كتب ـ عبدالرحمن صالح الدوسري:
ظلمت «غينيس» ابن البحرين محمد إسماعيل عندما لم تدخله موسوعتها للأرقام القياسية، فهو حفظ أرقام هواتف البحرين كلها عن ظهر قلب عندما كان عاملاً للبدالة في «بتلكو»، ليس هذا فحسب بل حفظ محمد أرقام سيارات الزبائن وعناوين سكنهم ومحالهم التجارية، كان باختصار كمبيوتر أرقام.
محمد إسماعيل فتح دفتر ذكرياته، تحدث عن كل شيء، من بدايات عمله في تخطيط القبور لقاء 5 روبيات للقبر الواحد، إلى سقا في سينما الزياني، إلى ليالي لندن وبتلكو وأيام الطفولة والشباب.
في فريج الفاضل
محمد إسماعيل من مواليد المنامة فريق الفاضل، نشأ وترعرع في منطقة «فريج العمال» القريب من بناية الكويتي حالياً «كان يسكن المنطقة 26 عائلة في ذاك الوقت، بعدها انتقلت العائلة إلى سلماباد ومنها إلى مدينة عيسى ثم مدينة حمد».
سنة 1970 كان في السلمانية فريق اسمه «المجد» إلى جانب فريقي النيل واللؤلؤ «في مجموعة بيوت العمال القريبة من بناية الكويتي، كان هناك فريق شباب المتحد، في ذاك العام كان فريق المجد يمر بظروف عصيبة ويبحث عن لاعبين موهوبين تعيده لسكة الانتصارات، وفريقنا «شباب المتحد» يملك مجموعة جيدة من اللاعبين فاقترحوا علينا الاندماج تحت مظلة فريق واحد».
ويقول إسماعيل «عبدالرحمن اللظي زارنا ممثلاً عن فريق المجد مع بعض الإخوة، وشرحوا لنا ظروف فريقهم المهدد بالخروج من الاتحاد لنتائجه المتردية، ولأننا نطمح بدخول الاتحاد فوافقنا على الدمج تحت مسمى المجد». الطريق إلى الملعب كان يمر عبر المقبرة «كنا نذهب سيراً على الأقدام، بعد الدمج قررنا تشكيل فريق سلة فاتجهنا إلى فريق شباب القلعة.. وكان يضم نخبة من اللاعبين المميزين بينهم سعد طرار وأبناء الشرطة الذين يسكنون القلعة في ذلك الوقت فدمجناهم معنا، وأصبحنا نملك فريق كرة قدم وآخر للسلة يضمان ألمع النجوم وثالث لكرة اليد». بعد تجربة الدمج وتشكيل فريقي السلة واليد قرر النادي التوسع «كان ملعب القادسية مخصصاً لثلاث فرق السبت يلعب المجد والنيل الأحد واللؤلؤ الإثنين.. والصراعات بين الفرق الثلاثة حول موضوع الملعب يكاد لا يتوقف».
قرر المجد دمج النيل واللؤلؤ «فريق اللؤلؤ رفض الفكرة من أساسها بينما وافق النيل، وأغلبية لاعبي النيل كانوا يقطنون بيوت العمال خلف مستشفى السلمانية، وبعد الاندماج مع النيل غيرنا اسم الفريق إلى السلمانية، ولا ننكر موقف الشيخ عيسى بن محمد الذي كان له اليد الطولى في مساعدتنا».
الدمج مع «اللؤلؤ»
لم تتوقف المحاولات لدمج فريق اللؤلؤ مع السلمانية «كان اللؤلؤ يملك فريقاً مهماً لكمال الأجسام.. ويضم أبطالاً مثلوا البحرين في العديد من المحافل الدولية بينهم عبدالله مسعود وأحمد دويسان وآخرون».
اشترط أعضاء نادي اللؤلؤ للموافقة على المشروع دمج نادي النعيم ضمن التشكيل الجديد «عند طلبنا من نادي النعيم الاندماج رفضوا، وبعدها وافق أعضاء نادي اللؤلؤ الدخول دون النعيم، وتغير اسم التشكيل الجديد إلى القادسية كان ذلك عام 1976، وتم اعتماد الاسم بعد خلاف شديد، فكل نادي دخل الدمج كان يقترح ناديه اسماً».
