حديث - ميكايل هانيكه ترجمة - أمين صالح:
*كنت أعرف الممثلة الرائعة إيمانويل ريفا منذ أن ظهرت في «هيروشيما حبي»، الفيلم الذي كان له تأثيراً مهماً علي. كل الشبان في ذلك الوقت وقعوا في غرام إيمانويل ريفا. كانت امرأة جميلة كما هي اليوم. لكن أخبارها انقطعت عني، ولم أتابع مسيرتها الفنية.
عندما جئنا لاختيار الممثلة التي تصلح لتأدية دور الزوجة، كانت ريفا مرشحة أساسية، وكنت منحازاً إليها منذ البداية. بعد أن أجرينا اختبار أداء معها، اتضح لنا أنها الأفضل، والمؤهلة أكثر لتأدية الدور.. ليس فقط لأنها ممثلة عظيمة، بل أيضاً لأنها مع جان لوي ترينتينان يشكلان ثنائياً رائعاً، ولا يسعك إلا أن تصـــــــــدق بأنهما فعلاً عاشا معاً لفترة زمنية طويلة.
في هذا الفيلم كان يتعيّن عليها من جهة أن تكون مقنعة في شللها وعجزها، ومن جهة أخرى أن تظهر كامرأة ذات هيبة وسمو واعتبار. ولا تنسى أنها في الرابعة والثمانين من العمر، مع ذلك بذلت جهداً كبيراً في تأدية الدور وأظهرت إرادة حديدية وإحساساً قوياً بالمسؤولية.
* العمل مع هذين الممثلين كان ممتعاً، وتجربة مثيرة. لم يكونا في أفضل حالاتهما صحياً وبدنياً، لكنهما كانا يعملان بانضباط شديد، وبثقة تامة.
قبل المباشرة في تصوير الفيلم التقينا ثلاثتنا مرتين أو ثلاث مرات في باريس، لتناول الغداء والتحدث عن الفيلم. وجان لوي زارني ذات ظهيرة في شقتي بباريس لمناقشة السيناريو. في الواقع، تحدثنا عن كل شيء ما عدا السيناريو.
كلاهما ممثلان محترفان ولهما تجربة غنية في مجالهما، بالتالي هما يعرفان كيف يقرآن السيناريو وكيف يحضّران للدور. وأنا لا أجري بروفات مع الممثلين المحترفين.. البروفات نافعة مع الصغار وغير المحترفين. عندما أعمل مع الممثلين، الجيدين خصوصاً، ببساطة أطلب منهم التواجد في الموقع. إنهم يقرؤون السيناريو، نتفحصه وندرسه بدقة، ونرسم الحركات. ثم نبدأ التصوير، وأفحص النتائج، إذا وجدت خللآً ما، فإننا نحاول شيئاً آخر، ونستمر في التصوير حتى نحصل على ما نحتاجه. لكن ليس لدي أي وصفة خاصة، وليس هناك أي سرّ، في هذا الشأن.
كمخرج، أظن أن من المهم منح ممثليك الإحساس بأنهم محميين، الإحساس بالثقة بالنفس، الإحساس بأنهم لو ارتكبوا الأخطاء فسوف تعرف كمخرج كيف تساعدهم. إذا كنت قادراً على توصيل هذا فسوف تحصل من الممثلين على أداء رائع. يتعيّن عليك أن تكتب للممثلين مشاهد تمنحهم الفرصة لإبراز ما هم قادرون عليه.
* اشتغلت مع الممثلة إيزابيل أوبير Isabelle Huppert من قبل، وبيننا علاقة عمل عظيمة. كم سأكون غبياً لو غيّرت ذلك واستخدمت ممثلين آخرين لم يسبق لي العمل معهم. لقد طلبت منها أن تؤدي دوراً صغيراً نسبياً، وهي التي اعتادت على تأدية الأدوار الرئيسية وافقت على الفور وبلا تردد كخدمة شخصية.
* الممثلون يمنحونك هدايا غير متوقعة. عادةً، عندما تصور فيلماً، المفاجآت تكون سلبية. إنك لا تحصل على ما تريده وما ترجوه. المفاجآت الطيبة الوحيدة هي تلك التي يقدمها الممثلون عندما يوفرون لك الهدايا في شكل أداء رائع أفضل مما كنت تتصوره. وهذا شيء لا يحدث كل يوم في الموقع، لكن إذا حدث مرتين في غضون صنع الفيلم فيمكنك أن تعتبر نفسك محظوظاً جداً. في هذا الفيلم، حصلت على الكثير من الهدايا العظيمة.
* لا ألجأ أبداً إلى الارتجال. ما تراه على الشاشة هو بالضبط المكتوب في النص.
* عندما أحقق فيلماً لا أقلق أبداً بشأن ما إذا كانت الثيمة جديدة أو إنها نفّذت من قبل في السينما. ما يدفعني إلى تحقيق فيلم ما هو وجود ثيمة تثير اهتمامي، أو تجربة شيء مرّ في حياتي الخاصة والذي يجعلني أواجه شيئاً أريد أن أتعامل معه. إنها الثيمة التي تثير اهتمامي وتحرّك رغبتي في سبرها والتحرّي عنها.
* عندما بلغت الخامسة عشرة تمنيت أن أصير ممثلاً مثل أمي. قبلها بسنة أردت أن أكون عازف بيانو، وقبلها بسنة أردت أن أصبح قسيساً. لم يقبلوني في الأكاديمية كممثل، لذا اتجهت إلى دراسة الفلسفة، ومارست كتابة العديد من القصص القصيرة والقليل من النقد السينمائي. لكنني كنت طالباً سيئاً لأنني كنت أرتاد صالات السينما ثلاث مرات في اليوم. بعدئذ عملت في التلفزيون كمحرر للقصص ثم كمخرج لأفلام تلفزيونية. في تلك الفترة عملت في المسرح لعشرين سنة. عندما بلغت السادسة والأربعين، قررت أن أحقق فيلمي الأول الطويل.
أعتقد أن أغلب الأشياء، في حياة المرء، يقرّرها الحظ والصدفة.
* في مرحلة الشباب، كان حلمي أن أصبح موسيقياً. لو كان الأمر بيدي، لو كنت موهوباً في هذا المجال، لوددت أن أكون موسيقياً وليس مخرجاً. كنت أحب أن أصير مؤلفاً موسيقياً أو قائداً لفرقة موسيقية. زوج أمي كان موسيقياً وقائداً للأوركسترا، وقد لاحظ ضعف موهبتي كعازف بيانو. ملاحظته جعلتني أستبعد فكرة أن أصير موسيقياً. مع ذلك، لم أفقد عشقي للموسيقى، ودائماً أستمتع بتوظيف الموسيقى في أفلامي، إن كان ذلك ممكناً، وعندما يكون هناك داعٍ لتوظيفها. لكنني لا أستخدم الموسيقى بالطريقة التي تستخدم عادةً في السينما السائدة حيث يتم اللجوء إليها لتغطية خطايا المخرج ونقاط ضعفه. أحب الموسيقى كثيراً إلى الحد الذي يمنعني من استخدامها لتلك الأسباب.