كتب - جعفر الديري:
جعل الكتاب الصينيون آراءهم عن الأدب ذكية ومكثفة، ساحرة وعميقة، روحية وهجائية. فعلى سبيل المثال نجد في «الاستهلال العظيم» لكتاب «الأناشيد الكونفوشيوسية»، وهو أقدم الموسوعات عن الشعر الصيني والنبع الثر للشعرية الصينية والفكر الشعري الصيني قوة عظيمة للشعر تعزى إليه المهمة الكونفوشيوسية في تقويم السلوك الاجتماعي والسياسي. فهو «يقوم الخطأ، ويحرك السماء والأرض، الأرواح والآلهة». والتاويون منهم خصوصاً يعزون قوى خارقة للشعر، غير أن طريقتهم أكثر جوانبية وعرفانية، وتنطوي على حس بالمفارقة والتهكم. فالنصوص الأساسية للتاوية التي ظهرت حوالي القرن الثاني قبل الميلاد، تمجد النزوة والعفوية والتناقض، وتطرح نفسها كفلسفة ميتافيزيقية تزدري السياسة والواجب الكونفوشيوسيين.
وهنا وفي هذا الكتاب «فن الكتابــة تعــاليــم الشعــراء الصينيين» الذي قام بإعداد مادتــه العلميـــة طــوني بارنستون وتشاوبينغ، وقام بترجمته عابد إسماعيل يفتتح الشاعران التاويان لو - جي «261 - 303» وسيكــونغ تـــو «837 - 908» هذه القصائد التي تعلم وتشرح بشكل جميل حرفة كتابة الشعر، بحيث بات ينظر إليها كأعمال عظيمة لمبدعيها، ذلك أن قصائد لو - جي وسيكونغ تأخذنا في رحلات خلابة إلى متاهات النفس والخيال، وتصلنا عبر ذلك بالمصدر السري القابع تحت العالم، فالشاعر يتحسس هذا المصدر التاوي في الطبيعة بحثاً عن الإلهام، ومن العمق الذي يقبع وراء الكلمات يستمد الكلام.
إن تأثير «فن الكتابة» للو - جي -والذي نجده في هذا الكتاب- لا يمكن إغفاله، فقد وضع على عاتقه مهمة «التعليق على الأعمال الكلاسيكية الأنيقة، والتطرق إلى الكيفية التي تجد نقاط الضعف والقوة طريقها إلى كتابتنا» بل ويفعل أكثر من ذلك بكثير. إن قيمته موزعة بالتساوي بين تقديمه فكراً نقدياً وبين كونه أثراً أدبياً خالصاً.
أما في سلسلة سيكونغ تو المؤلفة من أربع وعشرين قصيدة عن الشعر فإن العناصر التي يستغلها الشاعر هي أدبية وعرفانية في آن واحد. «أحد ما خفي يسيطر على العالم» يكتب سيكونغ في، في عالم القصيدة، يكون الشاعر هو الخالق الخفي. ومثل لو- جي الباحث عن الرؤيا عبر الفضاء الداخلي، يأخذنا سيكونغ تو في رحلة الروح، إذ قوتها الدافعة هي تشي، وتشي مصطلح تاوي سرابي يشير إلى طاقة كونية لا تقهــر. وعلـــى غـــرار المفهوم الغربي للروح أو النفس في اللاتينية وفي اليونانية فإنها تمثل الروح الخالقة، وفي هذه القصائد يقودنا الشاعر بل ويبث فينا الروح، عبر معراج أدبي هو في الوقت ذاته معراج روحي.