تنشر «الوطن» رد وزارة المواصلات على مادة منشورة على صفحاتها عملاً بحق الرد الصحافي.
تعقيباً على المقال المنشور بصحيفتكم الغراء بالعدد 2943 بتاريخ 31/12/2013 في عمود (نقطة نظام) للكاتب محمد الأحمد تحت عنوان:
دستورية قرار رفع
(رسوم) البريد
بداية تود وزارة المواصلات أن تتقدم لصحيفتكم الغراء بالشكر الجزيل على حرصها الدائم على تغطية أخبارها ونشاطاتها في مختلف الأحوال والمناسبات بما يخدم المصلحة العامة.
وتود أن توضح أن كاتب المقال الأستاذ/ محمد الأحمد، قد جانبه الصواب في تناوله للقرار الصادر من سعادة وزير المواصلات بشأن تحديد الأجور البريدية، حيث تحدث عن (الأجور) البريدية التي تضمنها القرار الوزاري باعتبارها (رسوماً) في خلط واضح بين المصطلحين والمفهومين من الناحية القانونية والفقهية، كما وانتهى كاتب المقال إلى نتيجة مفادها، ضرورة وجود السند التشريعي الذي يجيز للوزير إصدار مثل ذلك القرار، بعد أن أشار إلى عدم وجود قانون للبريد، وأن ما انتهى إليه الكاتب من تحليل قانوني، لا يعني فقط عدم قانونية أو دستورية زيادة الأجور البريدية بل يعني بالضرورة عدم قانونية استيفاء أي مبالغ بواسطة بريد البحرين مقابل خدماته البريدية، كونه ليس لديه قانون يتيح له ذلك، مما يعني أن بريد البحرين عليه أن يقدم خدماته البريدية بالمجان ودون أي مقابل لجميع الأفراد والشركات في مملكة البحرين.
ورداً على ذلك نفيد:
أولاً: من ناحية الرد على أحد محاور المقال فإن المادة (107) من الدستور تنص على أن «إنشاء الضرائب العامة وتعديلها وإلغاؤها لا يكون إلا بقانون (...) ولا يجوز تكليف أحد أداء غير ذلك من الضرائب والرسوم والتكاليف إلا في حدود القانون». ومفاد هذا النص أنه لا يجوز فرض الرسم إلا بناءً على قانون يتضمن مبدأ تقريره ويرسم حدوده، وإن أحال في شأن شروط وإجراءات تحصيله وتحديد سعره إلى قرار يصدر من سلطة أخرى بعينها.
وهناك ثمة فارق جوهري بين (الرسم) الذي يتعين أن يكون بقانون أو في الحدود التي رسمها له القانون، وبين الثمن العام.
فالرسم بمعناه القانوني: هو مبلغ من المال يجبيه أحد الأشخاص العامة كرهاً من الفرد نظير خدمة معينة يؤديها إليه، فهو يدفع كمقابل لما يؤديه الشخص العام لأحد الأفراد من خدمة أو ما يحققه له من نفع خاص، كما أنه لا يدفع اختياراً وإنما يدفع كرهاً أو جبراً بطريق الإلزام، ويستأديه الشخص العام من الفرد بما للدولة من سلطة الجباية.
أما الثمن العام: فهو مقابل خدمة ذات صبغة اقتصادية يؤديها الشخص العام باعتباره قائماً على مشروع صناعي أو تجاري، شأنه في ذلك شأن أشخاص القانون الخاص.
وإذا كان الرسم يشبه الثمن العام من حيث كون كل منهما مقابلاً لخدمة معينة، وأن كليهما يتأثر -بحسب الأحوال- بقيمة هذه الخدمة، إلا أن الرسم يفترق عن الثمن بالنظر إلى طبيعية الخدمة التي يؤدى مقابلاً لها، فإذا كانت الخدمة ذات صبغة إدارية يتولاها الشخص العام باعتباره هيئة عامة أو مصلحة عامة تقوم على أمر مرفق عام مما يتصل بالوظائف الأساسية للدولة، كان المبلغ الذي يؤدى مقابل هذه الخدمة رسماً، أما إذا كانت الخدمة ذات صبغة اقتصادية يؤديها الشخص العام باعتباره قائماً على مشروع صناعي أو تجاري يهدف أساساً إلى تحقيق الربح كان المبلغ الذي يؤدى مقابل هذه الخدمة ثمناً، كما إن هناك فارقاً آخر بين الرسم والثمن، فالرسم يعتمد في تحصيله على سلطة الجباية، ويستقل الشخص العام بتحديد الأحكام الخاصة به، بحيث لا يجوز أن تكون تلك الأحكام -ومنها سعر الرسم- محلاً للمساومة بين الشخص العام وبين الأفراد، أما الثمن فلا يعتمد في تحصيله على سلطة الجباية وإنما قد يحدد في بعض الأحيان على أساس الاتفاق بين الشخص العام وبين الأفراد، وقد يكون موضع مساومة بينهما.
