حوار - حذيفة إبراهيم:
أكد نائب رئيس المركز الإعلامي الروهنجي عمران كبير الأراكاني الابادات الجماعية المستمرة بحق الأقلية المسلمة في أقليم أراكان، مشيراً إلى أن الدولة الميانمارية تمارس أبشع أنواع التعذيب بحق السكان الأصليين من المسلمين «الروهنجيا»، حيث إن أركان هي «إقليم حكم المسلمين» سابقاً.
وقال الأراكاني إن تقارير الأمم المتحدة تشير إلى أن مسلمي «الروهنجيا» هم الأكثر اضطهاداً في العالم، كما أن اللاجئين في بنغلادش يعانون أيضاً بدورهم من أوضاع مأساوية، في ظل رفض الحكومة هناك لإدخال المساعدات إلى اللاجئين.
وحذر نائب رئيس المركز الإعلامي الروهنجي في حوار مع «الوطن» من دور إيراني لتشييع مسلمي أراكان، «حيث توجد حملات صفوية تحاول التغلغل في الشعب الأراكاني لتشييعه، وصلت بالتعاون مع الحكومة في ميانمار إلى اللاجئين في المخيمات، ولدى إيران عقود مع حكومة ميانمار واتفاقيات سرية، إلا أنها اكتفت مؤخراً بوضع المراقب للأوضاع هناك»، لافتاً الأركاني في الوقت نفسه إلى أن المملكة العربية السعودية ودول الخليج هي الداعم الأكبر للأقلية المسلمة في الإقليم.
* من أين بدأت قضية المسلمين في أراكان؟
- أراكان كانت مملكة إسلامية مستقلة وحكمها المسلمون أكثر من 350 سنة، إلا أنه تم احتلالها لاحقاً من قبل دولة ميانمار. المشكلة في أراكان أنها من أغنى الدول الآسيوية بالموارد الطبيعية فأغلى أنواع الخشب هو من أراكان، كما أنها تغذي بنغلادش وميانمار بالغاز الطبيعي، فضلاً عن النفط والموارد الأخرى الموجودة على أرضها، فهي تعتبر جنة استثمارية لدول آسيا، والتي بدورها تواطأت مع حكومة ميانمار ضد المسلمين هناك. ويوجد في أراكان حوالي 5 ملايين مسلم من أهل السنة والجماعة، يقابلهم 52 مليون بوذي، يمارسون كافة أنواع التعذيب وانتهاك الشعوب ضد المسلمين.
القضية الآراكانية لها بعد ديني أيضاً، فإن ميانمار هي قبلة البوذيين في العالم، والتي تعتبر الديانة الثالثة من ناحية الانتشار في العالم، ولذلك هم لا يريدون السماح للمسلمين بالتأثير على البوذيين أو ممارسة أنشطتهم الدعوية، ويعتبرون وجودهم خطراً على الدولة البوذية. وهناك أيضاً صراعات تاريخية بين المسلميين والبوذيين، حيث يرى البوذيون المسلمين أنهم قنبلة موقوتة، ويريدون محوَهم في أسرع وقت ممكن.
نحن في أراكان نعاني منذ أكثر من 70 سنة، فقضيتنا بدأت العام 1942 إلا أنه ومع عدم وجود الإعلام وبعد أراكان عن العالم الإسلامي، جعل القضية الأولى هي قضية فلسطين، في حين تم نسيان المسلمين هناك.
وفي تقارير الأمم المتحدة، ترى المنظمة الدولية أن مسلمي «الروهنجيا» الموجودين في أقليم أراكان في ميانمار هم الأقلية الأكثر اضطهاداً وتعرضاً للعنف في العالم، إلا أنها أيضاً القضية الأكثر ظلماً في التاريخ. وتمارس حكومة ميانمار أبشع أنواع التعذيب وسلب الإرادة، رغم أن مسلمي الروهنجيا هم أصل السكان في المنطقة ويوجد لدينا عملات تاريخية كتب عليها (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، وتقوم الحكومة الميانمارية بسلب المواطنين حقوقهم وتعتبرهم لاجئين، تضعهم في مخيمات، يتم حرقها بين الحين والآخر.
منع الأسلحة البيضاء حتى السكاكين
* ما الجديد في القضية الأراكانية؟
- بين الفترة والأخرى تبدأ عمليات إبادة جماعية في الأقليم، إلا أن أكبر مجزرة تاريخية حدثت العام 1992، والتي سميت «بالمجزرة الكبرى»، حيث راح ضحيتها أكثر من 120 ألف مسلم روهنجي في أركان، ولم تحظ هذه القضية تماماً بأي تركيز من جميع العالم. لكن وسائل التواصل الجديدة أبرزت القضية عالمياً، بالإضافة إلى الثورات العربية، حيث أخذت الشعوب العربية دورها في الإعلام، وهو ما ساعد القضية بشكل جزئي. وخلال الـ 70 عاماً الماضية من المعاناة استطاع البوذيون سلب الإرادة من نفوس الروهنجيين، فسحبوا منهم حتى الأسلحة البيضاء، فلا تكاد تجد سكيناً في بيوت المسلمين.
