خلص تقرير إعلامي لوكالة أنباء البحرين (بنا) إلى أن الهجوم الإرهابي الأخير في «الديه»؛ يعكس مرحلة جديدة من مراحل العمل السري الإرهابي الذي عانت منه البحرين منذ سنوات قليلة، تستوجب أن لا تقف الدولة مكتوفة الأيدي أمام هذه الهجمة الإرهابية على استقرار المجتمع وأمن مواطنيه. وأكد التقرير أن صبر الدولة والمجتمع على السواء قد نفد، وأنهما لن يتوانيا عن اتخاذ ما يلزم لإيقاف كل من تسول له نفسه المساس بأمنهما، وأن سيف العقاب القانوني مسلط على كل من أراد سوءأً بالوطن، أياً كان موقعه أو اسمه. وأكد التقرير أن الدولة لن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذه الهجمة الإرهابية على استقرار المجتمع وأمن مواطنيه، خصوصاً وأن هذا الهجوم الإرهابي الذي شهدته منطقة «الدية»، وأودى بحياة ثلاثة من رجال الأمن كانوا يؤدون واجبهم الوطني، يعد تطوراً بالغ الأهمية من حيث التوقيت والخطورة في وقت لم تدخر الدولة جهداً لتوفير ما يلزم لتهدئة الأوضاع وطمأنة الشارع وبعد إعادت الأمور إلى مسارها الطبيعي، وكأن هؤلاء الموتورين المتورطين في هذه الجريمة والمحرضين عليها، قولاً وفعلاً وتمويلاً، عزَّ عليهم أن يروا استعادة البلاد لعافيتها، واستجماع قوتها وقدرتها على جذب واستضافة الفعاليات الدولية المختلفة، ومنها الفورميلا ون التي ستجري في موعدها المحدد في إبريل المقبل رغم حقد الحاقدين ومكر الليل الذي يرتكبونه. وحسناً فعلت القيادة بموقفها الثابت والراسخ عندما شددت مجدداً على لسان كبار مسؤوليها وفي مقدمتهم حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، وصاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء، وصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء؛ أنه لا تهاون في الحفاظ على أمن واستقرار البلاد، وأنه لا تراخي في مسائل تمس صميم الأمن الوطني، خاصة بعد أن وجهت الأجهزة المعنية لاتخاذ ما يلزم من إجراءات للتصدي وبقوة لمثل هذه الجرائم التي لا يقتصر تهديدها على تماسك الوطن ووحدة مواطنيه فحسب، وإنما تعرض مؤسسات الدولة وآليات عملها للخطر، فضلاً عن تقويض بنيانها القانوني والدستوري، خصوصاً إذا لم يُطبق العقاب الرادع بحق هؤلاء المجرمين ومن عاونهم ممن يعيثون في الأرض فساداً...
واقع الأمر، أن هذه الجريمة النكراء لن تزيد المجتمع البحريني إلا قوة ووحدة في صفوفه والتفافاً حول قيادته إزاء كل من يحاول إحداث شرخ في بنيته وتكاتفه مع مؤسساته، لاسيما منها الأجهزة المعنية بحفظ الأمن، التي أعلت من المصلحة العليا للوطن في مواجهة المحاولات المستميتة التي تسعى لبث الفرقة بين أبناء البلد الواحد، وتكريس الخروج على ثقافة التعايش والتسامح التي اعتاد المجتمع البحريني عليها طوال تاريخه، الذي لم يشهد يوماً قبل أحداث العام 2011، أي محاولة للإقصاء أو النبذ أو حتى عدم احترام لنموذج تعدديته وتنوعه الذي عرفه منذ زمن.
لقد قدمت البحرين في مواجهة الأحداث الإرهابية التي تتعرض لها، وما زالت تقدم، نموذجاً في العيش المشترك تعارف عليه كل ذي حس وطني آمن بأن ممارسات التخريب والإرهاب لم ولن تجدي نفعاً، وأن هذه الجرائم شأنها شأن الدعوة لأعمال الشغب والتجمهر وإغلاق الطرقات والتحريض على رجال الأمن ومكونات المجتمع الأخرى لن يكتب لها النجاح مطلقاً، مثلما لم تنجح مثل هذه المحاولات في أية دولة أخرى، ولن تعكس سوى إفلاس القائمين عليها والمتورطين فيها، وإخفاقهم في تحقيق مسعاهم وخيبة مبتغاهم. إن بشاعة هذا الهجوم الإجرامي الأخير، الذي لا ينبغي فصله عن ممارسات تخريبية عديدة سبقته واستمرت بوتيرة مختلفة طوال السنوات الثلاث الماضية، أظهرت عدة أمور ينبغي على أي مراقب التبصر فيها حتى يمكن تجنب تكرارها مستقبلاً:
أولها: أن الجريمة تعكس مرحلة جديدة من مراحل العمل السري الإرهابي الذي عانت منه المملكة منذ سنوات قليلة، ولم يعرف الكثيرون عنه، بل وغض البعض النظر إليه بدعوى الحقوق الإنسانية التي ينبغي احترامها، وهي منه براء، ونأمل أن يكون هذا الإجماع الدولي على إدانة هذا الهجوم الإرهابي الأخير، تعبيراً عن بداية فهم واستيعاب ما يحدث في المملكة باعتباره جريمة إرهابية مكتملة الأركان لا يمكن السكوت عنها أو تجاهلها أكثر من ذلك.
