حوار - وليد صبري:
اكد رئيس المجلس الوطني الأعلى في تركيا جميل جيجاك أن «سياسات البحرين الحكيمة والمشروع الإصلاحي لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، والحوار الوطني خطوات متقدمة على الصعيد الديمقراطي»، مشيراً إلى أن «تركيا تدعم البحرين في مواجهة الإرهاب، وتساندها في تطبيق دولة القانون وحماية الإنجازات ودعم التنمية والإصلاح واستتباب الأمن وحماية الأرواح والممتلكات».
وأضاف جيجاك في حوار خص به «الوطن» أن «العنف ليس طريقاً للإصلاح، وبوجه عام، الجماعات الإرهابية حول العالم تتلقى تمويلاً خارجياً»، مشدداً على أن «البحرين لؤلؤة الخليج بالنسبة لتركيا، وأنقرة تتعاطى بجدية مع امن واستقرار المملكة، كما إنها تلمس إرادة قوية لدى المسؤولين في البحرين لحل كافة المشكلات وتشعر بامتنان كبير تجاه ذلك».
وذكر أن «الحل البحريني لتجاوز التحديات شأن داخلي خاص بأهل البحرين، وهم قادرون على الوصول إليه»، موضحاً أن «المبادرة الملكية السامية بتشكيل اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق وتنفيذ توصياتها خطوة تستحق الإشادة»، فيما لفت إلى أن «تجربة البحرين البرلمانية تعكس توجهها نحو تكريس دور السلطة التشريعية».
وأعرب جيجاك عن «أمله في الإسراع بإبرام اتفاقية التجارة الحرة بين تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي، الأمر الذي يزيد حجم التبادل التجاري والاقتصادي في المستقبل». ودعا جيجاك «أحزاب الإسلام السياسي بالمنطقة إلى الاستفادة من أخطائها وتجاربها خاصة في محاولة استنساخ التجربة التركية»، وإلى نص الحوار:
هل لنا أن نتطرق إلى نتائج زيارتكم الأخيرة إلى دول مجلس التعاون خصوصاً الكويت والبحرين؟
- نحن في مناسبات عديدة نقوم بزيارات إلى دول مجلس التعاون الخليجي، وقمنا بزيارة مملكة البحرين بناء على دعوة كريمة تلقيناها من رئيس مجلس النواب في البحرين خليفة بن أحمد الظهراني، والوفد كان يضم برلمانيين، والهدف من هذه الزيارة تعزيز الأخوة والصداقة بين الدولتين. وقد أجرينا خلال الزيارة لقاء مثمراً ومفيداً للغاية مع جلالة الملك، كما أجرينا في إطار هذه الزيارة لقاءات واجتماعات مثمرة للغاية مع كل من صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء، وصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، واللقاءين المثمرين والمفيدين الآخرين مع كل من رئيس مجلس النواب خليفة بن احمد الظهراني ورئيس مجلس الشورى علي صالح الصالح. وجرى خلال اللقاءات عقد مباحثات رفيعة المستوى تناولت العلاقات الثنائية بين البلدين الصديقين، وسبل تعزيزها، وبيان الموقف التركي الراسخ والمؤيد لمملكة البحرين.
كما استعرضنا القضايا الإقليمية والدولية خاصة القضايا التي تخص منطقة الشرق الأوسط التي تشهد حالة من الاضطرابات في هذه الفترة، وتبادلنا وجهات النظر المختلفة حول مختلف القضايا التي تمس المنطقة، ولاشك في أن مملكة البحرين دولة مهمة بالنسبة لتركيا، فهي بمثابة لؤلؤة الخليج، ولذلك نحن نتعاطى بجدية مع أمن واستقرار البحرين، وفي هذا الإطار فقد تباحثنا في مختلف القضايا التي تهم البلدين، وقد رأيت خلال تلك اللقاءات والمباحثات توافقاً كبيراً في وجهات النظر تجاه القضايا الإقليمية والدولية، كما إننا نتابع التطورات الحاصلة هنا عن كثب، ونسعى فيما إذا كانت هناك مهمة تقع على عاتقنا للقيام بتحقيقها في الإطار الاستشاري. إن العلاقات التركية البحرينية علاقات تاريخية وقوية وراسخة، تقوم على التعاون والتنسيق في مختلف المحافل الإقليمية والدولية، واللافت هنا إلى أن العلاقات تشهد نمواً كبيراً منذ أن زار جلالة الملك تركيا.
