^   من اللوحات اللافتة التي تم رفعها في ميدان التحرير بالقاهرة أخيراً لوحة كتب فيها “سألني أحدهم: هل أنت مع التيار السلفي أم التيار الإخواني أم التيار الليبرالي أم التيار العلماني؟ فقلت: أنا مع التيار الكهربائي الذي أتمنى أن يصعقهم جميعاً ليعودوا إلى رشدهم ويعرفوا أن الاتحاد قوة والفرقة ضعف”! كلام يوافق عليه كثيرون، ربما باستثناء ما يتعلق بالصعق بالتيار الكهربائي، ذلك أنه لن يعيد أحداً إلى الرشد بل قد ينقله إلى حيث لا رشد ولا وعي! شخصياً أرى أنه ليس مهماً أن يكون الواحد منا سلفياً أو إخوانياً أو ليبرالياً أو علمانياً أو شيعياً أو سنياً أو مسلماً أو مسيحياً أو يهودياً، مثلما أنه لا يهمنا أن يكون الواحد منا طويلاً أو قصيراً أو ضعيفاً أو متيناً أو أبيض أو أسود، المهم أن يضع المقتنع بهذه الأفكار والمبادئ في اعتباره أمرين، الأول أنه يرمي بما يحمل من معتقدات وأفكار ومبادئ وما يقوم به من سعي إلى خدمة الوطن والعمل على الارتقاء به نحو غد أفضل للجميع، والثاني أن يختلف مع الآخرين في الرأي لا أن يلغيهم ويعاديهم ويعتقد أنه هو المصيب الوحيد، ذلك أن الوطن يبنى بأيدي الجميع الذين يشكل اختلافهم تكاملاً وأن الوطن يضيع إن سعى أصحاب كل تيار إلى إلغاء الآخرين من حوله. ليس مهماً ما تختزنه في رأسك من مبادئ وأفكار وقناعات وتصورات، المهم أن تسهم من خلال كل ذلك في خدمة وطنك والإعلاء من شأنه ومكانته، ليس مهماً أن تقول ما أنت مقتنع به وتراه صحيحاً، المهم أن لا تؤذي به الآخرين ولا تسيء به إليهم وإلى الوطن. من حقك أن تدافع عن وجهة نظرك وأن تحاول أن تقنع الآخرين بها وأن يكون لك مواقف ولكن ينبغي ألا تتجاوز حدودك فتسيء إلى الآخرين وتلغيهم لأنك ببساطة لن تكون إن لم يكونوا. ليس صحيحاً أن تكون أنت وحدك المتحدث دائماً حيث عليك أن تتعلم أيضاً كيفية الإصغاء إلى الآخرين والاستماع إلى وجهات نظرهم وآرائهم والتعرف على توجهاتهم وطريقة تفكيرهم، لا يمكن أن تخلو الساحة لك وحدك، فالساحة من دون الآخرين لا تكون ساحة، مثلما أنها ليست ساحة من دونك. من هنا جاءت فكرة المعارضة، حيث إن المعارضة لا تعني محاربة الحكومة ولكن التكامل معها، فالحكومة دون معارضة يمكن أن تقع في كثير من الأخطاء وينتابها كثير من القصور، لكنها بالمعارضة يتحسن أداؤها ويكون ناتج فعلها وفعل المعارضة في صالح الوطن. المعارضة لا تعني إلغاء الآخر المتمثل في الحكومة، الحكومة والمعارضة يكملان بعضهما البعض. والمثال يكون واضحاً في مجلس النواب الذي إن غابت عنه المعارضة غاب وإن سيطرت عليه المعارضة غاب أيضاً. الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية بل على العكس يثري كل شيء. هكذا هي الحياة يكمل فيها الواحد الآخر، لا يمكن أن يكون الناس جميعهم من السلفيين ولا يمكن أن يكونوا جميعاً من الإخوان، لا يمكن أن يكونوا جميعهم سنة ولا يمكن أن يكونوا كلهم شيعة، فالوطن يستوعب الجميع. هذه الثقافة هي ما ينبغي أن يؤسس لها في بلادنا التي تكاد أن تفلت من بين أيدينا بسبب ضيق أفق البعض الذي لا يرى في الساحة رغم امتلائها إلا نفسه. بحريننا بحاجة إلى كل أبنائها بغض النظر عن انتماءاتهم وأصولهم وألوانهم وأديانهم ومذاهبهم.. وبالتأكيد هي في غير حاجة إلى التيار الكهربي إلا لتنير ما هو مظلم.