ومن الطرائف أيضاً، أن من يمتلك 15 دجاجة في البيت وأراد أن يذبح إحداها لإطعام أهله، عليه أن يقدم طلباً رسمياً لعمدة القرية ليتم السماح له. كما أن الطلب يجب أن يكتب بطريقة «أستأذن منكم أن أذبح واحدة من دجاجاتكم في منزلي»، وهو من قبل الذي تمارسه الحكومة ضد المسلمين.
إن هناك إبادات جماعية تحدث بشكل مستمر، فهناك قرى بأكملها يتم حرقها، آخرها كانت يوم الجمعة الماضية في منطقة «خير عدن» وتحديداً في قرية «كلدان» هذه القرية محاصرة من يومين من قبل الميليشيات البرومية والعصابات، وقتلوا أكثر من 100 مسلم، ولا أحد يعرف عن هذا الخبر حتى هذه اللحظة. وما يحدث في أقليم أراكان أن أي شخص قد يتعرض لمشكلة مع عسكري بورمي أو غيره، يتم حرق القرية بأكملها، أو اغتصاب النساء وقتل كل من فيها. هناك إمرأة مسلمة في إحدى المعسكرات التابعة لحكومة ميانمار يتم اغتصابها لمدة 7 سنوات حتى الآن. والتقطت منظمة «هيومان رايتس ووتش» صوراً قبل 6 أشهر عن طريق الأقمار الاصطناعية لقرية في إقليم أراكان، ثم اندلعت أزمة في تلك القرية، وأحرقت المجموعات البوذية القرية عن بكرة أبيها، وعاودت المنظمة التقاط الصور بالأقمار الاصطناعية لتجد أن القرية أبيدت بشكل كامل. لقد أحرق البوذيون أيضاً قبل يومين في عاصمة أراكان «أكياب» 31 خيمة للمسلمين بمن فيها، هم يأتون كجماعات كبيرة، يقتلون، ويغتصبون النساء والفتيات، ثم يقطعونهم ويقتلونهم. ويتم أيضاً ضرب العلماء والتنكيل بهم، فهم يقتلون الجميع دون أدنى رحمة، بينما يعذبون الآخرين حتى الموت سواء بتقطيع الأعضاء أو الحرق أو التنكيل والرفس وغيرها من طرق التعذيب.
* فإلى أين يفر مسلمو الروهنجيا من القتل والتعذيب؟
- يحاول مسلمو الروهنجيا الفرار بدينهم وعرضهم من الانتهاك، فيهربون عن طريق القوارب المتهالكة إلى أي مكان، وغالباً ما يقعون في تايلند في حالة نجاتهم من الغرق، والتي هي الأخرى بدورها تعتقلهم باعتبارهم مهاجرين غير شرعيين. قسم آخر يذهب إلى الحدود مع بنغلادش، حيث هناك مخيمات للاجئين يتجاوز عدد قاطنيها الـ 300 ألف لاجئ، بعضهم يعيش هناك لمدة تزيد عن الـ 10 سنوات في خيم مصنوعم من أكياس القمامة، وخالية من أي مقومات الحياة.
السلطات في بنغلادش تضيق للأسف على المهاجرين، فهي تمنع المنظمات الدولية بشكل كبير من الوصول إلى المنطقة، ولا تسمح بالمعونات الإغاثية للدخول إلى أراضيها، لعدة أسباب منها الاتفاقيات بين الدولتين في مجالات الاقتصاد وغيرها، والأخرى كونهم يخشون من أن يتم توطين هؤلاء اللاجئين من على الحدود ويصبحون عالة على الدولة البنغلاديشية.
ويعاني أيضاً مسلمو الروهنجيا من الاتجار بالبشر، حيث تشير المؤشرات الدولية إلى أنها واحدة من أكبر عمليات الاتجار بالبشر في العالم، ويتم استغلالهم غالباً في الدعارة وتهريب المخدرات، عن طريق عصابات في ميانمار وبنغلادش.