خطوات إصلاحية متقدمة
كيف تقيمون الإصلاحات السياسية في البحرين، والتطور الديمقراطي الذي تشهده المملكة؟
- نحن نقدر الجهود التي يقوم بها جلالة الملك، والإصلاحات السياسية التي يقوم بها في مملكة البحرين وندعمها، كما ندعم مسيرة الحوار ونتمنى أن تتكلل بالنجاح، ولاشك في أن كل دول العالم لديها مشكلات داخلية، ونحن أيضاً لدينا مشكلات داخلية، لكن المهم هو كيفية التعاطي مع تلك المشكلات وحلها. إننا ننظر إلى جهود الإصلاحات في البحرين نظرة إيجابية للغاية، وإننا ننظر إلى الحل الأمثل للمشكلات عن طريق تحقيق المشاركة وإثراء الحوار، ولا يمكن إيجاد أي حل إلا من خلال الحوار، فلا يمكن أن يكون طريق العنف والشدة سبيلاً لإنجاح العملية السياسية، وعليه لابد من انتهاج سياسة الحوار والتشاور لحل المشكلات العالقة. وقد لمست إرادة قوية لدى المسؤولين في البحرين لحل كافة المشكلات ونشعر بامتنان كبير تجاه ذلك.
ونحن نؤكد على دعم تركيا للبحرين في كل الإجراءات التي اتخذتها من أجل تنفيذ دولة القانون والمؤسسات، وحماية الإنجازات والمكتسبات، ودعم عملية التنمية والإصلاح والتطوير، واستتباب الأمن والاستقرار، وحماية الأرواح والممتلكات، وفي هذا الصدد لابد أن نشيد بالمبادرة الملكية السامية بتشكيل اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق وتنفيذ توصياتها. إن تركيا تدعم حوار التوافق الوطني في البحرين، ولاشك في أن الحل البحريني لتجاوز كافة التحديات هو شأن داخلي خاص بأهل البحرين، وهم قادرون على الوصول إليه. كما إن سياسة البحرين الحكيمة، والمشروع الإصلاحي لجلالة الملك المفدى، وحوار التوافق الوطني، تعد خطوات متقدمة على الصعيد الديمقراطي. ولابد أن نشير أيضاً إلى تجربة البحرين البرلمانية التي تعكس توجهها نحو تكريس دور السلطة التشريعية، كما لابد من الإشادة بما تحقق من تطور في التجربة الدستورية والنيابية في المملكة.
التمويل الخارجي للإرهاب
جماعات راديكالية في البحرين ترفض إدانة العنف والإرهاب، وتسعى للاستقواء بالخارج، وتحشد الشارع عن طريق مثيري الشغب، كيف تقيمون ذلك الموقف، خاصة وأن تركيا تعاملت بحزم مع الإرهاب والشغب؟
- الإرهاب جريمة ضد الإنسانية وهي بمثابة الكارثة لأية أمة، وتمثل المرض السائد في بعض الأحيان لدى معظم الدول، ولا يمكن لأحد أن يتوصل لأية نتيجة من خلال الإرهاب، ونحن ندرك أن البحرين تتعرض للإرهاب، وفي نفس الوقت ندرك أن العنف ليس طريقاً للإصلاح. ولابد من اللجوء إلى الحوار للوصول إلى حلول سياسية، ومعظم المجموعات الإرهابية التي تظهر في كل دول العالم تحظى بدعم وتمويل خارجي، لكنها في الوقت نفسه لا يمكنها أن تعيش داخل المجتمعات المسالمة، وعلى سبيل المثال، نحن عشنا تلك التجربة في تركيا، والدول التي تشعر بالقلق من نهضة تركيا كانت هي التي تقف وراء الجماعات الإرهابية.