إبان الصراع على اختيار اسم النادي، كان نادي القادسية الكويتي يزور البحرين لخوض مباريات مع الفرق المحلية، وكان في نادي القادسية الكويتي مدرب سلة يدعى فهمي الخفرة وكان صديقاً للزميل ناصر محمد «ناصر بحكم علاقته الجيدة مع المدرب، حيث يعمل مراسلاً لجريدة الأنباء الكويتية منذ صدورها وحتى الآن، أشار علينا أن نسمي النادي القادسية فوجدنا أن المقترح يناسب الجميع وينهي الخلاف».
بقي «القادسية» الاسم المعتمد للنادي حتى عام 2001 «في هذا العام اندمجنا مع نادي الوحدة، والأخير أيضاً نتاج دمج مع أندية اليرموك والولعة، وبعد الدمج مع الوحدة أصبح الاسم الهلال كان من الفرق الجيدة، بعدها كان الخلاف وانتهى الدمج، وبعد سنتين عاد الدمج مرة أخرى وضم هذه المرة فرق النجمة والسلمانية والوحدة ورأس رمان وتم تسميته النجمة، بينما اندمج فريق المجد مع نادي أم الحصم والماحوز وشباب سقية».
عمل محمد إسماعيل في «النجمة» ثلاث سنوات نائباً للرئيس «حققنا خلالها كأس السوبر مرتين وكأس الملك مرتين، وبطولات في الطائرة واليد، كانت فرقنا الرياضية تتصدر الكثير من البطولات سواء القدم أو الطائرة أو اليد، وضع النادي الآن يبعث على الحزن، مع أنه ناد جديد وإمكاناته كبيرة، لكنه يحتاج لمن يدعمه ويرتقي به لمصاف الأندية الكبيرة».
قاموس الأرقام
بدأ محمد إسماعيل مشواره بسوق العمل مع شركة «بتلكو» عام 1969 «كنا في فترة الإجازة الصيفية المدرسية وكانت الشركات الكبرى توظف الطلبة في العطلة، إضافة إلى بتلكو كان هناك بابكو و(كري ماكنزي) والعديد من الشركات الأخرى العاملة في البحرين».
تقدم محمد للعمل في أكثر من شركة ولكن الجواب من «كيبل أندوايلس» بتلكو جاء سريعاً «التحقت بالعمل في الشركة في يوليو 1969 وقضيت 3 أشهر في البدالة أرد على المكالمات، كان الرقم صفر هو ما يطلبه المتصل نجيب عليه ونعطيه الرقم المطلوب، لم يكن الكمبيوتر موجوداً حينها، ونعتمد على ذاكرتنا في الحفظ، عليك حفظ الأرقام والإجابة بسرعة على المتصل، كان المكتب في المبنى الحالي عند كنتاكي، وهناك أيضاً مطعم أمين في شارع الحكومة».
أمضى محمد في الشركة ثلاثة أشهر تحت التجريب «تثبت بعدها رسمياً، والمشكلة أنني كنت طالباً انتقلت تواً إلى التوجيهي، وسأستلم مرتباً قدره 47 ديناراً ويصل إلى 56 ديناراً من الإضافي».
من الصدف أن المدرس في الثانوية التي كان محمد طالباً فيها يتقاضى معاشاً قدره 50 ديناراً «ما يعني أني طالب وأستلم أكثر من المدرسين بـ6 دنانير، كنت رسمت مسبقاً خطوط مستقبلي لو تخرجت لن أعمل سوى مدرساً، لأن والدي كان يعمل في النادي الأهلي وكان على صلة بوجهاء البلد أمثال عبدالرحمن كانو وأحمد تقي.. كنت أعلم أني لا أستطيع متابعة الدراسة في الخارج فظروف العائلة لا تسمح، ورتبت أموري على هذا الأساس».
كان محمد يتغيب عن المدرسة عندما يكون دوامه الوظيفي صباحاً، ويرتاد المدرسة إذا كان الدوام ليلاً «كان يومها مدير المدرسة جميل الجشي ومدرسي عزيز زباري، كنا في ثانوية بالقضيبية، طلبا مقابلتي وأخبراني أنهما على علم بتغيبي المستمر عن المدرسة وقالا أنت يا محمد تحضر يوماً وتغيب عشرة.. الغياب ممنوع، عليك الالتزام بالحضور، قلت لهم بالعكس أنا أتغيب يوماً وأحضر عشرة».
