^ للإطاحة بالرئيس سلوبودان ميلوسوفيتش، تأسست في 1998 مجموعة شبابية صربية تسمى “أوتبور” (قاوم) اتخذت شعار قبضة اليد، بدعم من منظمات دولية ومن الصندوق الوطني للديمقراطية الذي يموله جورج سوروس الملياردير الصهيوني المعروف بـ«رجل النظام العالمي الجديد”. تبنّت المجموعة ما يسمى بتكيتات العصابات اللاعنفية مثل التظاهرات والإضراب والعصيان والرسم وتحشيد الناس واقتيادهم عاطفياً لدعم الحركة بالعزف على مشاكل كل مجموعة اجتماعية. كل ذلك وفق خطط محكمة وأساليب للتواصل مع السكان والمناطق والتواصل مع المنظمات والإعلام الخارجي بما يحقق هدف المجموعة في “التغيير” أو الانقلاب سمه ما شئت. اشتهرت هذه الحركة رفع صور ميلوسوفيتش مع عبارة “تلاشى” أو ارحل التي ستنتشر لاحقاً في “الثورات” العربية. بعد إزاحة ميلوسوفيتش تطورت حركة أوتبور لتصبح مركزاً لدراسات اللاعنف “كانفاس”. وتشير المعلومات المتوفرة عن هذا المركز أن رجل الأعمال بيتر أكيرمان هو الممول لأنشطة “حرب اللاعنف” ويضع تكتيكاتها جين شارب الذي بدأ أعماله بمركز ألبرت أنشتاين ذي الصلة بروبرت هالفي وهو كولونيل سابق وخبير حربي بالجيش الأمريكي. انتقلت الحركة الشبابية الصربية إلى دول أخرى مثل جورجيا التي تشكل بها حركة كمارا (بمعنى يكفي). هل يذكركم هذا باسم حركة في مصر؟ حركة “كفاية” التي تأسست بعد سنتين من حركة كمارا الجورجية وقد انضم عدد من أعضاء كفاية لاحقاً إلى حركة 6 أبريل التي تلقت تدريباتها في صربيا وجورجيا باعتراف أعضائها. انتقلت “الثورة” إلى عدة بلدان والتفت أمريكا أكثر حول هذه النماذج فمع حركة كمارا الجورجية في 2003 أعلنت أمريكا نشر منظماتها “غير الحكومية” في العالم لدعم الديمقراطية. النموذج الصربي في “اللاعنف” و«السلمية” لقى رعاية بالغة وتمويلاً واهتمت به أمريكا ذات التاريخ في إطاحة الأنظمة بطرق مختلفة فقد ساهمت مباشرة في الإطاحة بمائة رئيس أو نظام خلال 65 عاماً، أما الاهتمام بأسلوب “اللاعنف” والتظاهر فلانخفاض كلفته مقارنة بالتدخل العسكري التقليدي كما يحافظ على المسافة وإبعاد الشبهات إذ يمكن لأمريكا أن تمثل دور الصديق وتدعم انقلاباً داخلياً في الوقت نفسه. تم اختطاف فكرة “اللاعنف” لتحقيق مآرب دول عظمى بما فيها مشروع الشرق الأوسط الجديد المتخفي خلف شعار نشر الديمقراطية وتحرير الشعوب. حققت التكتيكات هذه نجاحات في عدة دول ما عدا إيران (الثورة الخضراء) -التي قاومت بالإعلام المضاد والقمع ورفض التدخلات- قبل ظهورها بشكل مستنسخ في المنطقة العربية الواقعة في دائرة مشروع تقسيم الشرق الأوسط إلى دويلات طائفية وعرقية هشة.. هذا هو سر الدعم الأمريكي مادياً وإعلامياً واستخباراتياً للتظاهرات وهو ما تؤكده بعض الوثائق المسربة ويكيلكس وحتى التصريحات والمواقف والخطابات الأمريكية وعلاقة “النشطاء” والمعارضين بالسفارات الأمريكية في بلدانهم، وعلى الطرف الآخر تقف إسرائيل موقف المراقب بصمت لمجريات الأحداث كمن ينتظر نتيجة اللعبة. أين يتبين الدور الأمريكي لإنجاح فوضاه الخلاقة؟ في السعي لتحييد الأمن والشرطة والجيش في الدول المضطربة بالضغط الحقوقي والإعلامي والوقوف مع متظاهرين في الداخل يرفعون شعارات غريبة داعية لإسقاط وحل الأمن والشرطة والجيش بعد حملات تشويه هذه الأجهزة بقصد وتكتيك مدروس تم التدريب عليه... هذه مطالب لا علاقة لها بأي إصلاح طبعاً بل تخدم مباشرة نظرية “الفوضى الخلاقة” التي تحول حياة البشر إلى جحيم يجبرهم على التخندق مذهبياً وعرقياً ثم المطالبة الدولية لتسوير كيانهم في دويلات صغيرة. ما الحل وكيف يمكن مقاومة هذه الخطط التي تديرها وتنفذها دول كبرى ومؤسسات ومنظمات بموارد لا محدودة؟ إن كان هناك سلاح يخطر على البال فهو أولاً توعية الجماهير بالمعلومات وبالمكائد حتى يفرقوا بين المطالبة بالإصلاحات المعيشية وبين استغلالهم واقتيادهم لتدمير وطنهم بأيديهم. أين نحن في البحرين من ذلك؟ في الجانب الرسمي تحاول المملكة إبقاء العلاقات في شكلها التقليدي مع دول تدعم الانقلاب عليها فهي دول “صديقة” وتربطنا بها مصالح رغم وقوفها مع جماعات متطرفة تصنفها في مكان آخر تحت قائمة الإرهابيين وهو ما يصعّب مهمة كشف الأوراق والمعلومات المتوفرة لدى الدولة علناً