الوعد بإنجازات أكثر طموحاً تنتظر هذا الوطن وشعبه الكريم، هو ما يمكن أن يستخلصه أو يخرج به أي قارئ للكلمة السامية لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى التي ألقاها أمس بمناسبة الذكرى الـ13 للتصويت على ميثاق العمل الوطني، وهو وعد إضافة إلى أنه يرى في المستقبل الأمل المشرق الذي يمكن أن تعيشه المملكة في السنوات المقبلة، فإنه أيضاً بمثابة بشارة لا يمكن أن تأتي من فراغ، ولا أن تتحرك ضمن سراب الأحلام والتطلعات، وإنما بناء على ثوابت ومكتسبات استطاع الميثاق الوطني إرساءها في بنية المجتمع وترسيخ مقوماتها وتحقيق ثمرة نتائجها في مؤسساته وعبر شبكة تفاعلاته.
ولعل من بين أبرز هذه الثوابت التي أشار إليها العاهل؛ سيادة القانون واستقلالية القضاء والمساواة بين الناس وغيرها، وهي الثوابت التي صاغت بدرجة كبيرة صورة الدولة البحرينية المنشودة، وكفلت مستوى عال من الأداء والفاعلية السياسية لمؤسساتها، وانبنى عليها مشروع المملكة الحضاري ككل في السنوات القليلة الماضية.
ليس غريباً إذاً أن يركز العاهل في إطار كلمته على هذه الثوابت باعتبارها البنية الأساسية لأي دولة ديمقراطية حديثة، لذلك كان من الطبيعي أن تحظى باهتمام كبير من جانب جلالته، بل واحتلت أولوية قصوى ضمن مقومات مشروعه الإصلاحي، ذلك المشروع الذي حدد مسار رؤية جلالته للبحرين منذ نحو عقد وحتى اليوم وفي الغد المنظور أيضاً، وما كان لأي إنجازات أن تتحقق في إطار هذا المشروع من دون هذه الثوابت، التي جاءت كمحصلة خبرة متراكمة من العمل الوطني الدؤوب والمخلص، وأساس ركين لم يكن من الممكن الاستغناء عنه طوال السنوات الـ13 الماضية. وواقع الأمر، أنه لم يكن ممكناً بناء مؤسسات الدولة البحرينية الجديدة التي أقرها الميثاق كنظام المجلسين والمحكمة الدستورية وغيرها، إلا وفقاً لرؤية واضحة متكاملة الأركان حملها الملك، وكانت بمثابة خطوة رئيسة ضمن سلسلة خطوات عددية حاولت ولاتزال تحاول وضع الدعائم الثقافية والوعي اللازم لاستمرارية هذا المشروع الوطني الجليل والنهج الإصلاحي الذي اختطه سموه للمملكة، وهي الدعائم التي ينسب لها وحدها الفضل فيما تحقق للمملكة بعد ذلك من مكتسبات ومنجزات..
ومن بين أهم هذه المكتسبات التي أبرزها العاهل في خطابه السامي باعتبارها نجاحات حققتها البحرين طوال العقد الماضي وتعد بالمزيد، احترام الحقوق السياسية والمدنية للناس، والنهوض بعماد رقي الأمم، خاصة المرأة التي خصها سموه بالقول «ارتفعت نسبة تمثيلها من 4,9% إلى 35,5% من إجمالي القوى العاملة البحرينية، وارتفاع نسبة العاملات في القطاع الحكومي لتكون 51%». فضلاً عن تنمية الثروة البشرية الوطنية، وتلبية احتياجاتها من خدمات صحية وإسكانية، والتي ركز عليها سموه أيضاً بالقول «تقدر كلفة الخدمات الإسكانية المقدمة للمواطنين بنحو 3,1 مليار دينار خلال السنوات الماضية، كما تقدر قيمة المشاريع المدرجة في خطة إنشاء 40 ألف وحدة سكنية بحوالي 2,6 مليار دينار لتنخفض فترة الانتظار إلى 5 سنوات مع نهاية العام 2016»، بالإضافة بالطبع إلى رفع مستوى المواطنين المعيشي والاجتماعي من خلال «زيادة فرص العمل أو تحسين مستوى دخل الفرد أو انخفاض في نسبة البطالة»، فضلاً عن توسيع هامش مشاركة وخيارات الإنسان البحريني، وزيادة قدرته على المتابعة والتقييم لأداء أجهزة الدولة والمجتمع، علاوة بالطبع على عودة الحياة النيابية والبلدية وتأسيس الجمعيات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني واستكمال مقومات المؤسسات الدستورية، حسبما أوضح الخطاب السامي. هنا عنصران يكملان هذه الرؤية الملكية السامية، وتضمنان إنجاح المشروع الإصلاحي من جانب وتفعيل ما جاء به الميثاق الوطني من مبادئ وثوابت وإنجازات من جانب آخر، الأول: يتعلق بضرورة العمل وبشكل متواصل لتدعيم التوافق الوطني وتعزيز بنيانه باعتباره الرباط الذي يشد من قوة المجتمع وتآزره، والوشيجة التي توحد من صفه، والأساس الذي ينبغي أن يعمل الجميع وفقاً له ومن أجله، واضعين نصب أعينهم «المصلحة الوطنية» العليا و«الانتماء لهذه الأرض العزيزة التي نعمل جميعاً على حمايتها» مثلما عبر منطوق الكلمة السامية. ويتعلق العنصر الثاني بالمسار الذي ينبغي أن تسير فيه وتصير عليه تجربة الميثاق الوطني في المستقبلين المنظورين، القريب والبعيد، وهو ما شدد عليه العاهل بالقول إن الثوابت الوطنية التي حققت للبلاد كثيراً من المنجزات والمكتسبات هي «أساس حياتنا، وتمثل أساس انطلاقتنا نحو المستقبل الأفضل»، كما إن ما تحقق من إنجازات على كثرتها «ليس طموحنا الأقصى»، ما يعكس في الحقيقة إيمان القيادة بضرورة مواصلة بذل الجهد، وقناعتها المطلقة بالعمل من أجل تحقيق المزيد والمزيد من المكتسبات شرط أن «يتناسب ذلك مع ظروف البلاد ومصلحتها الوطنية وهويتها وقيمها واحترام حقوق جميع المواطنين ونبذ العنف والإرهاب والتطرف بشتى صوره والتأكيد على أن البحرين ستظل دائماً وأبداً في منظومة دول مجلس التعاون الخليجي وداعمةً للقضايا العادلة للدول الشقيقة».