أكد علماء ودعاة أن «الكبر ينافى حقيقة العبودية والاستسلام لرب العالمين، وذلك لأن حقيقة دين الإسلام الذي أرسل الله به رسوله وأنزل به كتابه الكريم هي أن يستسلم العبد لله وينقاد لأمره، فالمستسلم له ولغيره مشرك، والممتنع عن الاستسلام له مستكبر»، فيما أوصى العلماء بأن «الصفة التي ينبغي أن يكون عليها المسلم هي التواضع، وهو تواضع في غير ذلة، ولين في غير ضعف ولا هوان، وقد وصف الله عباده بأنهم يمشون على الأرض هوناً في سكينة ووقار غير أشرين ولا متكبرين».
وذكر العلماء أن «الحديث القدسي: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله عز وجل: «الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحداً منهما قذفته في النار»، ورد في سياق النهي عن الكبر والاستعلاء على الخلق، ومعناه أن العظمة والكبرياء صفتان لله سبحانه، اختص بهما، لا يجوز أن يشاركه فيهما أحد، ولا ينبغي لمخلوق أن يتصف بشيء منهما، وضُرِب الرداء والإزار مثالاً على ذلك، فكما أن الرداء والإزار يلصقان بالإنسان ويلازمانه، ولا يقبل أن يشاركه أحد في ردائه وإزاره، فكذلك الخالق جل وعلا جعل هاتين الصفتين ملازمتين له ومن خصائص ربوبيته وألوهيته، فلا يقبل أن يشاركه فيهما أحد».
ومن هنا فإن كل من تعاظم وتكبر، ودعا الناس إلى تعظيمه وإطرائه والخضوع له، وتعليق القلب به محبة وخوفاً ورجاء، فقد نازع الله في ربوبيته وألوهيته، وهو جدير بأن يهينه الله غاية الهوان، ويذله غاية الذل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال، يغشاهم الذل من كل مكان، فيساقون إلى سجن في جهنم يسمى بولس، تعلوهم نار الأنيار، يسقون من عصارة أهل النار طينة الخبال».
وأول ذنب عصي الله به هو الكبر، وهو ذنب إبليس حين أبى واستكبر وامتنع عن امتثال أمر الله له بالسجود لآدم، ولذا قال سفيان بن عيينه: «من كانت معصيته في شهوة فارج له التوبة، فإن آدم عليه السلام عصى مشتهياً فغفر له، ومن كانت معصيته من كبر فاخش عليه اللعنة، فإن إبليس عصى مستكبراً فلعن»، فالكبر إذاً ينافى حقيقة العبودية والاستسلام لرب العالمين، وذلك لأن حقيقة دين الإسلام الذي أرسل الله به رسله وأنزل به كتبه هي أن يستسلم العبد لله وينقاد لأمره، فالمستسلم له ولغيره مشرك، والممتنع عن الاستسلام له مستكبر، قال سبحانه: «سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق»، وقال سبحانه «إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين»، وثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر»».
وفسر العلماء الكبر بأنه «خلق باطن تظهر آثاره على الجوارح ، يوجب رؤية النفس والاستعلاء على الغير، وهو بذلك يفارق العجب في أن العجب يتعلق بنفس المعجب ولا يتعلق بغيره، وأما الكبر فمحله الآخرون، بأن يرى الإنسان نفسه بعين الاستعظام فيدعوه ذلك إلى احتقار الآخرين وازدرائهم والتعالي عليهم، وشر أنواعه ما منع من الاستفادة من العلم وقبول الحق والانقياد له، فقد تتيسر معرفة الحق للمتكبر ولكنه لا تطاوعه نفسه على الانقياد له كما قال سبحانه عن فرعون وقومه: «وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا»، ولهذا فسر النبي عليه الصلاة والسلام الكبر بأنه «بطر الحق»، أي رده وجحده، وغمط الناس أي: احتقارهم وازدراؤهم».
والصفة التي ينبغي أن يكون عليها المسلم هي التواضع، تواضع في غير ذلة، ولين في غير ضعف ولا هوان، وقد وصف الله عباده بأنهم يمشون على الأرض هوناً في سكينة ووقار غير أشرين ولا متكبرين، وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد».
من جهته، قال الداعية د.عمر عبدالكافي «من أعظم علامات التواضع الخضوع للحق والانقياد له، وقبوله ممن جاء به، لأن الكبرياء والجبروت لله عز وجل، فاحذر أن تتكبر على الآخرين». وأضاف د.عبدالكافي «دخل فقير مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلس بجوار الغني، فضم الغني عباءته، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم وقال: «أخفت أن يعديك فقره، أم خفت أن يعدو عليه غناك؟» فقال الغني: تنازلت له عن نصف مالي يا رسول الله! يريد أن يكفر عن ذنبه الكبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للفقير: أتقبل؟ قال: لا أقبل يا رسول الله! ولم؟ قال: أخاف أن يدخلني من الغرور ما دخله»، فمن عباد الله من هو غني لا يصلح له إلا الغنى، لو أفقره الله لفسد حاله، وإن من عباده فقيراً لا يصلح له إلا الفقر ولو أغناه سبحانه لفسد حاله».
واستشهد د. عبدالكافي بحديث الرسول عن أبي هريرة: «لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن إلى الضرع» يعني: أنها قضية مسلم بها، فبما أن اللبن لن يعود إلى الضرع، إذاً، فلن يدخل النار من بكى من خشية الله، فإن كان قلبك قاسياً فرقق قلبك بالصلاة وقيام الليل والتباكي، فالدموع إذا سالت لان القلب».
من جهته، قال الشيخ عبدالرحمن البراك إن في الحديث القدسي «العظمة إزاري، والكبرياء ردائي، فمن نازعني واحداً منهما عذبته» إثبات العظمة والكبرياء لله، ومن ثم وجوب الإيمان بذلك، فالكبرياء والعظمة صفتان من صفاته الله تعالى فهو العظيم، وهو العزيز الجبار المتكبر، وله الكبرياء في السماوات والأرض، وهو العزيز الحكيم، ولا يلزم من إطلاق لفظ الإزار والرداء أن تكون العظمة والكبرياء شيئين منفصلين عن الله سبحانه وتعالى، ونقول آمنا بالله وما جاء عن الله على مراد الله، وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم».
وأسوتنا في ذلك أشرف الخلق وأكرمهم على الله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي كان يمر على الصبيان فيسلم عليهم، وكان يقوم في بيته في خدمة أهله، ولم يكن ينتقم لنفسه قط، وكان يخصف نعله، ويرقع ثوبه، ويحلب الشاة لأهله، ويعلف البعير، ويأكل مع الخادم، ويجالس المساكين، ويمشي مع الأرملة واليتيم في حاجتهما، ويبدأ من لقيه بالسلام، ويجيب دعوة من دعاه ولو إلى أيسر شيء، وكان كريم الطبع، جميل المعاشرة، طلق الوجه، متواضعاً في غير ذلة، خافض الجناح للمؤمنين، لين الجانب لهم، وكان عليه الصلاة وإسلام يقول: «لو دعيت إلى ذراع أو كراع لأجبت، ولو أهدي إلي ذراع أو كراع لقبلت»، وكان يعود المريض، ويشهد الجنازة، ويجيب دعوة العبد».