كتب ـ علي الشرقاوي:
عندما نرتشف القهوة ونتذوق طعمها الرائق والفنجان يلكع أناملنا وشفاهنا بحرارته، بعد تناول شيء من الحلوى أو التمر، ربما لا نعرف شيئاً عن محطات سبق أن عبرتها «قافلة» القهوة، وآلاف أميال قطعتها قبل أن تصلنا معلبة ومعدة في فنجان.
طبيعي ألا نعرف كيفية وصولها إلينا، ومتى بدأ الإنسان العربي بتحضيرها وشربها، وكيفية مقاومتها لكثير من الآراء وقفت ضدها واتهمتها بما ليس فيها، ونحن هنا نحاول المرور على بعض محطات القهوة، والتعرف على تاريخها وجغرافيتها، مستفيدين مما كتب عنها في بطون الكتب والأبحاث المنشورة في مواقع الإنترنت.
تسمية القهوة
يقال إن اسم القهوة مشتق من بلدة Caffa، وهي مقاطعة حبشية، وتبقى فيها شجرة القهوة خضراء طوال السنة مثل شجرة الزيتون تماماً.
أما في اللغة العربية ومعاجمها فإن القهوة تعني الخمر، يقال سميت بذلك لأنها تنفع وقت الجماع أي تذهب بشهوة الجنس «أقهي الرجل من الطعام، إذا اجتواه وقل طعمه، مثل أقهم والقاهي الحديد الفؤاد المستطار».
وقال حسن سعيد ألكرمي (1905 ـ 2007) في كتابه «قول على قول» إن كلمة قهوة معناها في الأصل «الخمر»، ويتضح ذلك من مراجعة الكلمة في جميع القواميس.
ويرد العلامة أبو بكر بن أبي زيد في مؤلفه «إثارة النخوة بحل القهوة»، اشتقاق القهوة من الإقهاء وهو الاجتواء أي الكراهة، أو من الإقهاء بمعنى الإقعاد، من أقهى الرجل عن الشيء أي قعد عنه وكرهه، ومنه سميت الخمرة قهوة لأنها تقهي أي تكره الطعام أو تقعد عنه، أما القهوة التي نشربها من نقيع البن، فاستعمال هذه الكلمة للدلالة عليها كان متأخراً .
قال أبو معاوية البيروتي والأزهري في «تهذيب اللغة»، إن القهوة الخمر، سميت قهوة لأنها تقهي الإنسان أي تشبعه، وقال غيره «سميت قهوة لأن شاربها يقهي عن الطعام أي يكرهه ويأجمه».
العرب والقهوة
بدأت القهوة كمكسرات تؤكل في إثيوبيا، وذكرت الموسوعة العربية العالمية ما يشير إلى أن القهوة لم تعرف عند العرب في الجاهلية ولا في صدر الإسلام ولا في العصر الأموي، لأنها لم تدخل جزيرة العرب إلا في القرن السابع الهجري الموافق للقرن الثالث عشر الميلادي، وعرفها أهل اليمن فمكة ومنها انتقلت إلى القاهرة وإسطنبول وشاعت في العالم.
ونقرأ في الويكيبيديا أن البن شجرة دائمة الخضرة ذات ثمار حمراء اللون في حالة نضجها، وتحتوي على مكونات يرجح ضررها بالصحة مثل الكافيين، وشجرتها تنمو طبيعياً في المناخ الاستوائي الذي يكون حاراً رطباً في موسم النمو، وحاراً جافاً في موسم القطاف.
أسطورة القهوة
تُروى حكاية قديمة عن راعي فُوجئ بغنمه وقد اعترتها حالة غير عادية من الحيوية والنشاط، عندما أكلت من شجيرة معينة، ولم يستغرق الأمر من الراعي وقتاً طويلاً حتى قرر أن يتناول هو الآخر بعضاً من هذه البذور ليجرب تأثيرها بنفسه، ويكتشف الأثر الواضح لزيادة نشاطه وحيويته، وكان هذا سبباً في اكتشاف شجرة البن التي يُصنع منها مشروب القهوة، أكثر المشروبات رواجاً واستهلاكاً في العالم.