لم يجد محمد إسماعيل يومها بداً من مصارحة المدير والمدرس «أنا أعمل في بتلكو، الوضع المادي للأسرة ضعيف، وأنا مضطر للوظيفة».
تفهم مسؤولو المدرسة حالة محمد ووافقوا على استمراره في الوظيفة «الفضل أيضاً لزملائي في الفصل منهم شوقي الزين ومحمود الجابر ومحمد البردولي، هؤلاء الأخوة كانوا يعطوني المقرر الذي أتغيب عنه، وفي فترة الامتحانات آخر السنة ساعدني عبدالله ناصر وكان يسألني كيف تدبر أمورك يا محمد بين الامتحانات والعمل، طلبت مساعدته بتحويل دوامي إلى آخر الليل خلال الامتحانات وكان لي ما طلبت».
الموظفون في القسم لم يترددوا أيضاً في المساعدة «قالوا لي (نحن نأخذ شفتاتك وأنت اشتغل آخر ليل).. كان دوامي يبدأ 12 منتصف الليل وينتهي 7 صباحاً، أخلص دوامي وأذهب للمدرسة مباشرة، أقدم الامتحان وأرجع للبيت أنام كم ساعة وبعد المغرب أبدأ المذاكرة وبعدين عالدوام آخر الليل»
عند النتائج الامتحانية كان محمد بين العشرين الأوائل على مستوى مدارس البحرين في القسم العلمي «حصلت على بعثة دراسية إلى الخارج لكني رفضت وتمسكت بالوظيفة».
العلاقة مع الأرقام
عمل محمد بدالة «أبريتر» في شركة بتلكو «كان عندي دفتر أسجل فيه كل الأرقام وأذاكرها في البيت مع إخوتي، حفظت أرقام هواتف الوزارات والمؤسسات الحكومية والمنازل جميعها، بعدها بدأت أربط رقم هاتف الشخص بدكانه، ومن القصص التي لا أنساها، كان عبدالعزيز البسام رئيساً لنادي الولعة ورقم سيارته 8008 وهاتفه 712399 مازلت أحفظه حتى اليوم، في إحدى المرات اتصل أحد الزبائن يسأل عن رقم هاتف عبدالعزيز البسام، وكان هناك أكثر من شخص يحمل الاسم ذاته، سألت المتصل هل تذكر نوع سيارته فقال هو يملك بيجو زرقاء، فأعطيته رقم الهاتف وكذا نمرة السيارة فاستغرب المتصل، فاتصل بعبدالعزيز وأخبره أن في بتلكو شخص يدعى محمد إسماعيل يعمل في البدالة، يعرف عنك كل شيء ليس رقم هاتفك فقط بل حتى نمرة سيارتك ونوعها ولونها».
لم يصدق عبدالعزيز الحادثة، فاتصل بالبدالة يبحث عن «كمبيوتر الأرقام»، «بالصدفة أنا من رددت على هاتفه، قال لي بس بغيت أعرف أنت شلون عرفت رقم سيارتي، أجبته ألست أنت عبدالعزيز البسام رئيس نادي الولعة وبيتك في القضيبية ورقمه كذا وكذا، استغرب وقال لكن كيف عرفت كل هذه المعلومات، قلت له مشكلتي أني أحفظ كل رقم يمر أمام عيني هاتف.. بيت.. سيارة.. دكان، أنت لست الوحيد الذي أعرف أرقامه.. هناك الكثيرون من سكنة مناطق عديدة في البحرين أيضاً بإمكاني أن أدلك عليهم ليس عن طريق هواتفهم بل وسياراتهم وربما منازلهم وحتى هواتف محلاتهم التجارية وفي أي شارع من شوارع السوق يسكنون».
