«لم أختر طريقي.. والنظرات البشعة لاحقتني «طمعاً في جسدي»»، هكذا ابتدأت «لينا» قصتها لـ«الوطن»، مضيفة أن «نتيجتي الثانوية أهلتني لدراسة الطب غير أنني لم ألتحق في الكلية رغم قبولي»، وأنها عاشت وسط أسرة مسلمة محافظة فقيرة.. توسطت أختيها اللتين تكبرانها وأخويها الصغيرين.. ودرست كل مراحلها التعليمية في مدينتها النائية والتي تبعد 400 كيلومتر عن جنوب العاصمة أديس أبابا.
«الوطن» ظلت تحاول لأكثر من 14 يوماً الوصول إلى «لينا».. ولكن كانت المحاولات جميعها تبوء بالفشل لخوفها من أن يكشف أمرها.
وأشارت إلى أنها في نهاية عام 2005 حضرت إلى البحرين وكان عمرها آنذاك 16 عاماً بعدما جاءت فكرة الحضور من إحدى صديقاتها التي أرسلت لها عقد خادمة، حيث عملت خادمة لمدة 14 شهراً مع إحدى الأسر في البديع.
رحلة الهروب.. وقسوة الحياة
وقالت «لينا» إنها «بسبب ما ذقته من ألم وقسوة لذت بالفرار بعد مشاورة صديقتي ووعود كاذبة من أحد المواطنين بعمل غير متعب ولمدة 8 ساعات فقط ونقل الكفالة إلى جهة العمل الجديدة.. ودخل أكبر».
بعد الشهر الأول من الهروب اكتشفت «لينا» قسوة الحياة وصعوبتها في المنامة، خصوصاً بعدما أصبحت وحيدة لا صديقة ولا أخت ولا منزل يأويها .. مما اضطررها أن تشارك فتيات أثيوبيات لا تعلم عنهن شيئاً في إحدى الشقق.. جميعهن كانت ظروفهن أشبه بظروفها باختلاف التفاصيل. وأوضحت «لينا»، «هنا بدأ أول خيط للطريق.. حاولت بجد البحث عن عمل في مجال السكرتيرة لتعاملي الممتاز مع الكمبيوتر ولغتي الإنجليزية والعربية جيدة، ولكن عبثاً باءت جميع تلك المحاولات بالفشل.. الجميع ينظر إليّ نظرة «محددة».. ليس عطفاً وإنما تلك النظرات البشعة «طمعاً بجسدي».
وأضافت «أكثر من 5 شهور وأنا أصارع هذه الحياة.. ظروفي أصبحت صعبة جداً.. وحالي يرثى له لا صديق ولا قريب.. تراكمت الديون.. بمختلف أنواعها بما فيها المصاريف الشهرية التي كنت أرسلها لوالدتي (100 دينار) بعدما انقطعت فجأة.. فعاودت الاستلاف من بعض الزميلات».
غرامي.. كان غلطتي
«ظهر شاب خليجي في حياتي في تلك الأثناء... ساعدني كثيراً .. ووعدني بالارتباط الشرعي».. وأضافت لينا أن هذا الشاب «كان صادقاً في بداية علاقتي معه.. ولكن تبدل الحال بعد أقل من شهرين.. وأصبحت مآربه الدنيئة تتجه نحو اتجاهات أخرى».
وأوضحت «كنت قد أحببته حقاً باعتباره أول شاب في حياتي وكنت آمل أن يكون زوجي بأي طريقة يراها هو».
وقالت «سلمت إليه نفسي بالكامل.. وكان هذا خطئي الوحيد الذي ارتكبته.. ولكن حبي له ومساعدته لي بأي مبالغ مادية أريدها كان الدافع نحو ذلك...ولكن لم تستمر هذه الحال لأكثر من سنة».
اختفى ذلك الشاب.. ولم تعد لينا تراه ولم تعد تسمع عنه شيئاً.. فبدأت تبحث عنه كثيراً ولكن بلا جدوى حتى يأست .. فعادت الديون وعادت تلك الأفكار تراودها مجدداً .. فبدأت تفكر في أهلها وسمعتها وتفوقها الذي رمته خلفها .. وبدأت تفكر بحياتها التي انقلبت رأساً على عقب .. وكيف كانت وإلى أين أصبحت.. ولكن صديقات السوء قطعن تلك الأفكار.. ونصحنها بأن تبحث عن غيره ولا تقف عنده.
