^   مفهوم الربيع العربي لم يكن أبداً عربي المصدر بل هو مفهوم غربي بامتياز تماماً كما ابتكرت مراكز الأبحاث ودوائر صنع القرار الغربية غيرها من المفاهيم وسوقتها على الرأي العام الدولي والعربي أيضاً. لنفرض جزافاً أنه ربيع عربي، وليس شتاءً عربياً أو حتى خريف أو صيف رغم دلالات هذه الفصول المختلفة. لدينا سؤال يتكرر ويطرح باستمرار بعيداً عن فرضيات المؤامرة والقوى المجهولة التي تقف لتحرك الأحداث السياسية في منطقة الشرق الأوسط. لماذا حدث هذا الربيع العربي؟ في اعتقادي هناك خمس مجموعات من الأسباب ساهمت في تحريك الأحداث في المنطقة بالشكل الذي شاهدناه، وتشمل هذه المجموعات؛ عوامل أيديولوجية، وعوامل سياسية، وأخرى اقتصادية، واجتماعية، والمجموعة الأخيرة عوامل أمنية وعسكرية. المجموعة الأولى المتعلقة بالعوامل الأيديولوجية فإنها تشمل ظاهرة الصراع القديم القائم بين الأديان والمذاهب وحتى الأيديولوجيات الأخرى المختلفة. مثل هذه العوامل تدفعنا إلى التأمل كثيراً في فكرة المفكر الأمريكي الراحل صموئيل هنتنجتون التي طرحها في بداية تسعينيات القرن العشرين عندما تحدث عن صراع الحضارات كنتيجة حتمية للنظام الدولي الجديد بعد سقوط الاتحاد السوفييتي عام 1991م، واستفراد الولايات المتحدة الأمريكية بالهيمنة على النظام الدولي. أما المجموعة الثانية فإنها تشمل العوامل السياسية، والتي يقصد منها الصراع القائم حول النفوذ السياسي داخل الأنظمة السياسية العربية، وصراع القوى الكبرى والعظمى من أجل السيطرة على النفوذ في النظام الدولي. وهذه الظاهرة أيضاً ليست بجديدة، ولكن الهوس بالسيطرة على النفوذ الدولي، والمحاولات المستميتة من قبل هذه القوى بالسيطرة يدفعها إلى تشجيع موجات التغيير في مختلف بلدان العالم، ومن بينها بلا شك بلدان الشرق الأوسط. العوامل الاقتصادية لا تقل أهمية عن بقية العوامل، فكما هو معروف فإن منطقة الشرق الأوسط تمثل مصدراً رئيساً للموارد الطبيعية في العالم، وتحديداً النفط على وجه الخصوص. ومن منظور الجغرافيا السياسية فإن من يسيطر على الموارد الطبيعية اقتصادياً تكون لديه القدرة على السيطرة الاقتصادية كقاعدة أساسية من قواعد الجغرافيا السياسية. ولذلك لاحظنا ظهور أطروحات وتحليلات أمريكية بضرورة التغيير في الشرق الأوسط من أجل ضمان السيطرة على موارد الطاقة، بحيث تستفرد الولايات المتحدة بهذه الموارد وتكون لديها القدرة على التحكم فيها مقابل حرمان القوى الدولية الكبرى مثل روسيا والصين وبلدان الاتحاد الأوروبي من هذه الموارد. العوامل الاجتماعية تظهر بشكل واضح في البلدان العربية عندما نتحدث عن وجود نخب حاكمة قديمة زمنياً، مقابل ظهور نخب شابة ووجود فئات مهمشة داخل الأنظمة السياسية العربية مثل فئتي الشباب والمرأة، وهي فئات تتطلع لأن يكون لها دور حقيقي في مجتمعاتها. بالإضافة إلى غياب الإصلاحات الشاملة، وتراجع معدلات التنمية التي دفعت الشعوب للقيام بحركات مقاومة للأنظمة السياسية القائمة. المجموعة الأخيرة من العوامل المحركة لموجة التغيير التي تشهدها البلدان العربية تتمثل في الأسباب الأمنية والعسكرية، ويقصد بها الحفاظ على الهيمنة الأمريكية والغربية على منطقة الشرق الأوسط، وأيضاً حماية أمن إسرائيل وتحجيم قوة كلاً من الصين وروسيا والهند الصاعدة في النظام الدولي. أعتقد بعد هذا العرض أن أسباب ما يسمى بـ (الربيع العربي) باتت أكثر وضوحاً، وهي أسباب من وجهة نظري الشخصية منطقية للغاية.