كتب - عبدالرحمن صالح الدوسري:
الشعر عند علي الشرقاوي ديمومة مرتبطة بالروح الإنسانية، حكاية عشق لا تنتهي ولا يملها، بوح داخلي تغذيه التجارب الحياتية والقراءات المستمرة.
القصيدة عنده تنتهي من الشاعر لتبدأ رحلتها في قلب القارئ، تتحول إلى ملكية خاصة، ولا يهمه الشاعر بقدر ما تهمه القصيدة ويفسرها كما يحب ويشتهي.
أصدر الشرقاوي 15 مؤلفاً بالفصحى و9 مؤلفات باللهجة المحكية، وقدم 8 مسرحيات و9 أعمال شعرية للأطفال، وترجمت أعماله إلى الإنجليزية والألمانية والبلغارية والكردية والصينية والفرنسية والهندية، وهي نتاج مسيرة إبداعية تجاوزت 40 عاماً. أثنينية الشيخ عبدالمقصود خوجة بحي الروضة بجدة، كرمت الشاعر البحريني علي الشرقاوي، في احتفالية حضرها العديد من الأدباء والشعراء ومحبي الشاعر ومتتبعي أعماله الشعرية والدرامية والغنائية.
الشاعر علي الشرقاوي من مواليد المنامة 1948، بدأ نشر إنتاجه الشعري في بدايات شبابه عام 1968، وأصدر 15 كتاباً باللغة الفصحى منها «الرعد في مواسم القحط « 1975، «نخلة القلب» 1981، «هي الهجس» و»الاحتمال» و»رؤيا الفتوح «1983، وتسعة مؤلفات بالعامية بينها «أفا يافلان» بالاشتراك مع الشاعرة فتحية عجلان 1983، «أصداف البحرين» 1994، «بر وبحر» 1997، وهو عبارة عن مجموعة مواويل، و»لولو ومحار» 1998.
وله في المسرح 8 أعمال، و8 أعمال شعرية للأطفال، وترجمت قصائده للعديد من اللغات، وتغنى بها مطربون كبار أمثال خالد الشيخ وعبدالمجيد عبدالله وعبدالله الرويشد، وكتب أكثر من مقدمة للأعمال الدرامية الناجحة منها «حكاوي بوتعب»، وكان آخرها رمضان الماضي عندما كتب مقدمة مسلسل «برايحنه» التراثي، ومثل في إحدى حلقاته.
البحر جزء من التكوين
وتحدث عبدالمقصود سعيد خوجة في بداية تكريم الشرقاوي «البحر ملهمه الأساس، قضى على رماله وقتاً مقدراً ليس تولد نصاً يلقى ترحيباً، ألف المساءات الجميلة التي ينفلق فيها قاموسه الشعري، فيسكب على نغماتها بعضاً من همومه ومشاغله، هكذا سارت حياته بين مد وجزر، فالبحر جزء أساسي من تكويني، جزء مهم في تكوين تصوراتي وإثراء خيالاتي الأولى هكذا يقول».
وأضاف خوجة «من المفارقات أن ضيفنا الكريم ولد في عام الهزيمة والتقسيم، وبدأت كتاباته تأخذ منحى آخر في عام النكسة، فسكنها الحس السياسي، وتغيرت لديه كثير من المفاهيم كان يؤمن بها».
وأردف «رفد ضيفنا الكريم المكتبة العربية بالكثير من المؤلفات الأدبية والفنية والشعرية، وشكل مفردة مميزة تتسق مع مجايليه من الشعراء، والكتاب والمسرحيين الذين يشكلون بانوراما الحياة الثقافية في مجالات الإبداع والفنون بمؤلفاته في فن القصة، وأغاني ومسرح الأطفال، والمسرح الشعري، والأغنية العامية، والمواويل الشعبية، وكتابة الدراما التلفزيونية والإذاعية».
وعد خوجة، الشرقاوي «من أهم الشخصيات المعروفة التي ساهمت في بروز الكثير من المبدعين والفنانين، عبر ينبوع شعر سخي لم يبخل به عليهم فالشعر عنده، بوح داخلي، تغذيه التجارب الحياتية، والقراءات المستمرة، والنماذج التي سبقته أمثال الشعراء إبراهيم العريض، والد د.ثريا العريض المكرمة في الإثنينية، وأحمد الشملان، وحسين السماهجي وغيرهم كثر، آثر ضيفنا الكريم الشعر الحداثي، ويعتبر أحد أبرز مؤسسيه، ونظم الشعر الشعبي بروح حداثية».
