عواصم - (وكالات): تنطلق اليوم في مدينة مونترو السويسرية أعمال مؤتمر «جنيف 2» بشأن عملية السلام في سوريا، وسط ترقب عالمي، فيما يأمل غالبية السوريين الذين أعياهم الصراع وحملهم أعباء جمة، في حدوث «معجزة» خلال المؤتمر تؤدي إلى التوصل إلى حل سلمي وإسكات صوت السلاح ورحيل الرئيس بشار الأسد. ورأى محللون أن «ظروف انعقاد المؤتمر أكثر ملاءمة للأسد الذي أعلن عن وجود احتمال كبير لترشحه لولاية جديدة، من تلك التي رافقت مؤتمر «جنيف 1» قبل أكثر من عام»، فيما يتوجه الائتلاف السوري المعارض إلى المؤتمر وسط انقسامات تعصف به، خاصة بعد انسحاب المجلس الوطني منه، وفي ظل شكوك حول قدرته على تطبيق أي اتفاق محتمل قد يتم التوصل إليه. ويشارك الائتلاف في المؤتمر بهدف تحقيق الانتقال السياسي بدءاً بتشكيل هيئة حكم انتقالي ذات صلاحيات تنفيذية كاملة على كافة مؤسسات الدولة، بما فيها الجيش والأمن والمخابرات، لا يشارك فيها من قتل وأجرم من نظام الأسد.
وبدأ اعتباراً من بعد ظهر أمس وصول أعضاء الوفود الرسمية المشاركة في المؤتمر إلى مدينة مونترو السويسرية، وستغيب إيران بعد سحب الدعوة الموجهة إليها، ما اعتبرته موسكو «خطأ»، فيما حذرت طهران من فشل المؤتمر.
وطرأ تأخير على وصول الوفد السوري الرسمي الذي كان يفترض أن يصل عصر أمس إلى مونترو، بسبب توقف الطائرة لخمس ساعات في مطار أثينا في انتظار تزويدها بالوقود.
وأقفلت القوى الأمنية السويسرية اعتباراً من الأمس منطقة ممتدة على مسافة كيلومتر تقريباً في شارع لاغراند رو في مونترو يقع ضمنها فندق «بوتي باليه» حيث سينعقد المؤتمر في حضور الطرفين الأساسيين: الحكومة والمعارضة السوريتان و38 دولة، بالإضافة إلى وفود الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي ومنظمة التعاون الإسلامي. ويفتتح المؤتمر صباح اليوم. وستعقد على هامشه اجتماعات بين أعضاء الوفود، بحسب مصادر متطابقة.
وهو اللقاء الأول بين المعارضة والحكومة منذ بدء الأزمة في سوريا منتصف مارس 2011. وقد خصصت لهما طاولتان متقابلتان في قاعة الاجتماعات، وستجلس المعارضة إلى يمين وفد الولايات المتحدة، بينما الوفد الحكومي إلى يمين الوفد الروسي.
وبين العرابين الروسي والأمريكي، وفد الأمم المتحدة برئاسة الأمين العام بان كي مون.
وقبل ساعات من إعلان الأخير سحب الدعوة التي وجهها إلى إيران، كان اسم إيران لايزال على طاولة الاجتماعات.
واضطر بان إلى سحب الدعوة تحت ضغط المملكـــة العربية السعوديــة واحتجــــاجات الغربيين وتهديد وفد المعارضة السورية بمقاطعة الاجتماع ورفض إيران التجاوب مع طلبه الموافقة على بيان جنيف 1.
ورداً على سحب الدعوة، قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف «نأسف لقيام الأمين العام بان كي مون بسحب دعوته تحت الضغط».
وأضاف ظريف «من المؤسف أن بان كي مون لا يتحلى بالشجاعة اللازمة لإعلان الأسباب الحقيقية لسحب الدعوة» مضيفاً «هذا السلوك لا يليق بكرامة الأمين العام للأمم المتحدة».
وأضاف ظريف «لقد أوضحت في عدة مكالمات هاتفية مع الأمين العام أن إيران لا تقبل أية شروط مسبقة لحضور المحادثات».
وجاء في بيان صادر عن وزارة الخارجية البريطانية أن الوزير وليام هيغ تحادث هاتفياً مع نظيره الإيراني ظريف وشدد الوزير البريطاني خلال الاتصال على ضرورة قيام حكومة انتقالية في سوريا «كقاعدة لإنهاء النزاع في سوريا».
وكانت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا التي ترغب في رحيل الرئيس بشار الأسد، اشترطت أن تدعم إيران أولا عملية الانتقال الديمقراطي في سوريا أي الموافقة على بيان جنيف 1 للحضور إلى سويسرا.
وتم الاتفاق في مؤتمر جنيف 1 الذي عقد في يونيو 2012 في غياب الطرفين السوريين على تشكيل حكومة من المعارضة والنظام كاملة الصلاحيات تتولى الإشراف على العملية الانتقالية، من دون أن تأتي على ذكر مصير بشار الأسد. واستبعد الرئيس السوري أن تضم أي حكومة مستقبلية وزراء من المعارضة المقيمة في الخارج التي شكك في تمثيليتها.