كيف تقيمون حجم التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري بين البلدين؟
- التعاون الاقتصادي بين البحرين وتركيا جيد، والنقطة التي وصلنا إليها الآن جيدة، لكننا نمتلك العديد من الفرص والإمكانات الهائلة لدعم التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري بين البلدين، وبإمكاننا أن نحفز ونطور التعاون الاقتصادي بين البلدين في المستقبل، وقد تحدثت خلال لقائي مع رئيس الوزراء عن إمكانية عقد اجتماع للجنة الاقتصادية المشتركة بين البلدين على وجه السرعة، وعرضت مقترحاُ على رئيس الوزراء في هذا الصدد، وهذه تعتبر آلية مهمة لأنها تمكننا من رفع مستوى التبادل التجاري والاقتصادي مع العديد من الدول. من ناحية أخرى، نتوقع أن يتم على وجه السرعة تحقيق التوصل لاتفاق في ما يتعلق بإبرام اتفاقية التجارة الحرة بين تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي، لأن ذلك سيساهم في زيادة حجم التبادل التجاري والاقتصادي بين تركيا ودول المجلس في المستقبل. وفي ما يتعلق بإقامة المعارض بين البلدين فنحن نقوم بتفعيل ذلك، وخلال الشهر الجاري سيتم تنظيم معرض البحرين الدولي للطيران، وتركيا ستشارك في هذا المعرض ولها العديد من المنتجات في هذا الصدد، ومن إحدى مجالات التعاون بين البلدين نستطيع أن نقول إنها تشمل حقل الصناعات الدفاعية والجوية.
كيف تقيمون التدخلات والتهديدات الإيرانية لدول مجلس التعاون بوجه عام وللبحرين بوجه خاص؟
- تركيا ترفض تماماً تدخل أية دولة في الشؤون الداخلية لدولة أخرى تمتلك السيادة، إننا ندرك من مجريات الأحداث في منطقة الشرق الأوسط أن التدخلات الخارجية في شؤون الدول الأخرى لا تحقق حلولاً بل تزيد المشكلات وتتسبب في زيارة التناحر والصراعات، ويجب علينا في دول المنطقة أن نقيم الحوار فيما بيننا ولا نتدخل في الشؤون الداخلية لبعضنا البعض، لأن زعزعة الاستقرار في المنطقة تضر بالجميع، وتؤثر سلباً على كافة دول المنطقة، وهناك أمثلة شاهدة على ما نتحدث، مثل نموذج العراق وسوريا ولبنان واليمن، ولهذا يتعين علينا أن نستخلص الدروس والعبر.
أحزاب الإسلام السياسي في برلمانات بعض الدول العربية شكلت أغلبية استلهاماً من التجربة التركية ونجاحها، لكن بعض هذه الأحزاب ارتكبت أخطاء خلال ممارسة العملية السياسية، كيف تقيمون تلك التجربة وكيف يمكن تصحيح تلك الأخطاء؟
- بطبيعة الحال نحن بشر، نخطئ ونصيب، ولكن المهم هنا أن يتعلم الإنسان من إخطائه، ونحن في الماضي أخطأنا وحتى اليوم يمكن أن نمر بذلك، وبوجه عام التجارب هي التي ترسم خارطة الطريق بالنسبة للدول، ويتعين علينا أن نستفيد من تجاربنا، وأن نسلك الطريق القويم في هذا الصدد، وعلى أحزاب الإسلام السياسي في المنطقة الاستفادة من تجاربها وأخطائها خاصة في محاولة استنساخ التجربة التركية.
«حزب العدالة والتنمية» الحاكم قدم مشروع قانون لتعزيز سيطرة الحكومة على القضاء، ما سبب قلقاً واعتبره البعض صراعاً بين الحزب وجماعة عبدالله غولن الحليف السابق للحزب الحاكم، كيف تقيمون ذلك الوضع وهل يمكن إقحام البرلمان في الأزمة القائمة؟
- أكبر خطر يمكن إلحاقه ببلد ما هو إقحام السياسة في القضاء، الجهاز التشريعي يجب أن يكون مستقلاً ويقوم بمهامه المنوطة بها، والجهاز التنفيذي يجب أن يقوم بدوره أيضاً، لا يمكن أن يصبح القضاء جزءاً من السياسة، ومهمة القضاء هي البقاء في الإطار القانوني وتحقيق العدالة، وإذا خرج عن هذا الإطار، فإن القضاء يفقد شرعيته ويصبح معرضاً للخطر، ويفقد المواطن الثقة بالقضاء ومن ثم بالدولة، تركيا تعيش هذه المشكلات الآن، ولكن الديمقراطيات العريقة تحافظ على كل السلطات، داخل الجهات المنوطة بها.
