قضت المحكمة الكبرى الإدارية أمس، بحل المجلس العلمائي وتصفية أمواله، وألزمته بمصروفات الدعوى وفقاً لقانون المرافعات، مبررة حكمها أن المجلس يمارس نشاطاً سياسياً مؤسسياً دون أية رقابة قانونية، وانحرافه في ممارسته إلى حد التحريض على العنف ومحاولة إحداث فتنة طائفية في البلاد.
وأوضحت في حيثيات حكمها على القضية المرفوعة من وزير العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف ضد «العلمائي»، أن للمجلس كيان واقعي دون أن يكون من الجمعيات المرخصة طبقاً لأحكام القانون، لافتة إلى أن هذه الحقيقة لا تمحوها عدم تمتع «العلمائي» بالشخصية الاعتبارية.
وقالت المحكمة إن عضواً بـ»العلمائي» ادعى للمجلس حق ترتيب شأنه الداخلي دون قرار رسمي، بينما أعلن «العلمائي» تأييده لـ«المجاهد» عيسى قاسم بدعوته لسحق رجال الأمن على حد وصفها.
وأضافت أن المجلس المحلول دعا في بيان له إلى مواصلة الالتفاف حول ما يسمى بـ«الثورة المجيدة» وأهدافها، ولمقاطعة انتخابات 2011 باعتبارها تكريساً لواقع فاسد وتعقيداً للأزمة السياسية في البلاد.
وذكرت المحكمة أن المشرع إيماناً منه بدور الجمعيات السياسية في المشاركة بالحياة السياسية وترسيخ مبادئ السلم الاجتماعي والوحدة الوطنية، أجاز للمواطنين حق تكوين الجمعيات والانضمام إليها، ولم يترك ممارسة هذا الحق سُدى، بل أحاطه بسياج من الضوابط والإجراءات تنظمه وتضمن عدم الانحراف في ممارسة النشاط السياسي، عن الأهداف المرجوة من تكوين الجمعيات.
وأكدت أنه لا يجوز دستورياً ولا منطقياً، أن تكون ممارسة هذا الحق مغفلة الضوابط متحررة من كل قيد، بل تفرض دوماً قيمة كلية تكون أساساً تبنى عليه الأحكام التفصيلية، وتمثل حدوداً تمنع الشطط في ممارسة العمل السياسي، ولا يتقرر حق إلا بمقتضى قاعدة قانونية، أياً كان مصدرها، تكفل تنظيمه وحمايته وعدم المساس بأصل هذا الحق، ما يعد مفترضاً أولياً لقيام دولة القانون في الدولة المعاصرة.
وبينت المحكمة أن من أخص الضوابط والإجراءات التي رسمها المشرع لتكوين الجمعيات السياسية، أن يقدم طلباً كتابياً لتأسيس الجمعية السياسية لوزير العدل، باعتباره القوام على تطبيق أحكام قانون الجمعيات السياسية ومراقبة أدائها وتقويم اعوجاجها كلما نكلت عن طبيعة واجباتها إهمالاً أو انحرافاً.
وقالت إن المشرع اشترط أن يكون الطلب موقعاً من المؤسسين ومرفقاً بجميع البيانات والوثائق المتعلقة بالجمعية، وأهمها أن يكون لها نظام مكتوب ومعلن وموقع عليه من المؤسسين، وأن يشتمل على قواعد تنظم كافة شؤونها السياسية والتنظيمية والمالية والإدارية بما يتفق وأحكام القانون.
وأضافت أن النظام يجبن أن يشتمل بصفة خاصة، على طريقة وإجراءات تكوين أجهزة الجمعية واختيار قياداتها ومباشرة نشاطها، وتنظيم علاقاتها بأعضائها، وتحديد الاختصاصات السياسية والمالية والإدارية لأي من الأجهزة والقيادات، وعدم تعارض مبادئ الجمعية وأهدافها وبرامجها وسياساتها وأساليبها مع الشريعة الإسلامية والثوابت الوطنية القائم عليها نظام الحكم في البحرين.
وأفادت المحكمة أن المشرع ناط بالسلطة المختصة ممثلة بوزير العدل، أن يطلب من المحكمة الكبرى المدنية إصدار حكم بحل الجمعية السياسية في حال ارتكاب الأخيرة مخالفة جسيمة لأحكام الدستور أو قانون الجمعيات السياسية أو أي قانون آخر من قوانين البحرين، وما يتصل بذلك بحكم اللزوم من ذود عن الحقوق والحريات المقررة، عملاً بما يتطلبه استقرار المجتمع وأمنه وأمن أفراده، ولأن حل الجمعية السياسية يعد من أقسى الجزاءات وأشدها، وجب أن تقدر بقدرها وضرورتها.