الدول العربية مقصرة بحقنا
* أي الدول أو المنظمات تدعم قضيتكم في العالم؟
- يتفاوت دعم الدول على مستوى العالم للقضية، إلا أن أكبر دولة داعمة لقضيتنا هي المملكة العربية السعودية، ودول الخليج سواء البحرين أو الإمارات العربية المتحدة والكويت. وتضم المملكة العربية السعودية حوالي 235 ألف من مسلمي الروهنجيا الذين هاجروا إليها منذ أكثر من 70 سنة، وأقامت لهم المملكة مؤخراً مشروعاً لتصحيح الأوضاع بأكثر من 4 مليارات ريال، ودعمت منذ بداية الأزمة مجدداً قبل عامين بأكثر من 50 مليون دولار. أيضاً تقف تركيا إلى جانبنا وهناك وقفات من قبل جمهورية مصر العربية. أما على الصعيد الآسيوي والدولي، فالجميع يقف إلى جانب حكومة ميانمار ضد المسلمين، بينما يقتصر دور الأمم المتحدة على إصدار بيانات ركيكة، فهي لا ترى العالم إلا من خلال الجبال والموارد ووفقاً لمصالحها. والعالم الإسلامي بشكل عام مقصر، فمنظمة المؤتمر الإسلامي التي تضم 57 دولة لم تستطع إيقاف تلك المجازر بحق المسلمين، وهذا أمر مخجل للغاية. وأنا أدعو العالم الإسلامي إلى اللحاق بمسلمي أراكان قبل أن يتم القضاء عليهم بشكل كامل.
* من أين انطقت فكرة المركز الروهنجي العالمي؟
- انطلقنا دعماً للقضية، صحيح أننا مهاجرون من أراكان منذ 70 عاماً، إلا أننا لم ننس القضية، وهناك ضعف كبير لدى الأركانيين في جانب عرض قضيتهم أمام العالم. وتم تأسيس المركز الروهنجي العالمي في تركيا قبل سنتين، والآن مقرنا الأساسي في امستردام، ولدنيا فرع في مكة المكرمة. ويعمل المركز بخمس مسارات أساسية، أولها الإغاثي، الحقوقي والسياسي، التعليمي من خلال محاولة توفير البعثات للأراكانيين، والعلاقات الدولية. ولدينا مسار إعلامي خصصناه بـ «المركز الإعلامي الروهنجي» يضم بدوره 7 وحدات أساسية.
وجميع الشباب الذين ينتمون للمركز هم متطوعون، ولكننا نعمل وفق سياسة مؤسسية ومحررين، ولدينا مجلة شهرية، ولدينا مدربون في الجوانب الإعلامية، ولدينا مصورون واستوديو، جميعها في المملكة العربية السعودية. لدينا أيضاً في المركز الإعلامي 220 مراسل داخل آراكان ونستقي الآخبار منهم باللغة الروهنجية، ونحولها إلى لغة صحفية عربية. ويتم التواصل مع هؤلاء المراسلين من خلال الهواتف النقالة، إلا أن الحكومة في ميانمار تقتل كل مسلم تجد لديه هاتف جوال، واستشهد لدينا 11 مراسلاً حتى الآن، ويعتبر من يعمل مراسلاً هناك إنسان «مضحي بنفسه».
لقد أسسنا ولله الحمد عقود شراكة مع عدة مؤسسات صحفية عربية وخليجية ومواقع إلكترونية لنشر القضية، كما أسسنا وكالة أنباء أراكان، ونعمل من خلال مواقع التواصل الاجتماعي ووفق ما تنشره لنا وسائل الإعلام التي نعمل معها. وأيضاً لدينا برنامج «أراكان المأساة» عرض على شاشة قناة وصال مساء كل يوم جمعة، وتعاد الحلقة 3 مرات على مدى الأسبوع. وفي المركز نفسه، لدينا 282 إعلامياً متطوعاً، ولله الحمد استطعنا الوصول لمستويات عالمية من خلال هؤلاء المتطوعين، لدرجة أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما، قال خلال زيارته للبرلمان في ميانمار أن «إعادة حقوق الأقلية المسلمة من الأمور الأساسية لدى الولايات المتحدة».
أما عن العمل السياسي، فيوجد «اتحاد الروهنجيا أراكان» وهو الممثل الشرعي للروهنجيين في العالم ورأسه البروفيسور وقار الدين. ينضوي تحت تلك المنظمة كافة المنظمات الروهنجية في العالم وعددها 61، إلا أن كل منها تحتاج إلى دعم كبير في كل جوانب، وتأهيل لتقوم بدورها الأساسي. وشاركت تلك المنظمة في مؤتمرات جنيف وحقوق الإنسان في الدورة 23 و 24 في مؤتمر حقوق الانسان، فضلاً عن مشاركات في فنلندا وغيرها.
* ماذا تطلبون من المجتمع الدولي والدول العربية؟
- نحن نطالب بضغط دولي على حكومة بنغلادش لإغاثة المنكوبين هناك، فضلاً عن الضغط على حكومة ميانمار لإيقاف تلك المجازر بحق المسلمين، وإعادة الحق إلى أهله، فالعالم الإسلامي يجب أن يقول كلمته في ذلك. كما يجب أيضاً دعم المنظمات الإعلامية والسياسية التابعة لأراكان، حيث مازالت حديثة أو قليلة الخبرة، ولا يمكن لها أن تقوم بدورها كما يجب للأسف.