كتب – جعفر الديري:
لم يكن التكريم الذي حظي به الرائد المسرحي البحريني خليفة العريفي، من قبل حاكم الشارقة الشيخ د. سلطان القاسمي؛ ضمن فعاليات الدورة السادسة للمهرجان العربي للمسرح بالشارقة/ الإمارات، الأخير في المشوار الابداعي الطويل لخليفة العريفي، فالرجل الذي دفع من دمه وأعصابه مساهماً في تأسيس حركة مسرحية فاعلة بالبحرين، كان ومازال يحظى بالتكريم خارج البحرين، كشأن كثير من رواد الأدب والمسرح. لكن اللافت في مسيرة العريفي؛ أنه تحرّك في وقت توقف فيه كثيرون!، ولم يسكن إلى نمط واحد من الابداع، بل تحرك ضمن دائرة القصة القصيرة حتى أصدر روايته «جمرة الروح».
العريفي؛ عبر هذا اللقاء مع «الوطن»، يبدو مسكوناً بإلانسان البحريني، شديد الثقة بالشباب، وقدرتهم على الإبداع في الزمن المقبل، مؤمناً بأن الحياة البصرية لغة العصر، مطالباً المؤسسات الثقافية أن تسير نحو الحداثة بشكلها الأممي.
التكريم الذي حظي به خليفة العريفي من قبل حاكم الشارقة؛ جاء تتويجاً لمسيرته كرائد من رواد الكتابة المسرحية العرب، كيف يقرأ العريفي هذا التكريم في ضوء الواقع الفني والمسرحي في البحرين؟
- كان تكريمي من قبل الهيئة العربية للمسرح حيث كرم أكثر من عشرين كاتباً مسرحياً، لهم بصماتهم الكبيرة على الأدب المسرحي في الوطن العربي، وأنا عادة أكرم خارج البحرين، لأن البحرين بها من رواد الأدب والمسرح الكثير الذين لم يكرموا في بلدهم، ولكنهم يكرمون في الخارج. هؤلاء الرواد دفعوا من دمهم وأعصابهم حتى يؤسسوا حركة مسرحية فاعلة على مستوى الفعل الثقافي في البحرين، وأشعر أني سعيد بهذا التكريم.
أكتب حياتي
كتبت القصة القصيرة والرواية، بالإضافة للمسرحيات والمسلسلات التلفزيونية، وأخرجت العديد من البرامج، وكأن مسيرتك الإبداعية عمل مركب من أكثر من قصة واحدة أريد لها أن تؤلف قصة كبرى،، هل جاء اشتغالك المتعدد عن رؤية واضحة بشأن دور المبدع؟
- بدأت حياتي الأدبية بكتابة القصة القصيرة، ثم وجدت نفسي أحيا بالمسرح فانخرطت فيه وتركت وظيفتي وذهبت لأتعلم فنون المسرح، وكتبت وأخرجت العديد من العروض المسرحية، وأخيرا وجدت نفسي أكتب رواية، أنا أكتب حياتي، ففي أي مجال أجد أنني يمكن أن أحيا أشتغل على ذلك، بما فيها كتابة الدراما، التي تعتبر أيضاً شكلاً من أشكال الرواية. أنا أعتقد أن المبدع يعيش زمن إبداعه، فأينما يجد حياته يذهب إليها، في قصيدة، قصة، رواية، مسرحية، أو لوحة تشكيلية.
في أعماله المسرحية كالـ (السوق)، (حليمة ومنصور)، وأخريات؛ يبدو العريفي معجباً بالإنسان البحريني، ومع ذلك أنت دائم الغوص في هذه الشخصية وكأنك في بحث مستمر عن حياة أخرى خارج الحياة الفعلية أو فلنقل حياة بديلة،، لماذا؟
- أنا مهموم بحياة الإنسان أينما كان، ولأني نشأت وتعلمت وتعايشت مع إنسان هذا البلد، فهو جزء مني، فحينما أكتب نفسي، فإنني أكتب الإنسان، وأعيش معاناته، وأفراحه، أتماهى معه ويتماهى معي، فنكتب قصيدة جميلة. فكلنا نبحث عن حياة بديلة، طالما حياتنا التي نحياها لا ترضينا، كل إنسان يبحث عن حياة أخرى، حياة أكثر حرية، أكثر عدالة، حياة يعيشها الإنسان في أمان وسعادة.