وتابع «الشرقاوي ترجم في شعره الهموم الإنسانية العربية والخليجية، وفتن بالمواويل الشعبية التي خصبت في مخيلة لا تنضب وروح لا تستقر، ولج عالم المسرح عبر مسرحياته الشعرية، وقدم معظمها لعالم الأطفال، سواء في مسرح الطفل أو قصص الأطفال الشعرية والتربوية».
وواصل «يصف ضيفنا الكريم الشعر بأنه ديمومة مرتبطة بروح الإنسان في مختلف الأمكنة والأزمنة، روح تتنفس، وهواء يستنشق، وحرية منضبطة، يتخذ مسارات كثيرة، يتزايد قراؤه، وينمو محبوه، تتصارع فيه تيارات فنية، ذات لونيات مختلفات، فالشاعر عنده لا يموت، وإن تجاوز الزمان، والمكان يبقى جزءاً من نسيج الحضارة».
وقال خوجة «عندما ترجمت بعض قصائده للغات الحية كالإنجليزية والألمانية والفرنسية والروسية والبلغارية، انصب اهتمامه حول شخصية المترجم، التي تمور بالإحساس الفني والأدبي والتمرس مع الفاعلية الأدبية والتجارب الثرية المؤثرة في هذا المضمار، دون أن يترك المترجم نفسه تتغلغل فيما يترجم من أشعار، بل كان يتشدد في ضرورة أن ينقل المترجم المعنى بحرية ولكن بانضباط ونزاهة، مع ترجمة خلجات النص إلى شعور دافق يتلمسه المتلقي، بعيداً عن الشخصنة والعاطفة، وتداخل النظريات والمعتقدات، قادراً على التغلب على التحديات المتعلقة باللغة، والوزن، والقافية، والموسيقى الداخلية، ليكون الأقرب والأقدر على صوغ النص المترجم بصورة مقنعة تراعي وتضع في الحسبان جماليات اللغة وحساسياتها».
وأضاف «تفرغ شاعرنا لتقديم مشاريع الإبداع في تجربة الكتابة للطفل، وأحسب أنها من المشاريع الأدبية الجريئة، يثمن أهميتها وضرورة تحويلها من مشروع حائر إلى واقع حي ومتحرك وفاعل»، لافتاً إلى أن المسرح عنده مساحة واسعة من الحرية، يتطور يتمدد بتمدد سقف الحريات، فتتنوع طروحاته، بقدر ما يتاح لها من أجواء نقية وسماوات مفتوحة، فالمسرح التجاري كما يسميه عرض أوعروض كوميدية تنفيسية أو تفريجية ، بينما المسرح الحقيقي حياة متسعة يجسد فيها المخرج النص إلى روح وأشكال وحركة.
وتابع «في لحظة الكتابة للطفل، يتقمص ضيفنا الكريم دور الطفل ليكتب قصيدة طفولية، ويرى أن الكلفة العالية لمسرح الطفل، من حيث الأغاني والديكور والموسيقى وإن كان ناجحاً في البحرين، إلا أن ضعف اهتمامات المخرجين به حال دون بروزه إلى السطح بصورة أقوى».
وقال إن أدب الأطفال -عند الشرقاوي- له خصائص، باعتبار الطفل كائن صغير له دوافعه وميوله وخيالاته وقدراته، وكانت منابع أدب الأطفال مستمدة من بعض الحكايات العربية، إضافة إلى الترجمة عن بعض اللغات وخاصة الإنجليزية والفرنسية، وأساليب ومضامين أدب الأطفال لاتزال نسبياً تدور في دائرة شبه مغلقة، عليها أن تتسع وتنمو وتتفتح لإغناء عالم الطفل الماضي ومعرفة المستقبل.
تكريم جيل السبعينات
من جانبه اعتبر الشاعر والقاص والمسرحي علي الشرقاوي، أن تكريمه إنما هو تكريم لجيل السبعينات بكل ما كان يحمل من أهداف وأحلام ورغبات في حياة أفضل وكتابة أجمل، كتابة متفردة ومغايرة عن كل الكتابات السابقة، كتابة قادرة على أن تعبر عن إنسان المرحلة التي نعيش.
وقال عن تجربته الخاصة في بعض المجموعات الشعرية «كتبتها حيث الشعر لم يعد هو التعبير عن الأحاسيس والمشاعر، والبوح عما يختلج في الصدر من رغبات وهموم وعذابات».