قال محمد فيما قاله «أنا لي علاقة وطيدة مع الأرقام، وأحياناً كثيرة أستغرب من نفسي كيف أحفظ هذا الكم الهائل منها ولا أنساها، لو سألتني عن أرقام هواتف أنا من أوصلتها للآخرين تراني أحفظها وأتذكر تواريخ إيصالها أيضاً، فأنت مثلاً مازلت أتذكر اليوم الذي زرتني فيه برفقة الزميل خالد البسام وأخذتم أرقاماً متقاربة رقمك فيه 33 وخالد 22، وكان في مكتبنا في الحورة في فترة المساء ومازلت أحتفظ بالوصل لخالد ولم يستلمه إلى الآن، وهناك أصدقاء كثر أتذكر أرقامهم وتواريخ تسلمها وأحتفظ ببعض فواتيرهم».
طريق الجنون
من غرائب ما واجهه محمد أن بعض الزبائن ينسون أرقام سياراتهم ويستنجدون به لينقذهم «في إحدى المرات كانت هناك لجنة من الخبراء الإنجليز في زيارة للشركة، ولفت نظرهم حفظي للأرقام وإجابتي للزبائن بسرعة غير عادية، ودون عودة للدليل حتى إنهم بعد ذلك أوصوا المسؤولين في الشركة بنقلي إلى المكالمات الدولية لأنها في تلك الفترة كانت أقل ضغطاً من المحلية ذلك خوفاً من أن أصاب بالجنون، لأن طريقة حفظي للأرقام غير طبيعية، وفعلاً تم نقلي إلى قسم المكالمات الدولية.
يقول محمد «إبان عملي في البدالة كان يزور الشركة خبراء إنجليز في المكتب الرئيس للاطلاع على سير الشركة، وبالصدفة دخلوا مكتبنا بينما كنت مشغولاً بالمكالمات أفتح الاتصال وأعطي المتصل الرقم، وانتظروا أكثر من نصف ساعة يفتشون عن دفتر أنقل منه الأرقام فلم يجدوه، وبعد أن عرفوا أني أحفظ الأرقام عن ظهر قلب، وقال لهم المدير إنه يحفظ أرقام سكان البحرين دون حاجة الرجوع إلى الدليل أو الاستعانة بدفتر أرقام».
حفظ محمد الأرقام وعرف الأشخاص من خلال علاقته الواسعة بهم، بل وعرف بيوت الزبائن وعناوينهم وأرقام سياراتهم «خارج الدوام كنت أتجول في شارع الشيخ عبدالله وأقرأ أرقام الدكاكين دكان المؤيد 5951 مثلاً.. كانت أرقام هواتف المحال أربعة وحفظها سهل، ومازلت أذكرها إلى اليوم، هو ما أجبر الشركة على نقلي من الدليل إلى المكالمات الخارجية باقتراح من الخبراء الإنجليز، فالعمل في المكالمات الخارجية لا يتطلب حفظ أرقام، حتى لا يتعرض لمس من الجنون من كثرة حفظ الأرقام على حد وصف الإنجليز».
ويضيف «المكالمات الخارجية تدخل الفيشة من الدمام وتوصلها بالبحرين والكويت وهكذا، إلى أن جاء عام 1986 وحصلت نقلة في الاتصالات وتطوير في العمل اللاسلكي، بعدها قررت الشركة ترقيتي ونقلي من المكالمات الخارجية إلى قسم المبيعات».
الدراسة في بريطانيا
يقول بو يوسف «بعد نقلي إلى قسم المبيعات قررت الشركة ابتعاثي للدراسة في بريطانيا.. هناك في بريطانيا درست سنتين إدارة مبيعات ومشاريع، وبدأت في التنقل من قسم لآخر إلى عام 1984 حيث تمت ترقيتي إلى مدير مبيعات بالشركة، بعدها رقيت إلى مدير هيكلة النظام، وقبل أن أتقاعد عام 2002 كنت مدير أول قطاع خدمات الزبائن والقطاع الحكومي».
ويضيف «سبب تقاعدي المبكر كان خلاف على المنصب وكان فيه عرض مشجع وقررت أن أقضي بعد ذلك مع زوجتي شهر عسل جديد، وعند عودتي من شهر العسل كان هناك عمل جديد بانتظاري».
