديهم موارد مالية كافية لتواصل أسرهم العيش بالأسلوب نفسه الذي اعتادت عليه إلا عند اقترابهم من نهاية فترة حياتهم المهنية وعملهم بدوام كامل.
مع أننا نمر في الوقت الحالي بأوقات صعبة ومليئة بالتحديات على المستوى الاقتصادي، إلا أن هناك عدداً من الطرق التي يجب على الناس من خلالها البدء في إدارة أموالهم والتخطيط لمستقبلهم المالي. ويمكن كبداية جيدة على سبيل المثال القيام باحتساب الدخل الذي ستكون الأسرة بحاجة له في حالة وفاة رب الأسرة أو إذا أصبح غير قادر على العمل بسبب المرض، وما هي كلفة المحافظة على نمط الحياة الذي اعتادت عليه الأسرة، والالتزامات الأخرى مثل القروض البنكية، علاوة على الاستمرار في الادخار.
وإلى جانب ذلك، فإننا نوصي بالحث على البدء في الادخار في أبكر مرحلة ممكنة من حياة الإنسان المهنية سواءً كان مواطناً أو وافداً، حيث إن من شأن الادخار على هذه الأعوام الإضافية المتراكمة تحقيق عوائد هامة على الاستثمار في المستقبل.
فعلى سبيل المثال، يتوجب على شخص بلغ 65 عاماً من العمر ولا يخضع لأي برنامج للمعاشات الحكومية القيام بادخار 25 ضعف راتبه السنوي للمحافظة على معايير الحياة نفسها أثناء فترة تقاعده! وبالتالي يتحتم علينا جميعاً البدء بالادخار في أبكر وقت ممكن.
وعلى نحو مثالي، يجب أن يبدأ الشخص في الادخار لتقاعده عندما يكون عمره في منتصف العشرينيات من خلال تجنيب 10% من راتبه الشهري. ونرى أنه مع حلول الوقت الذي يصل فيه عمر الشخص إلى منتصف الأربعينيات، يجب أن يكون قد نجح بالفعل بادخار ما يصل إلى 4 أضعاف دخله السنوي، بينما عند بلوغ عمره منتصف الخمسينات، يجب أن يكون قد نجح في ادخار ما يصل إلى 8 أضعاف دخله السنوي.
وعندما يكون عمره 60-65 عاماً، وهو العمر المتوسط للتقاعد، يجب أن يكون الشخص الذي كان يعمل بشكل منتظم قد نجح في ادخار 11 ضعفاً من راتبه السنوي، ولتحقيق هذه الأهداف، فإن الناس بحاجة للقيام بالادخار المبكر.
بعد الاتفاق على برنامج ملائم للادخار/التقاعــد ووضعـــه موضـــع التنفيـــذ، يجـــب علــــى الشخــــص المحافظة على تركيزه والحرص على الالتزام بالمساهمات الشهرية على المدى البعيد. ويجب كذلك إنشاء حساب طوارئ يضم صافي دخل الأسرة لمدة 3-6 أشهر للتعامل مع أية مصروفات غير متوقعة وتجنــــب الحاجة إلى السحب مـــن حساب التقاعد أو الادخار. وتتمثـــل أهمية الادخار في ضمان توفير حياة مريحة بعد التقاعد، ولذلك يجب على الشخص أيضاً القيام بشكل منتظم بالتحقق من السلامة المالية لمدخراته لضمان أن يكون أداء الاستثمــارات حسبما هو مطلـــوب علاوة على القيام بعملية مراجعة سنوية تفصيلية لإجراء التعديلات الضرورية لتحقيق الأهداف المالية الموضوعــــة والأهــــداف الخاصـــة بالتقاعد.
كبير الاكتواريين في «تقاعد»، المتخصصة في مجال الادخار والتقاعد في المنطقة