كتب ـ عادل محسن:
فريج بتاريخه العريق وأهله الطيبين اختفت معالمه، ويكاد تاريخه يمحي من الذاكرة المحرقية، فريج الصنقل انتقل من العالم الواقعي إلى العالم الافتراضي، بعد أن ضاعت هويته وهجره أهله، وبقي منهم من يعد على أصابع اليد الواحدة.
أهل المنطقة اليوم يستذكرون ماضيهم من خلال صفحة في «الإنستغرام»، بعد أن فقدوه على أرض الواقع، وتحول «داعوس بمبي» التاريخي في الفريج إلى «فريج بمبي»، بعد أن احتلت العمالة العازبة والسائبة أركانه، وغيروا هويته.
«الوطن» تسلمت نداء استغاثة ممن تبقوا في الفريج، وزارتهم لتنقل صوتهم، وتحدثوا بحسرة على حالهم وعدم التفات الجهات المعنية لمعاناتهم بعد أن حولت العمالة العازبة الفريج إلى أوكار للدعارة، أما بالنسبة لأهالي الفريج من البحرينيين فهناك حظر للتجول غير معلن يبدأ السادسة مساءً.
السجن داخل الفريج
بدأت رحلة «الوطن» في الفريج بالبحث عن بحرينيين للتحدث عن معاناتهم، وكانت البداية مع الشاب إبراهيم الذي صادفناه في أحد الدواعيس، حيث يعيش في منزل يتوسط منازل آسيويين عدا عائلة من جنسية عربية.
شكا إبراهيم من انعدام الشعور بالأمن بالنسبة له ولأبنائه، وخدش الآسيويين لحياء أهل المنطقة بلبس غير لائق وأحياناً يكونون نصف عراة ويسترون أنفسهم بـ»وزار» يكاد لا يغطي شيئاً من أجسادهم.
وقال إنه يخشى على أبنائه من الخروج إلى الفريج واللهو واللعب قرب المنزل، لافتاً إلى أنه يوصد بابه بإحكام بسبب تكرار ارتكاب أبناء الآسيويين للسرقات، ويسرقون فرحة أبنائه بألعابهم الجديدة ما إن يغفلوا عنها دقيقة واحدة قرب باب المنزل.
وذكر إبراهيم أن البحرينيين «ينعدون» على الأصابع، وأهل الفريج ذهبوا إلى مناطق ثانية وأجروا منازلهم على الآسيويين نظراً للحال المتردي لمنازلهم وصعوبة تأجيره على بحرينيين.
العمال أساس المشكلة
وقال هشام المطوع إنه يعرف 4 منازل فقط لعائلات بحرينية يعيشون قرب منزله، والبقية لعمال أجانب، ما يضطر العائلات البحرينيية إلى البقاء داخل منازلهم بعد غروب الشمس، نظراً لزيادة عدد العمال في المنطقة، وعودتهم من أعمالهم (..) وهم يلبسون ملابس غير لائقة، ويجلسون قرب المنازل ويتحدثون في الهواتف وعينهم لا تسقط عن نساء المنطقة، ما يجعلهم في حالة عدم ارتياح وتظل عائلاتهم داخل المنزل ولا يخرجون إلا مع رب الأسرة.
ولم يخف المطوع أمنيته أن يخرج من الفريج كسائر من سبقوه، لأنه لا يتحمل الجلوس في المنطقة أكثر من ذلك لسوء الأوضاع وترديها باستمرار.
أوكار الدعارة
وعبرت المواطنة أم حسن عن استنكارها لصمت الجهات المعنية عن المنطقة وما يجري فيها، رغم شكوى الأهالي المستمرة من العمالة السائبة وتضرر جميع العائلات في المنطقة من وجودها.
وتحدثت عن معاناتها بالقول «تحدثنا كثيراً ونشتكي باستمرار ولكن دون فائدة، لا يستطيع أبناؤنا اللعب قرب المنزل لخوفنا عليهم من العمالة السائبة، وقبل أيام عرض أحدهم على ابني الأكبر مبلغ 100 فلس بهدف التحرش به جنسياً، وهرب مسرعاً إلى المنزل خوفاً من العواقب، والكثيرون من الأبناء يتعرضون لمواقف مماثلة، نتيجة عشوائية التوزيع السكاني في المحرق بأسرها».
وذكرت أم حسن أنها تزور المنطقة يومياً للاطمئنان على والدتها العجوز التي ترفض الخروج من الفريج لشدة تعلقها بالمكان، وتمكسها بذكرياتها الجميلة وطفولتها وترعرعها فيه، ولم تسلم والدتها من محاولات السرقة المتكررة لمنازل البحرينيين والتي تحدث من وقت لآخر، مشيرة إلى أن الفريج تحول لأوكار دعارة وتتجول النساء من جنسيات آسيوية في أرجاء المنطقة بعد منتصف الليل ليتاجرن بأجسادهن، ويبدأ حظر التجول بالنسبة للبحرينيين منذ السادسة مساءً.