واستشهدت المحكمة بالبيانات الصادرة عن المجلس العلمائي الموجودة بأوراق الدعوى، إذ صرح أحد أعضائه «المدعى عليه الثالث» بتاريخ 1 مارس 2009 في لقاء تحاوري، بأن «فكرة المؤسسة العلمائية بعد أن كانت مجرد تصور، إذا بها «مؤسسة موجودة على أرض الواقع»، ولها حق ممارسة دورها في ترتيب شأنها الداخلي دون حاجة لقرار رسمي، ولا يصح أن نفسر القانون بعيداً عن هذا الواقع المعترف به، والنظام الأساسي للمجلس موجود ومعلن عبر موقعه الإلكتروني».
وذكر المدعى عليه أنه حينما تفرض الوظيفة الشرعية على المجلس أن يكون له موقف سياسي معين، فلن يتأخر في إبراز موقفه السياسي، مستشهداً بإعلان المجلس دعمه لجمعية الوفاق الوطني الإسلامية السياسية.
وبرر طرحه بحاجة المجلس في الساحة إلى وجود سياسي ينطلق بالعمل السياسي إلى أبعاد متقدمة، بعد أن صار له وجود سياسي مؤسسي يتحرك على أرض الواقع.
وأكد أن هذا الدعم يهدف إلى تكامل العمل المؤسسي السياسي والارتقاء به، لافتاً إلى أن بعض أعضاء الهيئة المركزية للمجلس المدعى عليه أعضاء في جمعية الوفاق.
وعبر عن استيائه من وجود أشخاص مظلومين في السجون في ظل «إجراءات ظالمة»، وأن المجلس لا يقبل بذلك، وعبر عن رأيه بوضوح في العديد من البيانات.
وفي بيان آخر صادر عن المجلس المدعى عليه في 25 يناير 2012، أعلن تأييده لمن أسماه «المجاهد عيسى قاسم» فيما يتعلق بسحق المعتدين - يقصد قوات الأمن - ورأى عدم المنافاة بين السلمية وبين ما دعا إليه قاسم.
وصرح المجلس العلمائي في بيان صادر عنه بتاريخ 12 فبراير 2013 في ذكرى ما أسماه «الثورة المجيدة»، بأن «الرابع عشر من فبراير 2011 وانطلاق ثورة البحرين، يمثل انعطافة تاريخية في مسيرة العلاقات السياسية بين السلطة والشعب، هذه العلاقة التي ما كانت في يوم من الأيام تعبر عن التوافق والتراضي».
ودعا المجلس أبناء الشعب لمواصلة التفافهم حول ما يسمى بـ»الثورة» وأهدافها، وحضورهم الحاشد في المسيرات والاعتصامات خصوصاً مع اقتراب الذكرى السنوية لانطلاقة «الثورة».
وشدد المجلس في تصريح لصوت المنامة بتاريخ 25 يوليو 2013، على «أهمية الحراك في البحرين بخروج الشباب ومواصلة درب الجهاد والمقاومة والصبر والصمود»، بينما صرح المجلس المدعى عليه لموقع العهد الإخباري بضرورة مقاطعة الانتخابات النيابية عام 2011، لما يرى فيها «تكريساً للواقع الفاسد وتعقيداً للأزمة السياسية، وأن الشعب يعبر عن اعتراضه على الأوضاع الفاسدة ويطالب بإصلاحها عبر المسيرات والاعتصامات الجماهيرية».
وخلصت المحكمة إلى أن المجلس المدعى عليه يمارس نشاطاً سياسياً مؤسسياً بمنأى عن أية رقابة قانونية، وانحرافه في ممارسة هذا النشاط إلى حد التحريض على العنف وتشجيع المسيرات والاعتصامات الجماهيرية، بما قد يؤدي إلى إحداث فتنة طائفية في البلاد، وانتقاد أداء سلطات الدولة، لما تتخذه من إجراءات، واصفاً إياها بإجراءات ظالمة لن يقبل بها.
ولفتت المحكمة إلى أنه لا يحاج فيما تقدم بما ذهب إليه المدعى عليه الخامس من إنكاره للصور الضوئية للمحررات المقدمة من المدعي، باعتبارها لا تحمل توقيعه ولا تتضمن إلزامه بشيء هو وباقي المدعى عليهم، لأنها مجرد تصريحات لوسائل الإعلام المختلفة وعبر الإنترنت، منسوبة إلى المجلس المدعى عليه.
