أكد علماء ودعاة أن «الإيمان يتحقق في قلب المسلم بالانقياد والتسليم الكامل لحكم الله ورسوله»، مشيرين إلى أن «مخالفة الهوى تتطلب همة عالية وعزيمة صادقة»، فيما لفتوا إلى أن «تحكيم شرع الله ورسوله في كل شيء مقام إسلام، وعدم وجود الحرج في الصدر من حكمه مقام إيمان، والتسليم المطلق لحكمه مقام إحسان»
واستشهد العلماء بحديث الرسول الكريم، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به».
فمن أعظم المبادئ التي حرص الإسلام على ترسيخها في النفوس المؤمنة، الانقياد لأحكام الشرع وتعاليمه، بحيث تصبح أقوال الإنسان وأفعاله صادرة عن الشرع، مرتبطة بأحكامه، وحينئذ تتكامل جوانب الإيمان في وجدانه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به».
ولهذا الحديث مدلوله في بيان ضرورة التزام منهج الله تعالى، والإذعان لأحكامه وشرائعه، فإن المؤمن إذا رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا، حمله ذلك على أن يحكم شرع الله في حياته، فيحل حلاله، ويحرم حرامه، ويحب ما دعا إليه، ويبغض ما نهى عنه، ولا يجد في ذلك ضيقاً أو تبرماً، بل إننا نقول: «لا يعد إيمان العبد صادقاً حتى يكون على مثل هذه الحالة من الانقياد ظاهرا وباطنا، والتسليم التام لحكم الله ورسوله.
من جانبه، قال الداعية الشيخ محمد حسان إن «المسلم الذي دخل الإسلام بكامل إرادته عليه أن ينصاع لأوامر الله ورسوله، ليس تفضلاً ولا نفلاً ولا تطوعاً، ولكن ذلك شرط للدخول في الإسلام، وحد الإيمان، وبالتالي لا يمكنه أن يحيد البتة عن طريق الله ورسوله، ولابد أن يكون في غاية الحب والرضا عنهما، ويرجع إلى الله ورسوله في كل ما يخص شؤون حياته، يقول الله تعالى في كتابه الكريم «فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً».
واستشهد الداعية حسان بقول شيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله «تحكيم رسول الله في كل شيء مقام إسلام، وعدم وجود الحرج في الصدر من حكمه مقام إيمان، والتسليم المطلق لحكمه مقام إحسان»، ومن ثم يكون الحكم لشرع الله ورسوله وليس لحكم البشر وللأهواء والشبهات، لان البشر محكومون بشهواتهم، ورغباتهم، وضعفهم، وقصر أعمارهم، وضعف عقولهم». وهذا يقتضي من العبد أن يكون يحب الله ورسوله فوق كل شيء، ويقدم أمرهما على كل أمر، كما قال تعالى: «قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين». وهذه المحبة ليست مجرد كلمات تقال، أو شعارات ترفع، لا تثمر عملاً ولا انقياداً، فإن لكل محبة دليلاً، ودليل صدق المحبة موافقة المحبوب في مراده، وعدم إتيان ما يكرهه أويبغضه، وإلا فهي دعاوى لا حقيقة لها، وقد قال العلماء « كل من ادعى محبة الله ولم يوافق الله في أمره فدعواه باطلة».
وإنك لتقرأ في سير الصحابة الكرام ومن بعدهم، فتعتريك الدهشة حين تجد منهم الامتثال الفوري للدين، دون تأخير أو إبطاء، واستمع إلى أنس رضي الله عنه وهو يصف مشهداً من غزوة خيبر فيقول «أصبنا حمراً فطبخناها، فنادى منادي النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر، فإنها رجس، فأكفئت القدور بما فيها، وإنها لتفور باللحم»، وقريبٌ من ذلك ما ذكر في يوم تحريم الخمر، إذ امتلأت طرق المدينة بالخمور المراقة على الأرض، هذا مع شدة حبهم لها، وتعلقهم بها منذ الجاهلية، ولكنهم -رضي الله عنهم- قدموا رضا الله فوق كل شيء، ولم يتقاعسوا عن طاعته طرفة عين.
وكفى بهذا الانقياد ثمرة أن يجد المرء في قلبه حلاوة الإيمان ولذته، فقد روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: -وذكر منها- أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما».
وأما قول الرسول «حتى يكون هواه تبعا لما جئت به» لعلمه أن الغاية المطلوبة هي إخضاع رغبات النفس ومرادها لأوامر الشرع، وليس المراد أن يحصل التوافق التام بين رغباتها وبين مراد الشارع، فإن ذلك في الحقيقة أمر عسير، إذ إن النفس مفطورة على اتباع الهوى والأمر بالسوء، فجاء الحديث ليبين أن اكتمال الإيمان مرهون بالانقياد للشرع، ولم يعلق كمال الإيمان على تغيير طبيعة النفس المجبولة على حب المعاصي والشهوات، إلا من رحم الله، ومن هنا يتبين أن مخالفة الهوى تتطلب همة عالية، وعزيمة صادقة، فلا عجب أن يكون جهاد النفس من أفضل الجهاد عند الله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أفضل الجهاد أن يجاهد الرجل نفسه وهواه».
من جانبه، قال الداعية مصطفى حسني إن «الله ليس بحاجة لكي يبرر لعباده جدوى أوامره ونواهيه، فالله سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء، وهذا هو التسليم الكامل لأوامر الله، يقول تعالى «وما ربك بظلام للعبيد»، فطاعة الله ورسوله فيها اطمئنان وراحة للمؤمن في الدنيا والآخرة، والمؤمن الحق من يمتثل لأوامر الله ورسوله دون انتظار إقناعه بذلك، لأن المؤمن الحق، هو من يعظم الله ورسوله، قبل اي شيء».
وأضاف أن «سبب هلاك بني إسرائيل هو مماطلتهم في طاعة الله وعدم انقيادهم وتسليمهم الكامل له سبحانه».
واستشهد الشيخ حسني «بحادثة تحريم لبس الذهب للرجال، فعندما أمر الرسول أصحابه بذلك، قام أحد الصحابة بخلع خاتم ذهب من يده كان يرتديه، ورماه على الأرض، فقال له أصحابه، خذه وبعه، فرد عليهم «ما كنت لآخذه وقد رماه الرسول»».