كتب - يوسف شويطر:
حسب كلام أدونيس هو الشيء المرتبط بما هو خفي؛ وهذا الخفي لا يمكن له إلا أن يأسرنا لخفائه، ولا يمكن له إلا أن يشوقنا لبعده واحتجابه، خصوصاً إذا ما تم ربط هذا الخفي بخفي آخر، وهذا المحتجب البعيد بمحتجب بعيد آخر، ألا وهو الشعر.
ما هو النظر؟
في اللغة: النظر هو الفكر في الشيء تقدره وتقيسه ويصفون التناظر بأنه: التراوض في الأمر، فنظير الرجل الذي يا روضه فيناظره، ويفسرون المناظرة بقولهم: أن تناظر أخاك في أمر إذا نظرتما فيه معاً كيف تأتيانه، وربما يعرفونها بقولهم: المناظرة هي المباحثة، والمباراة في النظر واستحضار كل ما يراه ببصيرته، ونستطيع أن نقول بأن النظر هو التأمل بالقلب ونستطيع أن نقول أيضاً التفكر وإطلاق عنان الفكر إلى عوالم لا نهائية ومنها قول تعالى: (انظروا ماذا في السماوات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون).
تواجد الصوفية في الكتاب
لا شك بأن الشاعر خالد الرويعي قد خلق أجواءً صوفية في ديوان «انظر ولا أحد» ممزوجاً بقضية وهي النظر (النظر+الصوفية=عالم شعري مختلف يستحق البحث) والدليل هو تواجد بيتين من أحد شعراء الصوفية وهو الحلاج وأيضاً الشاعر عمر بن أبي ربيعة هو ليس بشاعر صوفي إنما من الممكن استخراج الصوفية من خلال تجربته، من خلال الاستشهادات الشعرية والقرآنية المتواجدة في بداية الكتاب تعطي بعد صوفي في التأمل والنظر الى الكون.
حضور الذات في الكتاب
هنا تكمن التجربة الصوفية وخاصةً في الهامش الأيسر من الكتاب مع نهايته نجد كلمة (وأنا أنظر) هنا يحيلنا إلى مقولة المتصوف أبويزيد البسطامي لما قال: لا إله إلا أنا فاعبدوني، هنا تكمن أهمية وعظمة الأنا البشرية القادرة على مقارعة ومجاراة الكون بأكمله وهذا هو الموضوع الذي يتحدث عنه الكتاب أهمية النظر ووجوده في هامش لوحده على سبيل المثال (من الكتاب):
وعن كل ما لم أقله حدثتك وحينها كنت لا ترين أحداً سواك (وفي الهامش، وها أنا أنظر)، هذا المقطع يحيلنا أيضاً إلى كتاب ليس هدوء إلا لمثل الشاعر الذي صدر في عام 2008 وفي مثل ذلك الكتاب يقول: (الخطايا سبع وأنا ثامنها والوصايا عشر وأنا حادي ما بعدها الأصدقاء اثنان بعد العاشر وأنا ربعهما والوجد فردوس وأنا واحدها) حضور طاغي للأنا في التجربة.
التعبير عن ذات الآخر
في المقطع الخامس والعشرين من الكتاب يقول الشاعر: كان يبحث وها أنت ذي لا ترين ملاذاً سواك، هنا يحضر الذات للآخر للتعبير عن مضمون المقطع الشعري بأكمله من البداية إلى النهاية ولو نلاحظ في الديوان بأكمله سوف نرى بأن المتن ينتهي بكلمة سواك هذا يدل على أهمية الذات والذات عند الشعراء الصوفيين مضمون مهم لابد منه. في كلمة سواك يذكرني الشاعر بابي المنصور الحلاج لما قال: ليس في جبتي إلا الله وبسبب هذه العبارة تلقى الانتقادات اللاذعة من قبل قومه هنا خالد كأنه يريد القول بأن هذا الكون بمجراته وكواكبه وأشيائه لا شيء سواك.
توظيف الهوامش والمتن
قضية الهامش و المتن في الكتب الأدبية في البحرين في اعتقادي الخاص هو ابتكار خلقه الشاعر علي الشرقاوي في كتابه غيث ابن اليراعة الذي صدر في عام 1989 ومن ثم انتقلت عدوى هذا الاختراع إلى الشعراء الآخرين و من ثم تم يلعب على هذة القضية أيضاً في كتابه الشين وأوراق ابن الحوبة والبحر لا يعتذر للسفن وفوجئت أيضاً بوجود هذا العنصر أيضاً في كتاب الشاعر قاسم حداد طرفة بن الوردة الذي صدر في عام 2011 الذي يحتوي أيضاً على هامش ومتن ويعتبر من أضخم المشاريع الأدبية على مستوى البحرين ككل، لكن في كتاب الرويعي يحتوي النص على هامش يمين تبع متن محدد في صفحة مختلفة وهامش يسار تبع متن محدد في صفحة مختلفة والصفحتان متقابلتان وأنا دائماً اسمي الهوامش في هذا الكتاب بالميمنة والميسرة والهوامش في الكتاب لها علاقة بالنظر وهو الموضوع الأساسي للديوان و المتن عبارة عن سرد، هنا الشاعر خلق القوة الدلالية للمعنى الرئيس للهامش من كلا الجهتين اليمين واليسار والمعنى الفرعي للمتن، هذا يذكرني بكتاب الشين عندما ترى المتن محاط بالهوامش و كأنه الشاعر الشرقاوي يريد خلق بعد جغرافي للنص وكأنه يقول للقارئ انظر بأن الهامش ليس مجرد هامشاً وإنما له معنى مؤثر على النص أو المتن.
الخلاصة
الشاعر ترك ديواناً تنتمي قصائده إلى المدرسة الحداثية والمعروف عن هذه المدرسة بأن مضامينها تطرح الأسئلة للمتلقي والمتلقي له الحرية في الاكتشاف ويجوز بأن في كل مرة عند قراءته للقصيدة يجد أكثر من بعد.