وأوضحت أن ليس للمدعى عليه أن يجحدها، لأنها تخضع كقرينة لمطلق سلطة المحكمة في تقدير الأدلة، فتكون العبرة بما تطمئن إليه المحكمة منها.
وقالت إنها تطمئن إلى هذه المحررات كأدلة تستخلص منها الصورة الصحيحة لواقع الدعوى، وتستبعد ما يخالفها من صور أخرى، لأن هذه المحررات لها ما يبررها عقلاً، ولها مأخذها الصحيح من الأوراق، بحيث تقنع المحكمة بما انتهت إليه من نتيجة، وهي ممارسة المجلس العلمائي نشاطاً سياسياً في إطار مؤسسي.
وأضافت أن جحد صور المحررات وإنكارها، لا ينال من سلامتها، سيما وأن المدعى عليهم لم يقدموا ما يدحض هذه الأدلة أو ينفيها بالطرق المقررة قانوناً، ما يتعين معه الالتفات عما أثاره المدعى عليه الخامس بهذا الشأن.
وأكدت المحكمة رأيها، أن المدعي أقام دعواه الماثلة بطلباته المشار إليها آنفاً مستدلاً عليها ببينة، منها أقوال نسبت إلى المدعى عليه السابع بتاريخ 22 أبريل 2013، وقدمت للمحكمة بقرص مدمج، إذ استمعت للمحتوى المنسوب للمدعى عليه السابع، وتبين من حديثه دعم المجلس المدعى عليه لجمعية العمل الإسلامي «أمل»، وهي جمعية سياسية منحلة بموجب حكم قضائي.
وتناول المدعى عليه السابع في معرض كلامه، حبس واعتقال بعض أعضاء الجمعية منتقداً تقييد حريتهم، بما ينال من السلطة القائمة على اتخاذ هذه الإجراءات في مواجهتهم، تنفيذية كانت أو قضائية، وفي كلٍ هي من سلطات الدولة.
وعدت المحكمة انتقاد هذه السلطات دون سلوك الطرق الشرعية التي رسمها القانون وحدد معالمها وضوابطها، الحياد عن الطريق الصحيح واشتغال في السياسة بأسلوب يفضي إلى مثالب كثيرة، لأن الاشتغال بالسياسة قد يتخذ صوراً عديدة، ما جعل المشرع يحرص على ضبط ممارسة العمل السياسي من خلال تشريعات وقوانين وآليات تكفل ممارسة هذا العمل وفقاً لمعايير لا مجال للخطأ في فهم معناها، ولا محل للاختلاف في تفسيرها، بما يضمن عدم الانحراف به عن غاية توخاها المشرع، ودرءاً لفتن يحتمل حدوثها في المجتمع جراء الممارسات السياسية غير المنضبطة.
وبينت المحكمة أن ممارسة أي عمل سياسي خارج الإطار التشريعي المنظم، يكفي بذاته لاستنهاض السلطة المختصة ممثلة في المدعي بصفته، وحثه على التصدي له من خلال الآليات المقررة قانوناً، لأنه يتعين دائماً وأبداً أن تكون الجمعيات السياسية وسائل منطقية لتحقيق أغراض قصد إليها المشرع، فإن انفصم اتصالها بها وقعت باطلة بسبب الانحراف بها عن الغايات المقررة دستورياً وقانونياً، ويحق عليها بالتالي الجزاء المقرر قانوناً.
وخلصت المحكمة إلى نتيجة محصلتها أن المجلس الإسلامي العلمائي والمشكل من المدعى عليهم، له كيان واقعي يمارس من خلاله نشاطاً سياسياً في إطار مؤسسي، دون أن يكون من الجمعيات المرخص لها طبقاً لأحكام القانون رقم 26 لسنة 2005 بشأن الجمعيات السياسية.
ونبه إلى أن الأوراق خلت من ثمة طلب كتابي مقدم إلى وزير العدل بشأن تأسيس المجلس المدعى عليه موقع من المؤسسين ومصدق على توقيعاتهم ومرفق بجميع البيانات والوثائق المتعلقة بالمجلس، خاصة نظامه الأساسي وأسماء مؤسسيه وغيرها من إجراءات تطلبها القانون، وهو ما أقر به المدعى عليها الثالث صراحة، وتأكيده أحقية المجلس في ترتيب شأنه الداخلي دون حاجة لقرار رسمي.
ولأن المجلس المدعى عليه أخل بكل ما تقدم من إجراءات ومارس نشاطاً سياسياً في إطار مؤسسي بمنأى عن أحكام الدستور والقانون، فإنه اقترف مخالفة جسيمة لأحكام القانون، ما يحق معه للمحكمة القضاء بحله وتصفية أمواله إعمالاً لصريح نصوص القانون، ومن حيث المصروفات فإن المحكمة تلزم بها المدعى عليهم وفقاً لقانون المرافعات.