في شركة «شووت»
بعد عودة محمد إسماعيل من شهر العسل كانت هناك شركة جديدة تدعى «شووت» واختصاصها تشجيع دخول الملاعب «الشركة ارتبطت مع اتحاد الكرة بعقد منذ 2002 إلى أن تم إنهاؤه من قبل الاتحاد، في 23 فبراير 2002 بدأت العمل مع الشركة الجديدة، ولما عرضوا علي الراتب ضحكت لأن الراتب لا يتجاوز علاوة السيارة التي كنت أحصل عليها من بتلكو، قبلت بالوظيفة لأني لا أود أن أكون عاطلاً في الخمسين من عمري، عملت معهم متعاوناً إلى أن عرض علي بشار كيوان وهو مثلي الأعلى في العمل، ورئيس شركتنا حالياً رئاسة تحرير مجلة ليالينا، وأنا اليوم مديرها العام ورئيس تحريرها وهي توزع في كل دول الخليج وبيروت وفي روسيا وهولندا، أما الوسيط فبدأت سنة 2001 في البحرين كأول جريدة إعلانية، وهي من أدخلت ثقافة الإعلان في عقول الكثيرين».
ويفرح محمد بوجود منافسين في نفس المجال «يجعلك هذا تهتم بإنتاجك وتحاول دائماً أن تحسنه وتقدم ما هو أفضل، بما يعود بالفائدة على الزبائن.. وعلى شركتك التي سيكون من اهتمامها نجاح الخصوم».
ويضيف «عندما صدرت المجلات المنافسة كان مدير الشركة يطلب مني أن أبعث إليهم باقات الورد، وأضع لهم إعلاناً في الوسيط، وهو ما علمني أن وجود المنافس يجبرك على تعديل وضعك والاهتمام بعملك وموظفيك، وبدون منافس تصبح كفريق يتصدر الدوري دون وجود من ينافسه أصلاً.. فيقل عطاؤه وتهبط عند لاعبيه روح المنافسة».
القائد لـ12 أخاً
يتذكر محمد أن الأولين لا يشعرون بمشكلة في كثرة المواليد ويقولون دوماً «الحاسد في الأرض والرازق في السما» أو «كل ولد يولد يجي رزقه معاه»، بهذه العقلية وصلت عائلة محمد إلى 12 ولداً «كنت الرقم واحد بينهم، سبعة أولاد وخمس بنات توفت بنت وولد والعشرة متزوجون وعندهم عيال».
ويضيف «بعد وفاة الوالدة صار فراغ وعندما توفي الوالد اقتربنا من جديد، نحن نلتقي كل جمعة، ووفاة الوالد والوالدة جعلتنا أكثر قرباً وأصبحنا نلتقي باستمرار، وأنا بحكم كوني الأكبر سناً أصبحت عميد العائلة، أخواتي وأخواني يلجؤون لي في الكثير من الأمور وكونا مجلس عائلة لمساعدة المحتاج منا، الأمور جيدة والعلاقات من حسن إلى أحسن، والوالد عودنا على احترام الناس والصدق في العلاقة، الكثير من الناس ليسوا بوضع طيب معنا لصراحتنا الزايدة، فنحن اعتدنا من الوالد أن نحترم الناس وتكون الصراحة دربنا في الحياة وكرامتنا فوق كل شيء».
محمد وأخوته حسن وعلي وحسين وطارق يملكون مواهب مختلفة «أنا عندي الرياضة والصحافة، علي عنده الاستثمار هو وحسين، وحسن الرياضة، طارق فنان دائماً يطلق على نفسه سبع صنايع والبخت ضايع».
العلاقات الإنسانية
يفضل محمد أن يعامله الآخرون لشخصه لا لمنصبه «المنصب اليوم عندي وغداً يذهب لزميل آخر، عندما كنت مدير مبيعات في بتلكو كانت تردني اتصالات كثيرة، وكانت الاتصالات أيام الأعياد من خلال بطاقات المعايدة، كانت تصلني في الأعياد في حدود 1500 بطاقة تهنئة،
وعندما تمت ترقيتي في الشركة إلى وظيفة «هيكلة النظم» نزل عدد بطاقات المعايدة إلى 50 بطاقة فقط».
