كتب ـ حسين التتان:
المنامة عاصمة السياحة العربية للعام 2013، استمرّت حتى مساء اليوم (الثلاثاء) في نبش ملامحها وإيجاد أفكارها الخاصة في سياق المؤتمر الدولي «استكشاف آفاق ثقافية جديدة للسياحة»، والذي اختتم اليوم أعماله بالتنسيق ما بين وزارة الثقافة والمنظمة العالمية للسياحة.
وشارك في ثاني أيام الملتقى المتحدثة بينيلوب، وأشارت إلى التطور السياحي في أوروبا وتجربتها في الترويج السياحي للإرث المادي وغير المادي، وتمكنت عبر هذا المزيج من دعم صناعتها الثقافية، موضحة «ليس العمران ولا المادة التاريخية تكفي لتفصيل إنسان الشعوب، بل تملك هذه الحضارات مفاهيمها من العادات والتقاليد والسلوكيات والحرف التي نحاول استثمارها في السياحة الأوروبية».
وأضافت أن «الثقافة اليوم شكل من أشكال الديمقراطية وحق إنساني يجب تعميمه»، مبينة أن النشاط السياحي في منطقة ما يؤدي إلى تبادل معرفي وشعبي، وأنه من الضرورة تفعيل هذا التواصل واقتسام التجربة مع الآخر.
وعلى الجانب الآخر من العالم، حيث طاجاكستان تحديداً، قدم باحث طاجيكي موضوعه وتجربة موطنه مع مشروع «طريق الحرير» الذي يعبر المنطقة، حيث تناول شرحاً مفصلاً حول معطيات المكان وأبعاده الجغرافية، الطبيعية، البيئية، الفيزيائية والإنسانية، مشيراً إلى أن هذا التداخل هو ما يحقق ثيمة المكان ويجاذب الآخر خصائصه وتشكيله.
واسترجع الحضور برفقة السيد جوسي النموذج الأوروبي، وتحديداً الشمال الغربي من إسبانيا «سانتياغو»، حيث شرح مساعي استعادة تأريخ المكان وإعادة تأهيله بالتداخل ما بين الطبيعة والسلوك الإنساني، لافتاً إلى أن الاشتغال على موقع ما وإعادة تأهيله يستوجب إدماج المجتمعات المحلية لأن المحصلة الاقتصادية النهائية تنتهي إليهم».
واختتمت الجلسة الأولى من اليوم الثاني بمشروع «طريق اللؤلؤ.. شاهد على الاقتصاد البحريني» كنموذج بحريني فريد مسجل على قائمة التراث الإنساني العالمي، إذ قدمت السيدة بريتا حكاية هذا الطريق وقالت «هنا التراث يكشف الحياة خطوة بخطوة، ليس بوجه الاقتصاد فقط بل وأيضًا كثافة الرحلات والمعرفة»، وأشارت «هذا العمران يتوازى مع الحكاية في نسيج بنائي للتاريخ والحقبة الاقتصادية، حيث يأخذ المكان الحاضر كل الزوار إلى منطقة زمنية في الخلف».
وأكدت أن المشروع يمثل سيرة إنسانية بكامل تفاصيل حياتها بدءاً من البحر وانتهاء بمدينة المحرق بمحطاتها المختلفة.
وعرجت خلال العرض إلى مشروع آخر هو مستوطنة سار، وأشارت إلى هذه المدينة الإنسانية التي تعود للقرن الثامن عشر قبل الميلاد «تصوروا هذه المدينة الغامضة التي غودرت ولم يعد أحد إليها، في التراث الثقافي ستبدأ حكاية أخرى لهذا المكان»، واصفة المستوطنة كونها لحظة مجمدة من الذاكرة البعيدة.
في الجلسة الثانية من المؤتمر شاركت مستشارة وزيرة الثقافة هبة عبد العزيز، وطرحت موضوع التركيز على السياحة بدافع تطوير القطاع الاقتصادي والاجتماعي، وعدم الاعتماد على النفط بشكل أولي، موضحة «دول مجلس التعاون تحتضن مناطق شتى تزخر بالمعالم الحضارية والتراثية إلى جانب وجود المقومات السياحية المتنوعة، الدينية، الثقافية، التراثية، والترفيهية، لذا لا يجب علينا الاعتماد على النفط بل يجب الاتجاه إلى مصادر أخرى».
وسردت أهم المعوقات التي يواجهها مجلس التعاون لتطوير القطاع السياحي كتفضيل معظم الشباب العمل في القطاع العام عوضاً عن القطاع الخاص رغم الدور الكبير الذي يلعبه هذا القطاع في التنمية السياحية.