ثانيها: خطورة البث العمدي لثقافة التخريب والتفكيك والتحريض التي ذاعت في أرجاء المنطقة منذ عدة سنوات وحتى الآن تحت شعارات واهية زائفة، وقد أصاب المملكة جزءاً منها، لم تجن منها الشعوب غير الأسى والبكاء والحسرة، وها هي المنطقة وشعوبها بأسرها تعاني من ذلك، وتحاول قدر إمكانها الآن لم شعاث أمرها لمواجهة هؤلاء الحاقدين الذين يسعون إلى جر الخليج عامة، والبحرين بشكل خاص، إلى هذا المستنقع العطن من العنف والعنف المضاد. ثالثها: أن الهجوم الإرهابي الأخير، ورغم أنه ليس الأول من نوعه لجهة استهدافه لقوات حفظ النظام، لكنه الأخطر من حيث النوعية والتكتيك المستخدم، كشف عن تورط أيادٍ خبيثة من ورائه، محلية وإقليمية وعالمية، أيادٍ لم يعد خافياً على أحد امتداداتها وارتباطاتها الخارجية، أياد اعتادت حرب العصابات والشوارع، وتدفع بقوة ـ تبعاً لأجنداتها الممولة من الغير ـ في اتجاه الفوضى داخل المملكة وغيرها من دول المنطقة المستقرة، التي تنعم بمناخ آمن بات موضع حسد من جانب آخرين. وتدفع هذه الحقائق الثلاث الخطيرة التي كشف عنها الهجوم الإرهابي الأخير، إلى ضرورة تبني «رسالة قوية» يتعين على الجميع أن يسمعها ويعيها جيداً، مفادها أن صبر الدولة والمجتمع على السواء قد نفد، وأنهما لن يتوانيا عن اتخاذ ما يلزم لإيقاف كل من تسول له نفسه المساس بأمنهما، ولا يمكن الانتظار أكثر من ذلك أمام ممارسات يمكن أن تقوض من أمن المجتمع ووحدته واستقراره، وأن سيف العقاب القانوني مسلط على كل من أراد سوءاً بالوطن، أياً كان موقعه أو اسمه...
وإذا كان لا يمكن المساومة على أولوية المصلحة العليا للوطن أو ترك البلاد نهباً لخارجين ممولين مدفوعين، فإنه لا يمكن المساومة أيضاً على منجزات المواطنين ومكتسباتهم التي حققوها بجهد جهيد طوال السنوات السابقة، ويتركوها تضيع أمام ناظريهم لمجرد أن هناك من يروع أمن الناس ويقض مضاجعهم أو حتى يستقوى على أهل هذه البلاد بأطراف من الخارج آملاً أن يحقق مصلحة ذاتية آنية.
إن واجب حماية المنجزات وصون المصالح العليا للوطن، وهو ما أكد عليه أبناء هذا الوطن المخلصين، أمر غير خاضع للنقاش، ولا يستطيع أحد أو بمقدوره حتى التهاون فيه، والداعي إلى ذلك عدة أمور، أولها: محاولة المتورطين في الهجوم إقحام البلاد في أتون حرب لا يعلم إلا الله مداها، وإدخالها إلى حالة من حالات التوتر والانفلات الحاد حتى لا تجد لها سبيلاً للخروج منها.. ثانيها: المنطق المأفون والعقلية الحاقدة وراء الهجوم الإرهابي بداية من المحرضين والدافعين إليه، وانتهاء بالمغرر بهم من المنفذين، مروراً بالطبع بالمستفيدين ممن يريدون حرق الأخضر واليابس وإعادة البلاد إلى قرون سابقة بجريمة لن يستطيع أحد تبريرها.. ثالثها: محاولة المتورطين ومن ورائهم إدخال الوهن وزعزعة الثقة في نفوس البعض، لاسيما أن المستهدَفين من جراء هذه الجرائم الإرهابية لا يقتصرون على عناصر الشرطة وقوات حفظ النظام فحسب ممن يقومون بدورهم ويؤدون الواجب لمنع الإخلال بالأمن، وإنما تشمل أيضاً ذويهم من الأبرياء الذين رُملوا أو يُتموا وباتوا على قناعة بأن مبادرات الدولة الإيجابية لتهدئة الأوضاع واستيعاب المطالب المختلفة، لا يمكن لها أن تؤتي ثمارها المرجوة مع أناس أغلق الحقد والكراهية قلوبهم قبل عيونهم، وأنه لابد من إعمال صحيح القانون بحقهم قبل الجلوس معهم على مائدة واحدة للتحاور.