والحاصل في المقال الصحافي المعروض أنه وصف مقابل الخدمات دون تفرقة أو تحديد لما يعد من قبيل الخدمات التجارية أو الاقتصادية التي يمكن أن تؤديها الدولة أو أشخاص القانون الخاص ويستأدى عنها ثمن (كتلك التي يقدمها مرفق البريد)، إذ بالإمكان اللجوء إلى الشركات الخاصة العاملة في مجال الخدمات البريدية إذا لم يرتضِ المقابل المادي المقرر من بريد البحرين، وبين تلك التي تؤديها الدولة دون غيرها بصدد إدارة مرفق عام وتتبدى فيها مظاهر السلطة العامة ويستأدى عنها (رسم)، لذلك فإن الأمر اقتضى التفرقة بين أنواع الخدمات وتحديد الخدمات التي يؤدى عنها رسم وتصدر بأداة القانون أو في حدوده، وتلك التي يستحق عنها مقابل مالي ويكتفي فيها أن تصدر بقرار من القائم على وضع السياسة العامة لهذا المرفق، وهو ما حدث بالنسبة لمرفق البريد حيث تدخلت الوزارة من أجل تغطية التكلفة الفعلية والحقيقية لتلك الخدمات حفاظاً على المصلحة العامة ولتقديم خدمة بريدية مميزة للمتعاملين مع مرفق البريد، وبالرغم من ذلك فإن فئات الأجور البريدية مازالت هي الأدنى من حيث التكلفة مقارنة بنظيرتها في دول مجلس التعاون وكذلك ما تستوفيه الشركات العاملة في مجال البريد سواءً في المملكة أو دول مجلس التعاون.
وحرصاً من الوزارة على تنظيم قطاع البريد المحلي، قامت بإعداد مشروع قانون تم رفعه إلى السلطة التشريعية ليسير في القنوات الرسمية له.
ثانياً: أما من حيث السند القانوني فإن المادة (47/أ) من الدستور على أن «يرعى مجلس الوزراء مصالح الدولة، ويرسم السياسة العامة للحكومة ويتابع تنفيذها، ويشرف على العمل في الجهاز الإداري الحكومي»، وتنص المادة (48) على أن: «أ- يتولى كل وزير الإشراف على شؤون وزارته ويقوم بتنفيذ السياسة العامة للحكومة فيها، كما يرسم اتجاهات الوزارة ويشرف على تنفيذها»، ولما كان مرفق البريد من الجهات التابعة للدولة من حيث الملكية والإدارة وتبعية موظفيها وخضوعهم لقوانين الخدمة المدنية وهي إحدى هيئاتها التي تتولى الحكومة إدارتها، ومن ثم وضع السياسة العامة لها ومن صميم ذلك وضع وتقرير المقابل المالي للخدمات البريدية التي تقدم لجمهور المتعاملين معها بما يتناسب مع المعمول به إقليمياً وعالمياً، وقد تقررت هذه المبالغ كمقابل للخدمة من الوزير المختص بعد موافقة مجلس الوزراء الموقر عليها، كما إن الحكومة ممثلة في الوزارة المعنية مسؤولة سياسياً عن هذا المرفق أمام البرلمان، ومن ثم فإن ما قامت به الوزارة في هذا الشأن يدخل في جوهر اختصاصاتها باعتبارها القوامة على حسن وإدارة المرفق العام التابع لها وهو مرفق البريد.
ومما يستوجب الإشارة أن معظم الخدمات البريدية تخدم قطاع الشركات والأجانب المقيمين في المملكة، وتلك الأجور تعتبر مالاً عاماً نتقاضاه لينتفع به المواطن البحريني بالدرجة الأولى دون غيره من الخدمات التي تقدمها الحكومة للجميع.