النجف - (وكالات): أعلن الزعيم الشيعي مقتدى الصدر في قرار مفاجئ قبل أكثر من شهرين من الانتخابات البرلمانية، انسحابه من العمل السياسي في البلاد، وإغلاق مكاتبه السياسية وحل تياره، تاركاً تياره في مهب الريح. وبعد ساعات من الإعلان المفاجئ للصدر، بدأت ملامح انهيار تياره تظهر عبر استقالات نوابه في البرلمان واعتزالهم السياسة في تطور مثير قبل 73 يوماً من الانتخابات البرلمانية العامة التي ستشهدها البلاد في أبريل المقبل. ورأى مراقبون أن إيران ربما ضغطت على الصدر للانسحاب من الحياة السياسية من أجل التمهيد لولاية ثالثة لرئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي، خاصة أن قرار الاعتزال جاء بعد المكاسب الكبيرة التي حققها تياره في انتخابات مجالس الحكومات المحلية التي جرت في أبريل الماضي، على حساب قائمة المالكي التي انحسرت مكاسبها الانتخابية لصالح التيار الصدري والمجلس الأعلى الإسلامي بزعامة عمار الحكيم.
وأحدثت الخطوة صدمة لدى مسؤولي تيار الصدر، أحد أبرز الشخصيات السياسية التي لعبت دوراً أساسياً في إعادة بناء النظام السياسي بعد سقوط صدام حسين في عام 2003، وقائد أحد أكثر الحركات الشيعية نفوذاً في البلاد.
ويسدل القرار في حال كان نهائياً، الستار على مسيرة التيار التي بدأت بمعارك ضارية مع القوات الأمريكية التي اجتاحت العراق في 2003، وانتهت بنزاع عسكري سياسي مع رئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي الذي يحكم البلاد منذ 2006. وقال الصدر في بيان «أعلن عدم تدخلي بالأمور السياسية كافة وأن لا كتلة تمثلنا بعد الآن ولا أي منصب في داخل الحكومة وخارجها ولا البرلمان». وأضاف الصدر الذي شكل في السابق ميليشيا عسكرية أطلق عليها اسم «جيش المهدي» قبل أن يجمد أعمالها العسكرية «أعلن إغلاق جميع المكاتب وملحقاتها على كافة الأصعدة الدينية والاجتماعية والسياسية». وأبقى الصدر على بعض المؤسسات الخيرية والتعليمية والإعلامية مفتوحة. وبرر الصدر قراره بالقول إنه جاء «حفاظاً على سمعة آل الصدر ومن منطلق إنهاء كل المفاسد التي وقعت أو التي من المحتمل أن تقع تحت عنوانها ومن باب الخروج من أفكاك الساسة والسياسيين».
وفي وقت لاحق، أصدر الصدر بياناً ثانياً أعلن فيه أنه «على المؤسسات والمكاتب والمراكز التابعة لمكتب السيد الشهيد الصدر كافة المشمولة» ببيانه السابق «الاستعداد لتصفية جميع أمورها الإدارية والمالية».
وقال مسؤول في مكتب الصدر في النجف إن «لا أحد يرغب مناقشة هذا القرار لأنه قرار مفاجئ»، مضيفاً أن جميع مسؤولي تيار مقتدى الصدر «أغلقوا هواتفهم ولا يريدون التعليق أبداً». وذكر مسؤول آخر في أحد مكاتب الصدر في بغداد أن «القرار شكل صدمة لنا، ولا نعرف حيثياته، ولا تبعاته، ولا إذا كان مؤقتاً أو دائماً». ويملك الصدر مكاتب سياسية في معظم أنحاء البلاد، ويتمثل تياره في البرلمان بـ40 نائباً من بين 325، وفي الحكومة بـ6 وزراء، أبرزهم وزير التخطيط علي شكري، إضافة إلى منصب النائب الأول لرئيس مجلس النواب الذي يتولاه قصي السهيل.
ويتمتع الصدر المولود مطلع السبعينات، بشعبية في أوساط فقراء الشيعة وخصوصاً في مدينة الصدر ذات الكثافة السكانية العالية في بغداد.
وقد ورث مقتدى الصدر الشعبية عن والده المرجع محمد محمد صادق الصدر الذي قتله النظام السابق في 1999 مع اثنين من أبنائه. وجاء قرار الصدر الذي يطلق عليه لقب حجة الإسلام والمسلمين والذي بات يصب تركيزه في الأشهر الأخيرة على متابعة تعليمه الديني في النجف وإيران، قبل أكثر من شهرين على الانتخابات البرلمانية المقبلة المقرر تنظيمها نهاية أبريل المقبل.
كما جاء قرار الصدر بإبعاد ممثليه في البرلمان والحكومة عنه وإغلاق مكاتبه السياسية في خضم موجة غضب شعبي عارم جراء إقرار البرلمان لامتيازات لأعضائه لدى تقاعدهم، علماً بأن وسائل إعلام عراقية أبرزت مؤخراً أسماء ممثلين عن تيار الصدر صوتوا لصالح القانون.
وبعد ساعات من القرار، أعلن 9 من نواب «كتلة الأحرار» التابعة للتيار، استقالتهم من البرلمان واعتزالهم العمل السياسي، تضامناً مع قرار الصدر. وأعلن النواب التسعة وهم مها الدوري، وزينب الطائي، وإيمان الموسوي، وحسين علوان اللامي، وحسين طالب، وحسين همهم، وحسن الشريفي، وعبدالحسين ريسان، ومشرق ناجي، خلال مؤتمرات صحافية بمبنى البرلمان، انسحابهم من العمل السياسي في المجالات كافة تضامناً مع قرار الصدر.
وقالوا إن الانسحاب يشمل الاستقالة من البرلمان الحالي، والانسحاب من الترشح للانتخابات البرلمانية المقبلة.
وقال محللون ومراقبون إن انسحاب الصدر من الحياة السياسية سيؤثر سلباً وبشكل كبير على مكاسب الصدريين الانتخابية لصالح الائتلاف الغريم «دولة القانون» بزعامة المالكي الذي سيخوض سباقاً انتخابياً مثيراً مع ائتلاف كتلة المواطن للمجلس الأعلى الإسلامي على المستوى الشيعي وائتلافه الحاكم.
وهذه هي المرة الثانية التي يعلن فيها مقتدى الصدر اعتزال الحياة السياسية حيث أعلن عن قرار مماثل في أغسطس الماضي بسبب ما قال آنذاك «ما حدث ولايزال يحدث» من عناصر محسوبة على التيار الصدري حملت السلاح في مواجهات مع عصائب أهل الحق المنشقة عنه بقيادة الشيخ قيس الخزعلي في بغداد رغم علمها أنه قد جمد عمل جيش المهدي التابع له منذ مدة طويلة. وقالت مصادر مقربة من الصدر إنه يعيش حالة من الإحباط جراء الأوضاع الأمنية الراهنة في ظل صمت السياسيين وصراعاتهم التي تعد سكوتاً عن مصالح الشعب.