لم يتصور سكان دلمون قبل آلاف السنين أن التجار الهنود القادمين من حضارة هارابا الهندية للاستراحة في أرخبيل دلمون خلال طريقهم إلى بلاد وادي الرافدين سيكون لهم تواجد بعد آلاف السنين وسيكونون جزءاً مهماً وأساسياً من هذا المجتمع الصغير المتنوع.
بدأت العلاقات البحرينية ـ الهندية منذ قرون طويلة، وكانت في البداية علاقات سياحية لأن موقع البحرين في قلب مياه الخليج ساهم في تحويلها إلى مركز سياحي للاستراحة والاستجمام لتجار الهند في طريقهم إلى ما نعرفه اليوم بالعراق. ولكنها تحولت سريعاً إلى علاقات تجارية بعد انتهاء فترة التعارف التاريخي، والانتقال إلى مرحلة المصالح المشتركة التي ظلت منذ تلك الحقبة وحتى يومنا هذا.
علاقات البحرينيين بالهند محفورة في الذاكرة، ولم تنقطع يوماً، فمازال الآباء والأجداد يروون قصص زياراتهم للهند إما للعلاج أو للسياحة أو التجارة. واندماج الثقافة الهندية بالثقافة البحرينية المستمدة قيمها من العروبة والإسلام واضح بشكل كبير، وأبرز ملامح هذا الاندماج الرائع تداخل المفردات الهندية مع مفردات اللهجة المحلية للبحرينيين، بالإضافة إلى ثقافة الطعام، فلا يمر يوم دون أن يتناول المواطنون وجبة هندية أو أصولها هندية أو حتى مكوناتها هندية. هذا التداخل والاندماج عميق الأثر، ويعكس قوة التعايش بين البلدين على مر العصور وتنوع الثقافات رغم التحديات الكثيرة التي واجهها البلدان.
يحسب للهند إسهاماتها في إدخال الطب الحديث إلى البحرين، فمازالت عيادة الدكتور بندر كار قائمة إلى يومنا هذا في أعرق أحياء المحرق. ومازالت الصور القديمة لتطور قوات الأمن العام تحمل صوراً لرجال أمن هنود، أو حتى بحرينيين يرتدون اللباس التقليدي لرجال الأمن. وكثيرون من مسؤولي الحكومة ودبلوماسييها كانوا من خريجي الجامعات الهندية المرموقة. إضافة إلى أن منجزات البحرين الحضارية القائمة اليوم تم بناؤها بسواعد هندية من تلك العمالة الماهرة التي قدمت إلى البلاد كسباً للرزق وأقامت حتى باتت الجالية الهندية أكبر جالية في المنامة بتعداد يفوق الربع مليون نسمة تعيش بوئام وتسامح مع مختلف مكونات المجتمع.
الهند لا يمكن تجاوزها بأي شكل من الأشكال في البحرين أو دول مجلس التعاون الخليجي، فالشراكة بين الطرفين ليست خياراً، وإنما حقيقة استراتيجية فرضها التاريخ، وأوجبتها المصالح المشتركة.
وفي هذا السياق تأتي زيارة حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة اليوم إلى العاصمة الهندية لتؤكد حقائق التاريخ، وتبني مستقبل التاريخ، وتُعمق حقائق المستقبل. فهي رؤية قائد قرأ التاريخ، واختار له مساراً، وبنى تحالفاته من جديد نحو آفاق أوسع في شبه القارة الهندية، وما هي إلا بداية.

يوسف البنخليل