وبخصوص دفوع المدعى عليهم والخاص بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة ـ وزير العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف ـ تأسيساً على أن المجلس المدعى عليه لا يعد جمعية سياسية وفقاً لأحكام القانون رقم 26 لسنة 2005 بشأن الجمعيات السياسية، والذي أجاز لوزير العدل المطالبة بحل الجمعية السياسية وتصفية أموالها متى ارتكبت مخالفة جسيمة لأحكام الدستور أو القانون، ردت المحكمة أن العبرة في وصف نشاط المجلس المدعى عليه وتحديد طبيعته ليس بما يطلقه أعضاؤه ومؤسسوه عليه، وإنما بحقيقة ما يمارسه هذا المجلس من نشاط على أرض الواقع، ومدى احتمائه بمظلة الدستور والقانون من عدمه.
وبشأن دفع المدعى عليه بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة استناداً إلى عدم تمتع المجلس المدعى عليه بالشخصية الاعتبارية لخلو الأوراق مما يفيد صفة المدعى عليهم كأعضاء ومؤسسين للمجلس، أوضحت المحكمة أن هذا الدفع في غير محله، لأن الثابت أن الدعوى الماثلة أقيمت للمطالبة بحل المجلس باعتباره كياناً له وجود فعلي على أرض الواقع وليس وجوداً شرعياً قانونياً.
وبينت أن وجود المجلس حقيقة ملموسة لا يمكن أن يمحوها عدم تمتعه بالشخصية الاعتبارية، وأساسه أن وجود عدة أشخاص يتصرفون ويمارسون نشاطاً في الواقع، كما لو كانوا أعضاء يعملون في إطار تنظيمي مؤسسي، دون أن تتشكل له شخصية اعتبارية وفقاً للإجراءات المرسومة قانوناً، لا يحول دون اختصامهم قضائياً متى زاولوا أعمالاً فعلاً، ويظهر ذلك من التصريحات الصادرة عن «العلمائي» بشأن الأحداث السياسية بدءاً من فبراير 2011.
وقالت إن هذه التصريحات تعبر عن رأي الجماعة المشكلة للمجلس، ومن حقهم توصيفها بما يرونه مناسباً، إضافة لعقد المجلس جمعيته العمومية السنوية بتاريخ 19 يناير 2013 لانتخاب أعضاء الهيئة المركزية، ومن شأن ذلك واقعاً، وإن لم يكن في القانون، توفر صفة المدعى عليهم كأعضاء ومؤسسين للمجلس العلمائي.
وفيما يتعلق بالدفع ببطلان الصفة الإجرائية لممثل المدعي، تأسيساً على عدم صدور مرسوم بتنظيم جهاز قضايا الدولة، فضلاً عن عدم وضوح توقيع ممثله على لائحة الدعوى، ذكرت المحكمة أن المادة (3) من المرسوم بقانون رقم 34 لسنة 2010 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 60 لسنة 2006 بشأن إعادة تنظيم دائرة الشؤون القانونية، ومن حيث اعتراض وكلاء المدعى عليهم على تصحيح ممثلة المدعي، أسماء المدعى عليهم بغير الطريق القانوني الصحيح، فلا أساس لذلك، لأن الثابت أن ممثلة المدعي قدمت مذكرة بتصحيح أسماء المدعى عليهم سلمت إلى الحاضرين عنهم، وأثبت ذلك بمحضر الجلسة مما لا وجه معه لاعتراضهم على الإجراء.
وكانت وزارة العدل رفعت دعوى لحل المجلس العلمائي، وأفادت في بيان لها أن الدعوى تأتي في ضوء استمرار التنظيم غير المشروع بالإصرار على مواصلة نشاطه خارج القانون، رغم التنبيهات المتكررة الصادرة عن الجهات المعنية للقائمين على التنظيم منذ تأسيسه بأنه مخالف للدستور والقوانين المعمول بها في البلاد.
وأوضحت أن القائمين على التنظيم شاركوا في المشاورات الخاصة بقانون المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في حينه ووافقوا عليه، إلا أنهم امتنعوا عن الدخول في المجلس، وأنشئوا بعدها هذا التنظيم غير الشرعي واستغلوه في ممارسة النشاط السياسي بغطاء ديني طائفي.
عقدت الجلسة برئاسة القاضي جمعة الموسى، وعضوية القاضيين محمد توفيق وأشرف عبدالهادي، وأمانة سر عبدالله إبراهيم.