وأضاف أن الشعر لديه تحول إلى قصائد حياة، والعديد من تجاربه هي قصائد حياة، وأن القصيدة تكف عن ارتباطها بالشاعر مباشرة بعد أن تصل للقارئ، ولو كان قارئاً واحداً، تنتهي القصيدة من الشاعر لتبدأ رحلتها في قلب القارئ، ومن هنا تتحول إلى ملكية خاصة للقارئ، يفهمها حسبما يريد، ولا يهمه الشاعر بقدر ما تهمه القصيدة.
من قلم الشرقاوي لحنجرة خالد الشيخ
الكاتب والصحافي أحمد عايل فقيهي قال «الشرقاوي ينتمي إلى سلالة شعراء يقفون بين الالتفات للماضي في بعده الاجتماعي والشعبي والأسطوري، وبين الإطلالة على الحاضر حيث يعيش لحظة العصر ويتعايش مع لحظة حداثة جعلت منه شاعر عامية ينحاز في لغته للواقع المعاش».
وأضاف أن الشرقاوي عبر بحرقة عن العمال والبحارة، كتب عبر حنجرة الفنان خالد الشيخ قصائده الغنائية، وهو ينحاز للأمكنة والناس والأرض، روى سيرتها، وإلى البحر حمل أسراره وغاص في أمواجه، وعبر عن روح البحرين، وهو المسافر بين بحر القصيدة المغامرة وبحر المسافات والنهايات المفتوحة».
الشرقاوي وأحلام السجن
وكتب الصحافي عبدالهادي صالح بصحيفة «الحياة» عن الاحتفالية «أكد الشاعر البحريني علي الشرقاوي أن الكتابة الجديدة اليوم تحتاج إلى ناقد جديد، وأن النقد متأخر بالفعل عن مواكبة الحركة الأدبية وما ينتج من أعمال إبداعية، لكن هناك بعض المثقفين في البحرين أصحاب مشاريع جادة كإبراهيم غلوم وقاسم حداد وعلوي الهاشمي وآخرين وجهودهم واضحة وملموسة».
ونقل عن الشرقاوي قوله إنه «اعتبر ظروف سجني واعتقالي فترة خصبة ومدرسة مهمة، أصدرت خلالها 4 دواوين شعرية، وراجعت أحلامي وطموحاتي، وعلى كل صاحب موقف أن يتحمل تبعاته، وأعتقد أن أحلامنا تحققت اليوم وأصبحنا نرى نتائجها».
وأضاف الشرقاوي -حسب الحياة اللندنية- «لم أتأثر بشاعر بعينه ولكني ربما تأثرت بأثر من آثاره، والشعر في الواقع قصيدة حياة وليس تعبيراً عن أحاسيس ومشاعر فقط»، مضيفاً أن القارئ اليوم «لا يريد تفسيراً للقصيدة لأنه يحبذ تلقيها كما يشاء وليس بفرض من ناقد أو شاعر، لأن النص حينما يخرج من بين يدي كاتبه فإنه قاله وانتهى ما عنده، أو ربما مات والحكم متروك للقراء بعد ذلك».
واعتبر التجربة الرابعة التي يعمل عليها «تدعوني إلى أن أمتلك الكون لحظة الكتابة، وهي تجربة روحية، وفي الواقع أنا لا أبحث عن المتلقي لحظة الكتابة، وقراء الشعر قليلون اليوم، وقصيدة النثر من الأشكال الشعرية تصعب كتابتها، وليست بالأمر السهل كما يظن البعض».
واستهل صاحب «الرعد في مواسم القحط»، ليلة تكريمه في «إثنينية خوجة»، بقصيدة باللهجة المحكية عن مدينة جدة، وأنشد «جدة يا لهفة بحر أنت السماء في الثرى ترفع أسامينا وتخلي نور القمر حق البشر مينا، والله العمر يرتعش من تنذكر جدة»، معتبراً تكريمه في السعودية بصالون الإثنينية «لفتة مهمة من مؤسسها، ويعكس مدى اهتمام الشيخ عبدالمقصود بالأدباء والمثقفين على حد سواء»، وزاد «هو تكريم لبلادي البحرين ولجيل أدباء السبعينات في القرن الماضي، ممن استثمروا كل لحظة بعد نكسة حزيران».