وقيل إن أول من اهتدى للقهوة هو أبو بكر بن عبدالله العيدروس، وكان أصل اتخاذه لهذه البذرة أنه مر في أحد سياحاته بشجرة فأكل من ثمرها حين رآه متروكاً لا ينتفع به أحد مع كثرته، فوجد به تجفيفاً للدماغ واجتلاباً للسهر وتنشيطاً للعبادة، فاتخذه قوتاً وشراباً وطعاماً وأرشد أتباعه إليه ثم نشر ذلك في الحجاز واليمن ومصر.
المحطة العربية
قهوة خفيفة التركيز توضع فيها حبات الهيل والبهار أو البزار المستخدم لإضافة نكهة ورائحة زكية ومميزة عند أهل البادية والحضر من العرب عامة وأهل الخليج خاصة وتكون قهوتهم صفراء مائلة للون البني الذهبي وهناك القهوة الشمالية الغامقة الأكثر تركيزاً التي تعتبر قهوة أهل العراق وبلاد الشام، وعادة تكون مرة وليس فيها سكر أبداً، وتقدم في فنجان يختلف عن فنجان القهوة المتعارف عليه في تركيا وأوروبا حيث يكون فمه أوسع من قاعدته وتقدم به القهوة بحيث لا تملأ إلا ربعه على أكثر تقدير.
دلة رسلان
بات من المعروف سبب تسمية وعاء القهوة بـ»الدلة»، لأنها كما يقول العارفون تدل من تناول القهوة بها، ولابد لصاحب البيت أن يكون عنده دلال لصنع القهوة فهي تجعل للرجل احتراماً.
أما سبب تسمية الدلة بـ»الرسلان» فإن لها قصة، يحكيها لنا موقع «قصيمي» حيث يقول إن رسلان رجل سوري عاش قبل 300 سنة، جاء من بادية الشام ووضع دلة أمانة عند رجل بدوي، وقال له «هذه أمانة عندك وأنا ذاهب إلى الحج وأعود بعد 3 أشهر، فرأى الشخص المؤتمن الدلة وأخذ يصنع مثلها فكرر عمله مرتين وفي الثالثة نجح في صنع دلة مشابهة، لكن صنعته لهذه الدلة صارت أفضل من الأصلية، ثم صارت لها شهرة رسلان وإن كانت هناك دلال أفضل منها لصنع القهوة.
لكن «رسلان» بالشكل والهيئة أجمل من غيرها حينما تكون على «أوجار» محاذية للنار، وتعطي رونقاً وجمال هيئة وشكلاً يجذب النظر كأنها المرأة الجميلة المزيونة.. و»الرسلان» ذات أحجام كثيرة كبيرة ومتوسطة وصغيرة.
عادات شرب القهوة
ويرى العديد من الباحثين في التراث الشعبي وبالذات شرب القهوة، أن هناك عادات وطقوساً لشربها وعلى الشاربين ألا يخرجوا عن هذه العادات.
فعند سكب القهوة وتقديمها للضيوف يجب أن تبدأ من اليمين عملاً بالسنة الشريفة، أو تبدأ بالضيف مباشرةً إذا كان من كبار السن، والمتعارف عليه أنك تصب القهوة حتى يقول الضيف كفى ويعبر عن ذلك بقوله (بس) أو (كافي) أو (أكرِم) ، أو بهز فنجان القهوة.
أيضاً من الضروري أن تسكب القهوة للضيوف وأنت واقف وتمسك بالدلة في يدك اليسرى وتقدم الفنجان باليد اليمنى ولا تجلس أبداً حتى ينتهي جميع الحاضرين من شرب القهوة، بل وأحياناً يستحسن إضافة فنجانٍ آخرٍ للضيف في حال انتهائه من الشرب خوفاً من أن يكون قد خجل من طلب المزيد.
ومن مهارة صب القهوة أن تحدث رنيناً خفيفاً نتيجة ملامسة الفنجان للدلة أو ملامسة الفناجين بعضها ببعض، وكان يقصد بهذه الحركة تنبيه الضيف إذا كان سارحاً وذلك في الأفراح، أما في الأحزان كالعزاء فعلى مقدم القهوة ألا يصدر صوتاً ولو خفيفاً، كما إن من مهارة شرب القهوة أن يهز الشارب الفنجان يميناً وشمالاً حتى تبرد القهوة ويتم ارتشافها بسرعة.
