كشفت ورقة بحرينية أمام مؤتمر أممي تناول قضية «انعدام الجنسية» في إسطنبول أن بعض عديمي الجنسية أو من يسمون «بدون» في البحرين عزفوا عن التقدم للحصول على الجنسية البحرينية في عام 1963 لأسباب سياسية واقتصادية تربطهم بمصالح مع دولتهم الأم (إيران) التي كانت تراهن على ضم البحرين إليها بذريعة أن الكثير من مواطنيها يقيمون على هذه الأرض، إلا أن سقوط رهانها لضم البحرين جعل هذه الفئة «تتكالب على الجنسية»، إلى أن صدرت الإرادة الملكية في عام 2001 بمنح الجنسية البحرينية لمستحقيها من فئة عديمي الجنسية «البدون». وقال عيسى تركي مدير إدارة الجنسية لـ مجلة «الأمن» بإدارة الأعلام الأمني بوزارة الداخلية إن «البحرين تقدمت في المؤتمر الذي نظمته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مدينة اسطنبول التركية تحت مسمى (الممارسات السليمة في معالجة انعدام الجنسية) بورقة لم تكتف برؤية المملكة لمجهولي الجنسية فقط وإنما شملت وبينت الخطوات العملية لمعالجة حالات انعدام الجنسية بمبادرة إنسانية ذاتية من صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى».
لا «بدون» منذ 2008
وأوضح تركي أن «ورقة البحرين التي قدمها في المؤتمر تضمنت ما أنجزته المملكة من عمل رائد مشهود في المجالات الحقوقية والإنسانية في ضوء المشروع الإصلاحي الذي طرحه جلالة الملك بعيد توليه مقاليد الحكم»، مؤكداً أن ظاهرة «البدون» كانت ضمن أولويات جلالة الملك المفدى عند اعتلائه سدة الحكم وكانت من باكورة إنجازات جلالته وما انطوت عليه من اهتمام أدى إلى منح الجنسية البحرينية لمستحقيها من فئة «البدون» وحصل عليها أكثر من 10 آلاف شخص في مستهل عام 2001م.
وأضاف أنه «قد تم الانتهاء من تجنيس المستحقين من هذه الفئة بحلول عام 2008 وهو ما أعلنه صاحب الجلالة الملك حمد في الكلمة السامية التي ألقاها في دور الانعقاد الثالث من الفصل التشريعي الثاني لمجلسي النواب والشورى إذ قال جلالته: «تمكنا من إنهاء الملف الإنساني الحقوقي المعروف بمشكلة البدون».
وأضاف أن «هذا الإنجاز أتى نظراً لما تمثله الجنسية من أهمية كبرى لدى الدول وحياة الأفراد، فالجنسية تعتبر نقطة الانطلاق الحقيقية لحياة الفرد القانونية والاجتماعية والسياسية وهي تعني ولاء المواطن للدولة التي يتشرف بجنسيتها ويترتب عليه التمتع بحقوقه وأداء ما عليه من واجبات».
وتناول عيسى تركي في ورقته صدور التنظيم القانوني للجنسية البحرينية والمعاهدات الدولية ذات الصلة والمراحل التي مرت بها فئة عديمي الجنسية «البدون» وصولاً إلى معالجة المشكلة.
وقال إن إطلاق مصطلح «البدون» على عديمي الجنسية يعتبر تعبيراً مختصراً ودارجاً بين عموم المجتمع الخليجي للتدليل على فئة اجتماعية غير محددة الجنسية مشيراً إلى أن هذه الفئة تنقسم إلى قسمين، الأول: يضم من لا يحملون جنسية أية دولة، والقسم الثاني يشمل: من ينتمون إلى دولة أخرى ولكنهم أخفوا وثائقهم الدالة على جنسيتهم.
واستطرد قائلاً: تم تعريف انعدام الجنسية بـ «وضع قانوني لشخص لا يتمتع بجنسية أية دولة على الإطلاق». وعرفته اتفاقية نيويورك المبرمة في 28 سبتمبر 1954م في المادة الأولى بالشخص الذي لا تعتبره أية دولة مواطناً فيها بمقتضى تشريعها، وبالتالي لا يتمتع بعضوية أية دولة ما يحول دون طلب أية حماية من أي ممثل دبلوماسي أو قنصلي ويكون عرضة للترحيل والإبعاد.
وقال مدير إدارة الجنسية إن الفقهاء أجمعوا على ضرورة التفريق بين عديمي الجنسية واللاجئين السياسيين لكون اللاجئ السياسي يتمتع بجنسية دولة معينة لكنه غادرها واستقر في دولة أخرى خوفاً على حياته بسبب جنسه أو عقيدته أو انتمائه إلى طائفة اجتماعية معينة أو بسبب أفكاره السياسية، وبالتالي يعتبر مجرداً «واقعاً» من الحماية في حين يعتبر عديم الجنسية مجرداً قانوناً من الحماية.