الأزمة السورية
كيف تقيم تركيا الأزمة السورية وما وصلت إليه وهل تتوقعون نجاح مؤتمر «جنيف 2» المقرر انعقاده خلال أيام؟
- تركيا قدمت توصيات ونصائح لنظام الرئيس بشار الأسد في بداية الأزمة، ومع انطلاق الثورة، وقبل أن تصل الأوضاع إلى ما وصلت عليه الآن، وقمنا بذلك لسببين، أحدهما أن تركيا تعتبر الشعب السوري شعباً شقيقاً وصديقاً لنا، وثانياً أن سوريا دولة جارة لنا، وكل مشكلة وأزمة تشهدها سوريا، تؤثر علينا كدولة جارة، وللأسف لم يتم تحقيق الإصلاحات التي تلبي طموحات وتوقعات الشعب السوري خلال الفترة الماضية، ورفض نظام الأسد تحقيق الإصلاحات، ولهذا السبب وصلت الأوضاع اليوم إلى حالة لا يمكن لأحد أن يحبذها أو يرضى عنها. لقد وصل العنف في سوريا إلى مستويات كبيرة، ويتم قتل المدنيين باستخدام السلاح الكيميائي وقصف المناطق السكنية بالبراميل المتفجرة، لقد قتل أكثر من 150 ألف سوري جراء الاضطرابات والعنف، و4 ملايين سوري يعيشون كلاجئين بالخارج. نظام الأسد دمر تاريخ سوريا وبنيتها التحتية، والمتضرر الأوحد من ذلك هو الشعب السوري، ونحن في ما بعد كدولة جارة، ولهذا يتعين التخلص من تلك المصاعب، وإيجاد حل للأزمة السورية على وجه السرعة. إننا نتمنى نجاح مؤتمر «جنيف 2»، ونرغب في ذلك، لكنني لست واثقاً بشأن النتائج التي قد تنجم عن المؤتمر، وعندنا قول مأثور في تركيا يقول «النار تحرق المكان الذي تشتعل فيه»، وأعتقد أن الدول المشاركة في المؤتمر ستسعى لإيجاد حل سياسي وإيقاف نزيف الدم وما نراه من أشلاء الموتى من النساء والأطفال والشيوخ، وعموماً ننتظر ونرى ماذا سيحدث؟
متى ستغير تركيا موقفها من السلطة الحاكمة في مصر وتعود العلاقات بين البلدين قوية، مثلما كانت من قبل؟
- قلنا بكل مصداقية ووضوح، أن الشعب المصري شقيق للشعب التركي ولدينا علاقات قوية ومشتركة مع مصر تعود إلى ما قبل 100 عام، وديننا واحد، ونتمنى كل الخير للشعب المصري، وندعم خياراته عبر المسار الديمقراطي من خلال صناديق الاقتراع والانتخابات، ونحن لا ننظر بإيجابية إلى الانقلاب، لأننا عشنا تجارب مريرة وعانينا من الانقلابات في بلادنا، ومن ثم يجب احترام السلطة التي وصلت إلى الحكم عبر العملية الديمقراطية والانتخابات وصناديق الاقتراع، ويجب أن يكون تغيير نظام الحكم عبر صناديق الاقتراع، وإذا تم نهج طريق آخر غير الديمقراطية فإن المشكلات لا تحل، بل تتفاقم في البلاد، وتتعقد أكثر، وهناك مشكلات ومظاهرات في العديد من دول حوض البحر الأبيض المتوسط في إيطاليا واليونان وإسبانيا، على سبيل المثال، بسبب المشكلات الاقتصادية وتدابير التقشف التي تتخذها الحكومات لمواجهة أزماتها، ويخرج الملايين إلى الشوارع لإجبار الحكومة على الاستقالة، وبالتالي يكون الحل عبر الانتخابات، وليس عن طريق الانقلاب العسكري، وإذا كانت الحكومات غير قادرة على أداء واجباتها بطريقة سليمة، عندئذ يتم اللجوء إلى الشعب عبر انتخابات حرة لتغيير الحكم، وقد تكون انتخابات مبكرة، لكن ليس معقولاً أن يتم بين فترة وأخرى خروج مئات الآلاف لتغيير نظام الحكم.