الروح الاجتماعية للقهوة
بلغ من احترام البدو والعرب في السابق للقهوة أنه إذا كان لأحدهم طلب عند شيخ العشيرة أو المضيف، كان يضع فنجانه وهو مليء بالقهوة على الأرض ولا يشربه، فيلاحظ المضيف أو شيخ العشيرة ذلك فيُبادره بالسؤال «ما حاجتك؟» فإذا قضاها له، أمره بشرب قهوته اعتزازاً بنفسه، وإذا امتنع الضيف عن شرب القهوة وتجاهله المضيف ولم يسأله ما طلبه فإن ذلك يعد عيباً كبيراً بحقه، وينتشر أمر هذا الخبر في القبيلة، وأصحاب الحقوق عادة يحترمون هذه العادات فلا يبالغون في المطالب التعجيزية ولا يطلبون ما يستحيل تحقيقه، ولكل مقام مقال. ليست القهوة للسلم فقط بل تستخدم للحروب، فكافة القبائل في السابق إذا حدث بينها شجار أو معارك طاحنة وأعجز إحدى القبائل بطل معين، كان شيخ العشيرة يجتمع بأفرادها ويقول من يشرب فنجان فلان ويشير بذلك للبطل الآنف الذكر؟ أي من يتكفل به أثناء المعركة ويقتله، فيقول أشجع أفراد القبيلة أنا أشرب فنجانه، وبذلك يقطع على نفسه عهداً أمام الجميع أن يقتل ذلك البطل أو يقتل دونه في المعركة، وأي عار يجلبه هذا الرجل على قبيلته إذا لم يبر بوعده، هكذا تحولت القهوة من رمز للألفة والسلام إلى نذير حربٍ ودمار.
ويقول طلال المناور إن هز الضيف فنجان قهوته، فقد اكتفى من الشرب، وبعضهم لا يقبل من الضيف إلا بشرب ثلاثة فناجين ثم يقبل منه هز الفنجان، فرحاً به وتقديراً له، وإن امتنع الضيف عن شربها فهذا أمر خطير له ما بعده من القول لأنه غالباً سوف يقدم طلباً عليك أن تتعهد له بإنجازه حتى يشرب قهوتك، وإن أراق الفنجان فهو يشير إلى مخالطة القهوة لشيء غريب كحشرة، وإن شربه على عجل واكتفى بفنجان واحد، ربما يشير إلى برودتها أو شيء من هذا القبيل.
طقوسٌ وآداب اصطلحت عليها أعراف العرب في جزيرتهم، تشكلت عبر مرور الغداة وكر العشي، ولا تختلف تلك الآداب من بلد أو من قبيلة وأخرى في الجزيرة ومحيطها إلا ما ندر، فهم يجعلونها من أركان الضيافة الأساسية، فلا مجلس إلا والقهوة أميرته الأثيرة وفاكهته المفضلة، فيها تزداد بهجة الصباح وتزدان أحاديث السمر، من بلاط أعظم الملوك إلى بساط أفقر صعلوك، لذلك تجد أنهم كثيراً ما يتغنون بها ويمتدحون من لا تنفك قهوته حاضرة، نعم تلك هي القهوة العربية، طاردة الهم، موقدة الفكر، ذات الرائحة الأخاذة والطعم الوقور.
طقوس وشعائر
يقول محمد بن فنخور العبدلي العنزي من محافظة القريات، إن إعداد القهوة العربية والتعامل معها، عادة عربية بدوية لها احترامها الذي يصل إلى حد الالتزام بها وعدم تجاوزها، لها قوانينها وأنظمتها وطقوسها، ولا يجوز عرفاً تجاوزها، أو التمرد عليها، بل يجب احترامها، والتمسك بها.
القهوة العربية لها معنىً خاص عند البدوي، وتحتل مكاناً بارزاً في المجالس باعتبارها رمزاً للكرم وحسن الضيافة، فهي حاضرة في جميع المواقف والمناسبات.
وتثور في المقابل ثائرة المضيف إذا أخبره أحد أن قهوته فيها خلل أو تغير في مذاقها، ويعبرون عن ذلك بقولهم قهوتك صايدة، ولا بد في هذه الحالة أن يغير المضيف قهوته حالاً ويستبدلها بأخرى.