الورقة البحرينية قدمت شرحاً لنوعين من انعدام الجنسية، هما: الانعدام الواقعي للجنسية والذي يتحقق للأشخاص الذين غادروا دولهم التي يتمتعون بجنسيتها ولكنهم فقدوا رعايتها وحمايتها لهم أو لأن هؤلاء قد تنازلوا بأنفسهم من الاستفادة من رعاية وحماية دولتهم متنصلين من صلتهم بها لتدهور وضعها الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي على الصعيد الدولي أو بحكم تأزم العلاقة بين دولتهم الأصلية والدولة التي يقيمون فيها أو رغبة في خلق واقع قانوني وواقعي يجبر الدولة المقيمين فيها على منحهم جنسيتها.
والانعدام القانوني للجنسية كما يقول عيسى تركي هو ألا يتمتع الشخص بجنسية أية دولة منذ الميلاد أو في وقت لاحق ولم يكتسب أية جنسية، ولا يعتبر كثير من الفقهاء عديم الجنسية «البدون» أجنبياً لأن الأجنبي يحمل جنسية دولة معينة وله مركز قانوني محدد ومنظم وله حقوق وعليه واجبات.
وبينت الورقة البحرينية أن المادة (106) من المرسوم بقانون رقم (155) لسنة 1976 بشأن قانون العقوبات البحريني نصت على انه يقصد بالمواطن في حكم هذا القانون من يتمتع بالجنسية البحرينية ويعتبر في حكم المواطن من لا جنسية له إذا كان مقيماً في إقليم دولة البحرين منذ ولادته.
وهذا أيضاً ما قرره القضاء الإداري في مصر في الحكم الصادر في 18 يناير 1995 والحكم الصادر من القضاء الكويتي في القضية رقم 4910/1987 (جنح) وخلصت فيه إلى أن المتهم بدون جنسية وهذه الفئة تقيم بالكويت ولا يعتبر في المفهوم السائد بأنه غير كويتي أو أجنبي ولم يرد في قانون الجنسية البحرينية لعام 1963 مصطلح «البدون» وإنما ورد مصطلح «لا جنسية له» وفقاً للمادة 4/ج قبل استبدالها بالمرسوم بقانون رقم (12) لسنة 1989 بتعديل قانون الجنسية البحرينية لعام 1963، إلا أن المادة (3) من القانون رقم (11) لسنة 1975 بشأن جواز السفر أوردت مصطلح «لا جنسية لهم أو من غير ذوي الجنسية الثابتة».
رفض الجنسية
وقال تركي إن «استمرار استقرار هذه الفئة في البحرين أدى إلى التزاوج والإنجاب وعدم اعتراف أفرادها بالوثائق الرسمية البحرينية في ظل قانون الجنسية الصادر عام 1937م وتباطؤهم في طلبها في القانون الصادر عام 1963م لأسباب سياسية واقتصادية تربطهم بمصالح مع دولتهم الأم التي كانت تجردهم من ممتلكاتهم وتعاقبهم وتضيق عليهم عند اكتسابهم للجنسية أو الوثائق البحرينية».
وأضاف أن «بعض المحللين فسروا هذه التصرفات بأن دولتهم كانت تراهن على هذه الفئة لتحقيق مكاسب سياسية تتمثل في ضم البحرين إليها لاحقاً بزعم أن أغلبية السكان ينتمون إليها.. أو لأنهم سيصوتون للانضمام لدولتهم عند إجراء أي استفتاء على وضع البحرين».
وتابع مدير إدارة الجنسية سرد مضمون الورقة البحرينية، إذ قال إنه «وفقاً للثابت من الوثائق الرسمية أن الحكومة أفسحت المجال للنظر في طلبات الجنسية التي يتقدم بها الأجانب المقيمون لكن تقدم 16 شخصاً فقط ما دل على عزوف هذه الفئة عن حمل الجنسية البحرينية فضلاً عن تمتع هذه الفئة بالامتيازات التي يتمتع بها المواطن البحريني كممارسة التجارة والعمل والخدمات الأساسية كالتعليم والصحة وحرية التنقل سواء دخلت هذه الفئة بطريق مشروع أو غير مشروع لوجود ثغرات قانونية وإدارية فقانون الأجانب لم يصدر إلا في عام 1965 إضافة إلى حاجة البحرين للأيدي العاملة ولموردي المواد الغذائية والتموينية التي كان بعضها مصدره الدولة الأم لفئة عديمي الجنسية وهو من العوامل التي ساعدت على وجود هذه الفئة».
وأشار عيسى تركي إلى أن «الوضع تغير من عزوف عن التقدم بطلب الجنسية البحرينية إلى التكالب في طلبها بعد استقلال البحرين وسقوط رهان إيران لضم البحرين حيث تنكرت هذه الفئة خاصة الجيلين الثاني والثالث لأصولها وقامت بإخفاء وثائقها الدالة على جنسيتها الأصلية للادعاء بأنها بحرينية لا تحمل أية جنسية أخرى وظلت تطالب بمنحها الجنسية البحرينية بالتجنس أو عن طريق القضاء إلى أن صدرت الإرادة الملكية عام 2001 بمنح الجنسية البحرينية لمستحقيها من فئة عديمي الجنسية «البدون» فعولجت مشكلتهم بدوافع إنسانية واجتماعية أدت إلى استقرار بعض الأسر البحرينية التي كان عائلها من فئة «البدون».