وأكدت المعارضة أنها ستشارك في مؤتمر جنيف 2 بهدف التوصل إلى حل يلحظ رحيل الأسد، الأمر الذي يرفض النظام مجرد البحث فيه. وقد أعلن الأسد أن هناك «فرصاً كبيرة» بأن يترشح إلى ولاية رئاسية جديدة خلال الانتخابات المقررة في يونيو المقبل.
واعتبر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف من جهته أن عدم دعوة طهران «خطأ».
وأضاف «لقد شددنا على الدوام على أن كل الأطراف الخارجية يجب أن تكون ممثلة».
وانتقد لافروف التبريرات التي أعطاها بان كي مون بشأن تغيير موقفه وسحب دعوته.
واعتبر مع ذلك أن غياب إيران عن جنيف 2 «ليس كارثة». وقال مصدر دبلوماسي إنه لن يصدر مبدئياً عن اجتماع مونترو أي قرار جديد، بل سيكتفي بان كي مون بعرض حصيلة المداخلات أمام المؤتمر. وكررت الأمم المتحدة أن الهدف من جنيف 2 تطبيق بيان جنيف 1. ويستغرق اجتماع مونترو يوماً واحداً. وينتقل بعدها الوفدان السوريان إلى جنيف حيث سيجريان اعتباراً من الجمعة المقبل مفاوضات في حضور المبعوث الخاص للأمم المتحدة والجامعة العربية الأخضر الإبراهيمي. وقد تستغرق هذه المحادثات أياماً.
ويلتقي لافروف في مونترو وزير الخارجية الأمريكي جون كيري.
وذكر مسؤول روسي بارز أن أول محادثات مباشرة بين النظام والمعارضة والتي ستبدأ هذا الأسبوع في جنيف ستستمر ما بين 7 و10 أيام وستتبعها جولة أخرى من المحادثات.
وذكر مصدر رسمي سوري أن «الطائرة التي تقل الوفد السوري غادرت مطار أثينا بعد تأخير 5 ساعات» بسبب رفض السلطات اليونانية تزويدها بالوقود. وذكرت وكالة أنباء «أنا» اليونانية شبه الرسمية أن السلطات اليونانية قامت بعمليات تفتيش روتينية للطائرة «تطبق في حالات الحصار الدولي».
وقالت إن «السلطات تتبع آلية لتفتيش الطائرة تطبق في حالات الحصار الدولي».
وتفرض الدول الأوروبية عقوبات على السلطات السورية تشمل رحلات الطيران والنفط.
في موازاة ذلك، أعلن رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي صالح مسلم تشكيل حكومة محلية لواحدة من 3 مناطق ذات غالبية كردية شمال شرق البلاد، بعد شهرين من إعلان إدارة ذاتية. وقال «سمينا حكومة محلية لمنطقة الجزيرة» شمال شرق البلاد، مشيراً إلى أنه «قريباً ستتم تسمية حكومتين مماثلتين لعفرين وكوباني»، المنطقتان الأخريان ذات الغالبية الكردية في سوريا.
في هذا الوقت، تستمر فصول العنف على الأرض فــي سوريـــا. وقتل 10 أشخــــاص في قصف بالطيران الحربي على مدينة حلب، وفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان.
وتعرضت مناطق سيطرة المعارضة في حلب وريفها منذ 15 ديسمبر الماضي لقصف مركز بالطيران، أدى إلى مقتل أكثر من 600 شخص خلال 3 أسابيع، بحسب المرصد.
من جهة أخرى، اتهم 3 مدعين عامين دوليين سابقين الأسد بارتكاب أعمال قتل وتعذيب على نطاق واسع، في تقرير نشر أمس يستند إلى شهادة منشق عن القوات السورية وطلبت إعداده قطر التي تدعم مقاتلي المعارضة السورية. ويستند التقرير الذي نشر مضمونه على موقعي صحيفة «الغارديان» البريطانية وشبكة «سي إن إن» الأمريكية إلى شهادة وصور قدمها المصدر الذي لم يكشف اسمه لأسباب أمنية.
وتحدث التقرير عن 11 ألف معتقل توفوا في سجون نظام الأسد. وصرح أحد المدعين الثلاثة، ديزموند دي سيلفا «هذا العدد يرد من موقع واحد لا يمكنني كشفه لدواع أمنية».
وتابع المدعي العام السابق في المحكمة الخاصة لسيراليون أن هناك «أكثر بكثير» لمجمل سوريا. وصاغ دي سيلفا التقرير إلى جانب جيفري نايس المدعي العام السابق في محاكمة الرئيس اليوغوسلافي السابق سلوبودان ميلوشيفيتش، وديفيد كراين الذي وجه التهمة رسمياً إلى رئيس ليبيريا تشارلز تايلور. والمخبر مصور يؤكد أنه فر من الشرطة العسكرية السورية وقدم 55 ألف صورة رقمية لـ 11 ألف معتقل توفوا في السجن بين مارس 2011 وأغسطس 2013.