في خضم الأحداث التي يمر بها الوطن العربي وانعكاساتها اللامتناهية على الدول العربية وشعوبها، إلا أنها أيضاً نزعت أقنعة الكثير من المفكرين والسياسيين والإعلامين وحتى رجال الدين، والتي جعلتهم يتخبطون في أفكارهم ويتراجعون عن مبادئهم المنادين بها والمدافعين عنها.
وكان آخرهم الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل الذي ظهر بتصريحاتٍ متناقضة في المعنى والمضمون، منسلخة عن المنطق والحكمة والتفكير القويم، وبعيدة كل البعد عن أفكاره ومبادئه التي يتشدق بها ويدافع عنها.
ففي إحدى مقابلاته السابقة، وفي سياق حديثه عن حزب الله، أكد انحيازه لهذا الحزب الذي يمثل ظاهرة مقاومة في العالم العربي ضد إسرائيل حسب رأيه، ويجب أن نسلم بأن له علاقة مع إيران وأنه ـ أي الحزب- لا ينكرها، وبالرغم من ذلك إلا أن حزب الله قومي عربي حقيقي، و(حكاية سني شيعي مش داخلة دماغي لغاية دي الوقت) حسب تعبيره.
إلا أنه في مقابلته الأخيرة، انسلخ كلياً من عباءته القومية العربية واستبدلها بعباءة فارسية الهوى، فصرح بانحيازه لإيران وتغنى وعظم من شأنها ولم يؤيد من يصف إيران بأنها دولة قمعية منتهكة لحقوق الإنسان ومضطهدة للمرأة، متغاضياً عن الحالة المزرية التي يعيشها الكثير من الإيرانيين وعن المشانق المعلقة في شوارعها.
وأضاف مشدداً على أهمية الدور الإيراني، حيث يجب علينا -أي الدول العربية- أن نحافظ علي التوازنات الكبرى في المنطقة بين كل من مصر و تركيا وإيران.
وبالرغم من إغفاله للدور الفاعل والمؤثر للمملكة العربية السعودية الشقيقة وتجاهله لدور دول الخليج العربي المهم أيضاً في حفظ هذه التوازنات - وبالرغم من ذلك كله - كان باستطاعتنا تقبل كلامه من باب الاختلاف والرأي والرأي الآخر واحتراماً لسنه ومراعاةً لتاريخه الطويل. إلا أنه وعند تطرقه للجزر الإمارتية العربية المحتلة قال كلاماً لا يمكن السكوت عنه، إذ لم يستطع هيكل وصف طمب الكبرى وطمب الصغرى وأبو موسى بأنها جزر إماراتية بل أشار اليها بالإيرانية، معترفاً بذلك على أحقية إيران بالسيطرة عليها ، وما لبث حتى أدخل البحرين ضمن هرطقاته، حيث قال مبرراً للاحتلال الإيراني للجزر: بأننا وافقنا بأن تبقى البحرين عربية رغم أن فيها أغلبية شيعيه والحكم سني، و(خذت البحرين لتكون دولة عربية). فبالتالي حسب رأيه من حق إيران احتلال الجزر الإماراتية تعويضاً لها لخسارتها للبحرين. فعلا أنه خريف العمر.
فكيف لمن يدعي القومية والعروبة قول هذا الكلام وأن يفرط بشبر من أرضه العربية لكي يحفظ توازناً في المنطقة؟ متناسياً أن مملكة البحرين والجزر الإماراتية أراضٍ عربية منذ الأزل. كما أغفل هيكل في تصريحاته الأخيرة إجماع شعب البحرين والتفافه حول قيادته والذي أكد على عروبة البحرين وأراضيها وانتمائه وهويته العربية الإسلامية لوفد الأمم المتحدة الذي زارها برئاسة كويكاردي في 30 مارس 1970 للتعرف على رغبات أهل البحرين في تكوين دولتهم قبيل الاستقلال.
ولم يكتفِ هيكل بذلك، بل غير لونه وجلده ومعاييره في الحكم والقياس، حيث أكد سابقاً على أن حزب الله والذي يفخر الحزب بانتمائه وارتباطه بإيران، بأنه قومي عربي حقيقي حسب رأيه، بالرغم من أنه تيار راديكالي شيعي مؤسس وممول من إيران. وعندما تحدث عن البحرين ربط شيعة البحرين وأبنائها بإيران بالرغم من عروبتهم وتصريحهم بانتمائهم للأمة العربية، فأي منطق يجعل من حزب الله الإيراني عربياً بغض النظر عن كونه شيعياً، وينسب الشيعة أبناء البحرين العرب لإيران! ومن أين جئت يا هيكل بإحصائياتك الطائفية التي بينت لك (بلا شك) بأن هناك طائفة تعتبر أغلبية في البحرين على حساب طائفة أخرى؟ ومن أعطاك الحق بأن تتحدث بهذا النفس الطائفي البغيض عن شعب البحرين ومكوناته، رغم نفيك لتهمة الطائفية عن نفسك وعدم اعترافك بها سابقاً. ومن أنت حتى ترضى وتقبل بأن تكون البحرين عربية أولا تقبل، وتجعل من نفسك محدداً لهوية البحرين وشعبها وانتمائهما.
لقد تجاوز هيكل الحدود ما يفقده الثقة والتقدير، فمملكة البحرين دولة عربية وجزء لا يتجزأ من الوطن العربي الكبير وكذلك الجزر الإماراتية العربية المحتلة من المغتصب الإيراني، و لتعلم انت وغيرك بأن شعب البحرين شعب عربي مسلم أصيل بكافة طوائفه ومكوناته يحكم من قبل أسرة عربية مسلمة أيضاً ارتضاها الشعب والتف حولها لتتقلد زمام الحكم فيها، فلا يوجد لدينا اختلاف بين الحاكم والمحكوم في الانتماء والهويـة. وأن ادعاءك للقومية والعروبة، وتاريخك – المختلف عليه – لا يشفع لك لتتحدث عن البحرين وعن هويتها، فهذا من الخطوط الحمراء والتي لا نسمح لكائن من كان الخوض والتدخل فيها، فأما أن تتحدث بخير وإلا فلتصمت لتحافظ على ما تبقي لك من احترام وتقدير لدى من يرونك أهلاً لها.
محمد أحمد مهنا البوعينين
متخصص في العلوم السياسية