وتحدث الشرقاوي خلال الأمسية عن محطات في حياته منذ الخمسينات الميلادية والظروف السياسية «التي خلقت في ذاك الجيل الحس القومي والوطني، وكانت أناشيد الأطفال تسافر بنا إلى بلاد العرب جميعها، وخلقت فينا ارتباطاً بالمفردة المختلفة في كتابة القصيدة فيما بعد».
وأشار إلى أن مكتبته «نون» في المنامة «تحولت إلى ملتقى للأدباء والمثقفين من مختلف أنحاء العالم، وهي تساعد الطلبة والمهتمين بما تحويه من كتب ومراجع».
وفي رده على آلية كتابة أناشيد الأطفال قال الشرقاوي «الطفل لا يحتاج إلى قصيدة يقرأها بقدر ما يحتاج إلى إيقاعها حتى يتواصل معها ويحبها، وأنا بدأت في كتابة الأناشيد بعد أن كنت أدندن لابنتي فيْ فأعجبت بالفكرة وانطلقت بعدها في التأليف».
وعن كتابته للأغنية باللهجة المحكية قال صاحب «لولو ومحار»، «بدأت كتابة الأغنية أيضاً من السجن وكنت أدخل إلى الأغنية بصوت الشاعر وليس بصوت المغني، أي أني أدخل الأغنية بلغة القصيدة وليس بلغة الكلام، والأغنية في الواقع تسمع ولا تقرأ، ولا أعتقد أن أي مستمع عربي لا يفهم ما أكتبه من أغان وأناشيد، لأنها قصيدة شفوية تقال ولا تكتب».
واعتبر الشرقاوي تقليل الآخرين من التجربة الشعرية والأدبية في منطقة الخليج العربي قصوراً منهم «أو ربما جهل بما ينتج من إبداع في مختلف الفنون والآداب في مدار الجزيرة العربية، وهو لا يعنينا في الواقع باعتباره قصوراً منهم وليس منا».
وفي المداخلات قال الشاعر أحمد عايل فقيهي « ظل الشرقاوي يؤسس لمشروعه الشعري، ويمثل هو وأدباء بحرينيون آخرون نخلة الإبداع الباسقة في البحرين، ويجمع بين الماضي والحاضر وتنحاز لغته للواقع المعاش والأمكنة والناس».
فيما قالت الشاعرة بديعة كشغري «يعد الشرقاوي شاعراً متعدد الاتجاهات، وهو عاشق للكتابة للكبار والصغار»، وشهدت الأمسية مداخلات عدة وحضرها عدد كبير من المثقفين والأدباء واستمرت إلى ساعة متأخرة من الليل.
وكان الشرقاوي أصدر 15 مؤلفاً بالفصحى و9 مؤلفات باللهجة المحكية، وقدم 8 مسرحيات و9 أعمال شعرية للأطفال، وترجمت أعماله إلى الإنجليزية والألمانية والبلغارية والكردية والصينية والفرنسية والهندية، وهي نتاج مسيرة إبداعية تجاوزت 40 عاماً.
بعد ذلك تحدث الزميل أحمد فقيهي عن المجموعات الشعرية للشرقاوي وتحديداً «الرعد في مواسم القحط»، «نخلة القلب»، و «مشاعل النورس الصغير»، وغيرها، ثم تحدثت الأديبة والشاعرة بديعة كشغري عن علاقتها بالشرقاوي صديقاً وأديباً من خلال مكتبة «نون» وهي مشروع أدبي وثقافي كان بدأه الشرقاوي، مبينة أن قدميها أخذتاها إلى مشروعه هذا في البحرين أثناء عملها وإقامتها في المنطقة الشرقية.
ثم تداولت الأسئلة والمداخلات من الحضور بتنسيق بين مذيعي الإثنينية محسن العتيبي ونازك الإمام، وكانت الحوارات بين الشاعر والحضور مرت على الكثير من التجارب المتداولة في الشعر والأدب بمنطقة الخليج العربي وصولاً إلى الوطن العربي الكبير، في ليلة ممتعة وغنية العطاء فتحت فيها الكثير من البواب والجراحات والذكريات بكل ما تحمله من فرح وأحزان ومتعة الحوار.
وكان الشرقاوي أهدى جدة قصيدة شعرية خاطب فيها الحضور أثناء الاحتفاء بمشواره في إثنينية عبدالمقصود خوجة، جاء في مطلعها:
جدة يا لهفة بحر للفرحة يا جدة
أنت كلام الضوى في لهوه أو جده.