وقالت «للأسف .. رضخت لتلك النصيحة.. وبدأت برحلة البحث المتعبة تلك .. لإيجاد شاب آخر يماثله أو يشابهه في كل شيء.. واجهتني مشاكل كثيرة ومصاعب أكثر .. أحياناً كادت أن تتسبب في ترحيلي من البحرين وأحياناً أخرى كادت أن تودي بحياتي».
لا أملك نفسي
وقالت لينا «تعرضت لأبشع أنواع الاغتصاب .. تعرضت إلى بعض الشباب دون إرادة مني .. أصبحت لا أملك نفسي .. فقدت كل ما أملكه من مبادىء.. أصبحت تائهة ..أتخبط .. لا أعلم أين وكيف وجهتي .. ما حصل معي جعلني أرتطم بتلك المبادىء التي حملتها معي منذ سفري».
وأضافت «فكرت بشكل جدي في الرجوع إلى بلدي في عام 2010.. غير أن الاستسلام والرجوع كان يحتاج إلى تضحيات من نوع آخر.. حيث إن هناك مكتباً متخصصاً مكوناً من 3 أشخاص شابين وامرأة يشكلون هذه العمليات .. وأظنهم هم الذين يستقدمون الفتيات الأثيوبيات». وأوضحت «طلبوا مني 800 دينار ووفرتها لهم بأسرع وقت ممكن .. فلهفتي للرجوع جعلتني أفعل المستحيل .. استمر الأمر لأكثر من شهرين وأنا أحاول بشتى الطرق .. ظهرت عتبات في حياتي جعلتني أسقط .. ولكني وقفت مرات أخرى .. ولكن عبثاً فلم أجد المبلغ الذي دفعته .. ولم أجد مقصدي بالعودة إلى بلادي».
وأشارت إلى أنها راجعت المكتب مرات عدة و»لكن كل مرة كنت أفشل .. هددوني كثيراً.. بعد ذلك حاول أحد المواطنين مساعدتي مقابل تقديمي إليهم.. كان جاداً في سعيه معي وكنت أعطيه ما يريد.. فهاجس الرجعة إلى بلدي أصبح لا يعنيني .. ولم أعد أحس بشيء أو يؤثر على شيء ما». وقالت «حاول الشاب مع الكفيل الأول لإرجاعي.. غير أن الكفيل طلب مني ألف و500 دينار .. ولكن للأسف فالمبلغ لم يكن بحوزتي أو بحوزة الشاب حتى.. فانتهت كل تلك الأحلام العابرة بالرجوع إلى بلدي وألغيت فكرة الرجوع تماماً من رأسي.. وأصبحت الآن أسير بلا هدف». وأضافت «أعلم أنني الآن أصبحت إنسانة مختلفة تماماً عن السابق .. أسكن بمفردي في شقة ولدي هاتف «سامسونغ» .. بعدما كنت لا أفقه شيئاً في الحياة.. أصبحت أدخن الآن وجربت جميع أنواع الخمور.. ولو علم أحد من عائلتي أنني أدخن لقتلوني دون شك».
وأكدت «أنا أيقن أنني ارتكبت أخطاء جمة وأنني لم أحسن اختيار الهروب .. ولم أحسن وجهتي من لحظة هروبي ولكن ماكنت أعانيه مع الأسرة كان أشد إيلاماً».
وأشارت إلى أن حالتها تلك تعتبر نموذجاً أو مثالاً لحالات جمة وبشكل كبير في المجتمع البحريني.. فهناك من يضربها كفيلها.. وهناك من تتعرض للاغتصاب في بيت كفيلها.. وهناك من أتت من بلدها وقد رسمت فكرة الهروب منذ دخلوها البحرين للعمل في الدعارة. أما أنا فلم يكن طريقي ولم اختره ولكن ظروفي القاهرة وقسوتها.. هي التي اختارته لي .. وأتمنى الآن أن تكون أيامي القادمة أكثر هدوءاً وأفضل من السابق.. وأن أعود إلى بلدي لأحفظ ماتبقى مني .. إن كان هناك شيء تبقى.