رواية مليئة بالصور
أقدمت على تجربة جريئة هي رواية «جمرة الروح» في وقت يرى فيه البعض أن الكتاب العربي يموت، مقابل حياة متجددة للثقافة البصرية! وكل من قرأ روايتك شعر بها جمرة تشتعل شعرا وصورا سينمائية،، هل نستطيع القول أنك مدينا بها لاشتغالك المسرحي كشان أمور كثيرة في حياتك؟
- أنا أعتبر الحياة البصرية هي لغة العصر، فنحن نعيش عصر وثقافة الصورة كما يقول د. عبدالله الغذامي؛ صارت الصورة هو التي تحرك أمواج القصيدة، والرواية إن لم تكن مليئة بالصور، فلن يتابعها القارئ، الصورة شاهد على عصرنا فلا يمكن أن نغفل أمرها في كل مناحي العمل الأدبي، و»جمرة الروح» هي مجموعة من الصور انتقيتها من حياتي وصورتها في رواية، لأني بت أعتقد أن الرواية العربية الآن هي : لسان العرب. بدلا من الشعر.
القصة الأولى في حياتك الفنية كانت في الكويت في «معهد الدراسات المسرحية»، هل تعتبرها الأهم؟!، أي الأساس الذي أقمت عليه قناعتك بأن تصبح مسرحياً؟
- بعد عملين مسرحيين أنتجهما مسرح أوال في بداية تأسيسه، أقنعني كثير من الأصدقاء، وبالذات من أصدقائي في أسرة الأدباء والكتاب، بأنني أمتلك الموهبة والاستعداد لأن أكون مسرحياً، وكنت قد سمعت أن الأستاذ الكبير زكي طليمات في الكويت يدير معهداً لتعليم التمثيل، فتركت وظيفتي وذهبت إلى هناك مع بعض الأصدقاء، منهم المرحوم «جاسم شريدة» والمرحوم « إبراهيم الحمادي» وغيرهم، ولم يكن لدينا سكن، ولا ما يكفي من النقود للعيش والدراسة، ولكن الأخوة في الكويت تكفلوا بذلك، ومنحنا السكن ومنحة مالية من الوزارة، ودرسنا وتعلمنا حتى افتتح المعهد العالي للفنون المسرحية وأكملت دراستي وعشت المسرح بكل ما فيه من متاعب ومعاناة وجمال.
نمط آخر للنشاط
ساهمت في تأسيس العديد من المؤسسات الثقافية مثل أسرة الأدباء والكتاب، والملتقى الثقافي الأهلي، السؤال: هل تؤمن بقدرة هذه المؤسسات على مواكبة لغة العصر بمعناها المادي العملي التي أضحت اليوم من يومياته عالم الإلكترونيات المختلفة خصوصاً الإنترنت؟
- في الحقيقة أنا الآن تقريباً لا أواكب كثيرا عمل المؤسسات الثقافية، أعتقد أنه من المهم على هذه المؤسسات أن تغير نمط التفكير، ونمط الأنشطة، لا بد أن تسير نحو الحداثة بشكلها الأممي، ما عادت المحاضرات والندوات الثقافية مجدية في ظل العولمة، وفي ظل التقدم الهائل في التواصل الافتراضي حول العالم، لا بد من التفكير في شكل آخر ونمط آخر للنشاط. لا أدري ما نوع هذا التفكير، ولكن يجب الجلوس حول مائدة للتفكير والخروج بأفكار مبتكرة وخلاقة.
هل يشغلك المطلق؟ أعني هل تفكر في الموت وما بعده؟ كيف يوائم العريفي بين مركزية النفس وبين قضايا الإنسان؟
- الإنسان الذي يعمل في المجال الإبداعي، يعمل بشكل مركزي، وبالذات الشعراء وكتاب الرواية، لأنهم يحتاجون للعزلة من أجل إنجاز فعلهم الإبداعي، ولكنهم في النهاية لا يستطيعون أن ينفصلوا عن عوالم النفس البشرية، ومعاناة وفرح الإنسان في كل مكان، فكثير من الكتاب، تدور أعمالهم الإبداعية، حول الأنا والآخر، بمعنى أن الروح الإنسانية، لا تغيب عن مركزية المبدع حين يعيش إبداعه. وبالتالي فإن المطلق لا يشغلني كثيراً، لأنه حقيقة لا يمكن تجنبها، الموت حقيقة لا يمكن تجنبها، لهذا هي لا تشغلني كثيراً، ما يشغلني هي الحياة بكل تعقيداتها، أشعر أحياناً أن الحياة ليست حقيقية، إنها مجموعة كبيرة من الألغاز، وعلي أن أبحث عن كثير من الأجوبة.
لكل زمان رجاله
تترأس مسرح أوال، هذا المسرح العريق، في ظل محاولات شبابية لا تتوقف،، أتثق بقدرات هذا الجيل؟ هل يمكنه أن ينجز ما أنجزه جيل العريفي؟
- أنا أعتقد أن لكل زمان دولة ورجال، وأننا حين فعلنا، فقد كنا نبني، على الأسس التي تركها الجيل الذي سبقنا، وبالتأكيد سيأتي جيل يبني على ما بنيناه، وأنا شديد الثقة بالشباب، وأعتقد أنهم سيبدعون أفضل منا في الزمن المقبل.