اكتشف أن أصحاب الخمسين هم أصدقاؤه الحقيقيون «لم يتواصلوا معي بحكم منصب كمدير، بل تواصلهم أساسه المحبة والعلاقة الجيدة، وليس المصلحة، الوظيفة أرقى بالنسبة لي، لكنها بالنسبة للزبائن خدمة لم تعد موجودة، لذلك من كانوا على علاقة بي للخدمات ذهبوا مع الوظيفة وبقي الأصدقاء المخلصون». ويروي محمد نكتة صادفته في عمله «بعد ذلك عدت مدير تجاري فعاد معها أصدقاء المصلحة، لكن بعد أن اكتشفتهم وافتضح أمرهم وحرقت أوراقهم، ويتبقى رجال الخمسين الذين أحبهم وأكن لهم كل الاحترام والتقدير، وهم من كبار رجالات البلد وليسوا بحاجة مساعدتي منهم فاروق المؤيد وأولاد بلجيك وأولاد صلاح الدين هؤلاء الناس صحيح أني تعرفت عليهم من خلال عملي لكنني كسبتهم أصدقاء وبقيت أحترمهم ويحترموني بعيداً عن المصلحة وتواصلنا لم ينقطع لحظة». كذلك في المجال الرياضي اكتسب محمد أصدقاء «عندما كنت لاعباً أو مسؤولاً فأنا دائماً أحمد ربي أن شعب البحرين كلهم أصدقائي فـ50 بالمائة منهم أهلي والـ50 الآخرون أصدقائي، لا يوجد عندي أعداء حتى الموظفين أختلف معهم في العمل ولكن بعد الدوام نكون مع بعض على طاولة غداء أو نحتسي الشاي في أحد المقاهي».
تربيته لأولاده تسير بنفس السياق «يوسف ولدي أصبح اليوم أكثر شهرة مني، هو يتابع كل الفعاليات ويتواجد في كل المناسبات وأصبح قريباً من الناس وله الكثير من الأصدقاء ومازال يكون علاقات جديدة.. وهو مذ كان صغيراً يشاركني طلعاتي في النادي وحتى اجتماعات النادي الآن هو من شرب من هذا الكأس، ويمارس الحياة التي ربيته عليها وأنا سعيد بذلك، حتى حمد وإسماعيل يسيرون على الدرب ذاته، وأحفادي السبعة أعاملهم بنفس الأسلوب».
خطاط القبور
يختم محمد بالنوادر التي لا تنسى في حياته «عندما كنت شاباً كان بيتنا قريباً من المقبرة، وكنت خطاطاً، قيم المسجد ويدعى صالح قال لي محمد ليش ما تشاركني في مشروع تخطيط شواهد القبور».
كان ذلك عام 1967 «كان كتابة شاهدة القبر الواحد بخمس روبيات، وكانت الخمس روبيات كثيرة في تلك الفترة، وفي نفس الفترة كنت أبيع الماء في سينما الزياني في «الجيك التنك» الكأس كان بآنة واحدة.. كنت أجد العمل ممتعاً فمنها أشاهد الأفلام وأتحصل على مبلغ جيد من بيع الماء، وكانت تجارتي تزداد نشاطاً في فترة الصيف».
ويتذكر محمد أيام بيع الماء في السينما «سينما الزياني كان مسرحاً.. كل ليلة هناك هوشة بين الجمهور على عنتر وأنه هذه الليلة لن يترك أحداً من الحرامية إلا ويقتله كما لم يفعل البارحة، كان الناس بسطاء والطيبة غالبة عليهم، أما اليوم فأعوذ بالله من الناس فأنا دائماً أتخذ من المثل القائل اتقي شر من أحسنت إليه كمثال أسير عليه درب حياتي فلم تعد الناس كما كانت ولا الأخلاق أيضاً».
ويقول محمد «الناس في الفرجان كانوا في رمضان يتزاورون ويأكلون من بيوت بعضهم البعض، وأنت تودي لجارك صحن وهو يأتي لك بصحن من بيتهم، وكنا نتعرف على أبناء الفريج ونحترم بعضنا، وأما الآن فإن حياة الآيباد خربت الجلسات، ترى العائلة إن التقوا يجلسون في نفس المجلس ولا يكلم أحدهم الآخر كل مشغول بهاتفه، وقد تنتهي الجلسة فيما بينهم ولا ينطق أحدهم ببنت شفة.
ويختم محمد إسماعيل «حياة لول كانت حلوة بالنسبة لنا.. هذا الجيل الجديد يعتقد كما أعتقد أن زمانهم هو الأفضل».