كتب - محرر 2O:
يقدم البارح للفنون التشكيلية معرض «خمسون عاماً من الحفر»، للفنان السوداني محمد عمر خليل في الفترة من 19 يناير إلى 15 فبراير المقبل. وهو المعرض الاستيعادي الأول للحفر للفنان محمد عمر، في الفترة بين منتصف عقد الستينات والفترة الأخيرة بعد العام 2000.
هذه الأعمال، وكثير منها لم يسبق عرضها من قبل، تقدم لنا قراءة بديلة لمسيرة الفنان المهنية بأكملها، بصفته ليس فقط مسافراً بين الثقافات والحقب، كما شهدناه في أعماله حول الرسام الفلورنسي رسام باولوأوتشيلو في أعوام الـ2000، ولكن كفنان يعيد تفسير معنى الثقافة البصرية بشكل عام: يحاول خليل نقل التجربة الحسية إلى أماكن أخرى، خارج نطاق الألوان النقية التي تميز فترة ما بعد الحداثة، فيشرع في البحث في الأسود عن مكان أكثر دفئاً حيث يلتقي كتابه عن الفن والحياة بالمشاهد.
من خلال تطبيق تقنية تقليدية مكتسبة من صنّاع الطباعة الأوروبية في القرون السابقة، تمثل لوحات خليل المحفورة في اللون الأسود بحيوية كل فتراته التصويرية: من أيام الدراسة المبكرة التي كانت تستقصي الفن الحديث من خلال العديد من الرحلات، مروراً باختبار الأشكال المجردة، وأخيراً تنفيذ أعمال تشكل تحية للموسيقى الحديثة والرسم الكلاسيكي.
ينسحب الفنان من المجال البصري، فيفتح بذلك إمكانية دخول العالم بمورفولوجيا مختلفة تماماً، ما يسبب تصادم عناصر تظهر أنها غير مرتبطة ببعضها البعض، فتخرج كتراكيب مولفة ومتمايزة. الدمج الدقيق بين العناصر الفلكلورية والحرف اليدوية، والأزلية التي تميز تاريخ الفن، يلدان عوالم مركبة لها حياتها الخاصة.
لقد كان محمد عمر خليل، ولا يزال، رائداً ومثالاً في الطباعة الفنية في جميع أنحاء المنطقـــة، وأحد أهم الفنانين الأحيـــاء الذين يعملون بحسب النسق الذي درّسه على أحسن وجه في الجامعات الأمريكية المرموقة، مثل «كولومبيا» و»مدرسة بارسونز للتصميم» فيجامعة «نيو سكول».
ظل الفنان بعيداً عن التبسيطية والتجريد اللذين شكلا جيله، مطوراً بذلك قواعد خاصة به، ونابشاً طبقات من الوعي، يقدمها كمتواليات سردية على شكل لقطات قد تكون مرتبة بشكل مختلف في كل مرة ننظر إليها. ليست السنوات الأربعون المشمولة بهذا المعرض، بأي حال من الأحوال، كلاً مركباً أكثر مما هي آثار وإشارات مشفرة من مسيرة مهنية خصبة، لم تنتهِ بتاتاً، بل لا تزال تبحث عن مسارات جديدة رائدة. والفنان هو واحد من الممارسين الفنيّين المميزين في الشرق الأوسط؛ هو رائد ليس فقط في الطباعة الفنية الطباعة، ولكن أيضاً في الفن التصوري والأساليب المختلفة في الرسم، التي تشبك الأفكار المعاصرة من جهة، مع التقنيات الكلاسيكية واستخدام أجسام جاهزة أو غير مصقولة من جهة أخرى. ولد الفنان محمد عمر خليل في بوري، السودان، العام 1936، ودرس في كلية الفنون الجميلة والتطبيقية في الخرطوم، السودان، ومن ثم في أكاديمية الفنون الجميلة في فلورنسا، وقد عاش وعمل في نيويـورك منذ العام 1967. وقـــد عرضـــت أعماله في محافل مهمة في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك «معهد العالم العربي» في باريس، «كونستهاله دارمشتات» في ألمانيا، وكل من «متحف متروبوليتان للفنون» و«متحف بروكلين» في نيويورك.