القهوة من المسكرات
لم تصل القهوة إلى هذه المرحلة دون صعوبات وعراقيل اجتماعية وسياسية ودينية، فقد حظرت الكنيسة الأثيوبية استهلاكها المدني حتى عهد الإمبراطور منليك الثاني، وتم حظرها في العهد العثماني في تركيا في القرن السابع عشر لأسباب سياسية، حيث ارتبطت بالأنشطة السياسية المتمردة في أوروبا.
ويذكر د.عبدالله بن إبراهيم العسكر في جريدة الرياض العدد 14737 «تاريخ القهوة موغل في القدم، على أن عمرها في جزيرة العرب لا يتعدى حوالي خمسة قرون»، وقال أيضاً «يرتبط اسم جمال الدين أبو عبدالله محمد بن سعيد الذبحاني بتاريخ القهوة في الجزيرة العربية، عاش الشيخ الذبحاني في منتصف القرن التاسع الهجري (منتصف القرن الخامس عشر الميلادي) وهو أول من أدخل هذا المشروب إلى الجزيرة العربية، وبالتالي يمكن أن نقول مطمئنين إن القهوة بكل أشكالها لم تكن معروفة لأهل الجزيرة العربية قبل هذا التاريخ، كان الشيخ الذبحاني يتولى رئاسة الإفتاء في عدن، تعرض عليه الفتاوى التي تتعرض للنوازل يجيز ما يراه، وينقض أو يصحح ما يحتاج إلى تصحيح، وكان أيام عمله ذاك على علاقة بالحبشة، وربما أنه تعاطى التجارة مع تجارها، لذا نجده يسافر إلى هناك، وتعرف على مشروب القهوة، وارتاحت لها نفسه، وبعد عودته أصيب بمرض جعله يتذكر مشروب القهوة، فأرسل من جلبها له، فطفق يصنعها كما كان يصنعها الأحباش، وسقاها لخاصته وأهل بيته وعرفوا مقدار أثرها على الجسم الواهن والذهن المكدود».
وبقيت القهوة محدودة الانتشار في اليمن، ولقيت معارضة من مشايخها، وعدوه مشروباً جديداً ومبتدعاً لا يتناسب مع مروءة الرجل، أما الشيخ الذبحاني فانتهى أن أصبح من المتصوفة، وترك القضاء والإفتاء، ولازم شرب القهوة، وهذا سبب آخر زاد من عدد معارضيها.
لكن القهوة أصبحت من لوازم الصوفية، لأنها تساعدهم على السهر وقيام الليل، وبعد مدة لا تتجاوز العقد بدأ بعض المزارعين في زراعة شجرة القهوة بسبب انتشار شربها بين الطبقة العليا في اليمن، ثم قلدتهم العامة خصوصاً طلبة العلم الذين يحتاجونها لمساعدتهم على السهر، ومن اليمن انتقلت إلى مكة، وعارضها رجال الدين معارضة شديدة، وأصدر بعضهم فتاوى تحرمها، وعدوها من جنس المسكرات والمثبطات، وقالوا إنها تسبب العلل في الأبدان والضعف في العقول، وانقسم الناس بسببها إلى قسمين، وكثرت الفتن والمواجهات خصوصاً عندما أيد بعض الفقهاء فريق المحللين للقهوة، واستعان بعض الفقهاء بالسلطة السياسية وطال النزاع طويلاً.
لكن المعارضين اخترعوا حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «من شرب القهوة يحشر يوم القيامة ووجهه أسود من أسافل أوانيها»، ولعل شهرة القهوة وانتشارها في بقية الأمصار الإسلامية حدث عندما ظهرت القهوة لأول مرة في مصر في مطلع القرن العاشر الهجري، لقد جلبها اليمانيون إلى رواقهم في الجامع الأزهر، وكان طلاب اليمن وما جاورهم في الرواق اليمني يسهرون للدراسة وترديد الأذكار وينشدون المدائح النبوية، ويستعينون على مغالبة النعاس بشرب القهوة، ولقيت القهوة معارضة علماء مصر، وأصدر بعضهم فتاوى تحرمها، ومع هذا بقيت معارضة مصر أخف وطأة من معارضة الحجاز، وكانت العلاقة المتنوعة بين الحجاز واليمن ومصر قوية ومتشابكة، ونلمح أن مشروب القهوة انتشر في عموم اليمن، لكنه في مكة يصادف عاماً تحرم فيه القهوة، وآخر تحل فيه، والشيء نفسه يقال عن مصر.