واتفق معها شقيقها علي أحمد، وأضاف أن النساء يتجولون في المنطقة بشكل مستمر والأهالي يؤجرون منازلهم المتهالكة على العمال، وهناك منزل قريب تصدر من مشاكل عدة ومنها الاتجار بالبشر.
وأردف «أبلغنا العضو البلدي ونائب المنطقة ولكن لم نلمس أي حلول على أرض الواقع لإخراجنا من أزمتنا، مع غياب الرقابة من مختلف الجهات المعنية، ونتمنى تشديد الأمن على منازل يشتبه بممارسة الدعارة فيها».
الحل المطلوب
وذكر إمام المسجد طالب عبدالرحيم، أن الفريج بحالة سيئة وخاصة بعد أن هجره أهله وأصبحت منازلهم القديمة مرتعاً للفوضى والقاذورات والروائح الكريهة المنتشرة في كل مكان. وأكد أنه لا أمان مع العمال، لافتاً إلى أن «العزاب يتسببون بمشكلة كبيرة، بينما لا مشكلة من وجود العائلات الآسيوية كونها محافظة أكثر من العمالة العازبة». وقال مختار مبارك إن المنطقة تحولت إلى أوكار للدعارة والاتجار بالبشر، حيث يتجول العزاب وهم بحالة سكر وتكثر بينهم الخناقات «والهوشات» في منتصف الليل خاصة في أيام الإجازات الأسبوعية، ويصحو الأهالي على صراخهم.
«لول» غير
جولة «الوطن» استفزت الرجل المسن علي سعيد ربيعة الذي صادفناه في أحد الممرات في الفريج وأرجعته لذكريات قديمة بدأها بـ»آه» عبرت عن حرقة وحال لا يسر العدو قبل الصديق، وبدء حديثه بـ»فريج لول غير يا ولدي» (..) ليكمل «الآسيويون مهدودون في كل مكان وأصبحنا لا نرى أبناء البلد ولا تشعر بأمان كما كنا في الماضي نفتح أبوابنا للجميع وكانت النساء في الماضي يدخلن من منزل لآخر وكأنما هو منزلهم، ويشعرون بالحب والألفة والعائلة الواحدة، بينما الآن تترك باب منزلك مفتوحاً لدقيقة يتعرض للسرقة، بينما سابقاً يحرس المنطقة شخصين فقط «ناطورين».
من جانب آخر قال حسن سيسي البوعينين الذي كان جالساً قرب استراحة الزياينة المدمرة بسبب عبث الآسيويين «المنطقة تعاني من كثرة عدد السيارات خاصة بعد رجوع العزاب من أعمالهم بين الخامسة والسادسة مساءً، بينما أهل المنطقة لا يجدون موقفاً بعد هذا الوقت، ويخلقون بذلك أزمة مواقف».
هجرة الأهالي
وقال عدنان يعقوب إن المواطنون هجروا المنطقة بسبب الدواعيس الضيقة والزحمة وصعوبة الحصول على مواقف، لافتاً إلى أن عائلته اضطرت للهجرة من المنطقة والذهاب لمناطق أخرى أوضاعها أفضل بكثير وبنت منزلها الخاص في منطقة عراد، بعد أن زاد الآسيويون على البحرينيين.
إلى ذلك زارت «الوطن» مقهى السلام الشعبي وتحدث خالد الشيخ وأحمد البنعلي وعدد من رواده حول حال فريج الصنقل، وذكروا أنه مماثل لفرجان كثيرة في المحرق حيث يشعر الآسيويون مع كثرة أعدادهم بالأمان، ويتجاوزون القوانين والأنظمة ضاربين بمصلحة الجميع بعرض الحائط.
وغلب على حديثهم الشكوى من وجود محل لأسطوانات الغاز قرب المقهى، ما يمثل خطورة عليهم وعلى باقي المنازل والمحلات التجارية المجاورة له، مستغربين من التخطيط السيء بالسماح إلى هذا النوع من النشاط في المنطقة وسط المنازل، وانتشار رائحة الغاز ليل نهار حتى مع غلق المحل.
وأضافوا «يوقف العاملون شاحنة سكسويل مليئة بأسطوانات الغاز وراء المحل، ويستغلون أحد الممرات بوضع مجموعة من الأسطوانات، ما يشكل خطراً على الأهالي.
ودعوا إلى الاستئناس بتجربة بريطانيا ومصر وبنغلاديش في حظر بيع الأسطوانات وسط الأسواق والأحياء السكنية، وقالوا «سبقت البحرين دول كثيرة في تنظيم وتوزيع المحلات التجارية، وكانت الأسواق محددة بمهنة وحرفة معينة كسوق الحدادة وسوق القلافة والصفافير وغيرها من المهن، وكان الناس في الخمسينات يقصدونها لغرض معين والآن اختلط الحابل بالنابل».
وأضافوا «هذا جانب واحد فقط من معاناتنا مع الآسيويين والعشوائية التي يعيشونها وأسلوب حياتهم المختلف، ولو طرحنا كل نقطة على حده لن تكفينا صفحات الجرائد».