وتحدث مستشار سلطان عمان للشؤون الثقافية عن موقع «البليد» الأثري، الواقع في أرض اللبان والمسجل على قائمة التراث العالمي الإنساني منذ عام 2001.
وذكر أن تاريخ الموقع يرجع إلى العصر البرونزي، حيث أُشتهر بالمشاهد الطبيعية من متنزهات وأراضٍ خضراء جميلة إلى جانب المشاهد الأثرية المميزة، بالإضافة إلى الحميمية التي يحملها الموقع من خلال مشاركة المواطنين العمانيين أنفسهم في تقديم الخدمات وعكس الصورة الحضارية والثقافية لعمان، مبيناً أن الحكومة تقدم الإعانات للموقع إلى جانب المدخول الذي يحققه من خلال الزيارات السياحية بهدف تطويره ليصل إلى اعتماد مالي ذاتي خلال السنوات العشرة المقبلة.
ومن عاصمة الحضارات في جزيرة العرب «صنعاء» عرض المهندس نبيل علي منصر المدن التاريخية في اليمن وأبرز المواقع التراثية فيها كونها تحتضن أربعة مواقع في قائمة التراث العالمي كموقع «شبام» في حضرموت الذي سجل رسمياً في عام 1982، ووجود معالم تراثية بارزة في الموقع كناطحات الصحراء المشكلة من أبراج طينية تصل بارتفاعها إلى 9 طوابق.
وذكر السيد نبيل بعض ملامح الثقافة الإسلامية التي ارتسمت على وجه اليمن كالمسجد الأول في الجزيرة العربية الذي بني مع بداية العصر الإسلامي، ومدينة زبيد التي أُنشئت مع مطلع العصر الإسلامي المدرجة على قائمة المواقع المعرضة للخطر في اليونسكو.
وبين ضرورة الاعتماد على المواقع الأثرية والمدن التاريخية وتوظيفها في القطاع السياحي في سبيل تنشيط اقتصاد البلدان الذي ينعكس مباشرة على الارتقاء بالقطاعات الأخرى الخدمية منها والصناعة والزراعية، مشيراً إلى أن اليمن تسعى إلى التعاون مع الدول ذات التجارب السياحية الناجحة للحفاظ على تراثها ومواقعها الأثرية.
وحول نشر الوعي لمواقع التراث العالمي قال البروفيسور مايكل جانسن من المنظمة العالمية للسياحة «إن المواقع السياحية تتعرض إلى ظروف وعوائق تشكل صعوبة في الحفاظ عليها، مثل الحروب والأزمات التي تسببت بتعديات جسيمة وصلت إلى حد التدمير تماماً كما حدث في الحرب العالمية الأولى والثانية الذي دفع بالدول إلى إنشاء منظمة الأمم المتحدة للثقافة والعلوم»، موضحاً أن الحدود والحواجز ما بين الدول تعد معيقاً لثورة المواصلات التي تنشط القطاع السياحي بين الدول.
منامة السياحة أيضاً شاركت في استعراض تجربة السياحة الثقافية إذ طرح المدير المساعد للمركز الإقليمي للتراث العالمي الشيخ خليفة بن أحمد آل خليفة بعض الخطط التي اتخذتها وزارة الثقافة لتنمية القطاع السياحي، حيث أخذت الوزارة بعين الاعتبار تقارب المناطق في المملكة واعتمدت نمط السياحة الذي لا يتجاوز يوماً واحداً، ودعمت مواقع التراث التاريخية من خلال الحفاظ على المساحة الخاصة لتلك المواقع وعدم السماح للمشاريع الإسكانية بالزحف نحوها.
وأشار إلى تقديم الفرص للقطاع الخاص للمشاركة في دعم المواقع الأثرية الذي قدم حلاً لتجاوز العقبات المادية كإنشاء موقع متحف قلعة البحرين بالتعاون مع القطاع الخاص.
وأعلن المشاركون في ختام المؤتمر عن تقديم تقرير يضم توصيات تعتني بتنمية القطاع السياحي في دول مجلس التعاون في الأشهر القليلة المقبلة، وذكر أحد الممثلين عدد من تلك التوصيات تشمل الاستدامة في التنمية السياحية في سبيل الارتقاء بالمجتمعات المحلية، وحفظ الهوية الثقافية من خلال التبادل الثقافي بين المجتمعات ورواد المواقع التراثية الذي يهدف إلى وضع بنية سياحية مشتركة بين المجتمعات العربية.