وحدث في بعض الأعوام التي سُمح بمشروب القهوة أن قدمت لزوار البيت العتيق جنباً إلى جنب مع ماء زمزم، وحدث في الأعوام التي حرمت فيها القهوة أن أقيم الحد الشرعي على شاربها وبائعها، فقد عزر أولئك وطوف بهم في شوارع مكة، وكبس العسس على المقاهي وبيوت القهوة وخربت وكبس على المرتادين وأخرجوا وشد وثاقهم بالحبال والحديد، ثم يتم جلدهم في الميادين العامة ويسجنون المدد المقررة، ومن مصر والحجاز انتقلت القهوة إلى القسطنطينية ثم البندقية في القرن السابع عشر الميلادي، ثم إلى سائر أوروبا، وافتتح أول مقهى في إنجلترا سنة 1652، ولقيت القهوة معارضة في إنجلترا وألمانيا ولكنها معارضة يسيرة.
القهوة إلى الزمن الحاضر
من رواق اليمنيين بالجامع الأزهر شقت القهوة طريقها إلى كل الأنحاء حتى وصلت إلى مكة وشربت بداخل الحرم حتى كان عام 917 هـ حينما جاء إلى مكة رجلان من مصر في أواخر دولة الغوري، ادعيا علماً بالفقه والطب وأدخلا على الأمير خاير بك محتسب مكة تحريم القهوة حتى كتب إلى السلطان في مصر يطلب مرسوماً سلطانياً بذلك، ولم ينتظر رد السلطان فأرسل منادياً في الأسواق بقرار التحريم، ثم هاجم أحد البيوت بعدما بلغه أن صاحب المنزل يحتسي القهوة وقام بجلده والطواف به في الأسواق لكن رد السلطان جاء من مصر بعد عام بإباحة شرب القهوة، فعاد الناس لشربها وأطلقوا النكات في صورة أبيات على المحتسب.
وجاء السلطان المظفر سليم شاه من مصر إلى مكة وقتل الرجلين بعد بلوغه أنهما يتقولان على الله كذباً، الغريب أنه بعد مرور جيل كامل على هذه الواقعة، عاد تحريم القهوة من جديد ولكن هذه المرة من داخل الجامع الأزهر حيث أفتى العلامة السنباطي بحرمة شرب القهوة لما يترتب عليها من مفاسد وأنها مسكرة، كان ذلك عام 941 هـ ـ 1541م حيث خرج الناس من الجامع إلى بيوتهم وكسروا أوانيها وضربوا بعد ذلك من رأوه يتناولها في الأسواق، وكادت تحدث فتنة بسبب القهوة لولا تدخل قاضي مصر الشيخ محمد بن إلياس الحنفي الذي أمر بصنعها في منزله بحضور العلماء واختبر تأثيرها وأقر شربها، لكن مشكلة القهوة لم تنته عند هذا الحد، وظلت سنين طويلة بعد ذلك محل جدل وخلاف ومصدر مشاكل في القاهرة ومكة وذهب البعض في تفسير ذلك إلى ارتباطها بمجالس المناقشات السياسية.
وهناك بعض الدراسات التي تقول إنه شاع في العهد السابق قبل ثلاث قرون تقريباً شرب القهوة في مكة المكرمة وحاربها علماء
مكة وأفتى بتحريمها وقالوا إنها خمرة مسكرة فصدر الحكم بجلد طابخها وشاربها وبائعها فكان الناس يتعاطونها خفية وكان المتعسفون إذا أمسكوا بشاربها أوقعوا به الجلد بالسياط وضربوا رأسه بأوانيها وكانت من الفخار ثم تهاونوا في أمرها فكثر شيوعها وزاد انتشارها.
ومن تابع أغاني سميرة توفيق في الستينات، لا بد أن يتذكر أغنيتها «صبوا القهوة» من كلمات الشيخ رشيد زيد الكيلاني، وتعتبر من أغاني التراث الأردني الرائع..
بالله تصبـــوا هالقهــــوة وزيــــــدوهـا هيــــــل
وســـقـوها للنشــامـــى عــا ظهـــــور الخيـــــــل