كتبت - شيخة العسم:
عطاء زبيدة جناحي أم راشد، لا حدود له، سنوات طوال أخذت من صحتها ونفسيتها، حتى تمكنت أخيراً من أن تربي أبناءها وبناتها الاثني عشر. وإذا كانت هناك نسوة يصبرن على تسيب أزواجهن، فإن أم راشد صبرت على الضرب والإيذاء من قبل زوجها، لكي يظل بيتها على بر الأمان.
تقول أم راشد: أنصح المتزوجات أن لا يفكرن بالطلاق أبداً، فالمرأة وإن كانت تمتلك مال الدنيا فهو لا يأتي بشيء أمام الرجل، وأنا دائماً أقولها، مئة جلدة من الرجل هي عسل ولا أن أعيش يوماً بدونه، فالطلاق له مساوئ أهمها تشتت الأطفال، وعلى المرأة أن تربي أطفالها على «بياض الوجه» مع والدهم وإن كانت به عيوب الدنيا.
وتضيف «عندي سوالف شوق، شلون أوصلها، يا حبيبي حيران»، لقد تزوجت وأنا بسن الـ 14 سنة من ابن عمي «بوراشد» وكان لا يعمل، أي بدون وظيفة، وكانت تكاليف زواجنا من مساعدات الأهل وأمي وخالتي، انتقلت للعيش معه، ولم يكن «يكد» علينا كونه لا يعمل، وكل سنة كنت ألد طفلاً، والوضع كان مأساوياً بمعنى الكلمة، وكان زوجي رغم حبه لي، عصبياً جداً لدرجة أنه يضربني يومياً ويجلدني «بالهوز» وكان يضرب أولادنا أيضاً، كما إنه لا يعمل ودائم الخروج مع أصدقائه ولا يعلم بحاجتي وحاجة أبنائه قط. ولم يكن لدينا منزل، كنا نتنقل من منزل لآخر ومن شقة لأخرى، وكانت الإيجارات غالية في ذلك الوقت بـ 30 ديناراً في الشهر، وكنا نطرد كوننا لا نملك قيمة الإيجار، ورغم هذا لم يكون زوجي يهتم، كبر الأولاد ودخلوا المدرسة.
وتواصل: كنت أنا من أقوم بالإنفاق على المنزل، في البداية كنت أقوم بـ»الحف» للنساء وذلك بأجرة روبية واحدة فقط، وكنت أجمعها من هنا وهناك، حتى بدأت أزين العروس لثلاث ليالٍ بـ 10 دنانير، وكان أهل الخير الذين لا أنسى فضلهم مهما حييت يقومون بمساعدتي والتصدق علي لحالتي الصعبة، إلى درجة أن أولادي لا يجدون وجبة إفطار أو غداء.
تتوقف أم راشد لتمسح دموعها، لتقول: نعم، لم نجد حتى رغيف خبز فيسأل أولادي عن الطعام، فأقوم بإرسالهم لبيت أختي أو جارتي لإحضار «نص روبية» لشراء الخبز و»الباجلاء والنخي» لطوال اليوم ولـ 14 شخصاً. لقد صبروا كثيراً ولم يتذمروا قط، فقد ربيتهم أفضل تربية والحمد لله، ربيتهم على الشرف وهذا ما أدعو به ربي أن يكافئني به». وتسرد أم راشد قصتها: بعد سنوات اشتريت قطعة أرض بـ 200 دينار من كدي ومن ما كنت أجمعه من جمعيات وأهل الخير، وكانت أرضاً صغيرة، وظللت أبني فيها لمدة خمس سنوات، مرة أحضر الإسمنت وكانت الـ»خيشة» بروبيتين، وزوجي يحضر الرمل وهكذا حتى تمكنا من بناء غرفتين وصالة، وقبل ثمانِ سنوات أصبت بكسر في كتفي مما سبب لي العجز وعدم القدرة على «الحف»، فبدأت أشتري بضاعة وأبيعها وهكذا كنت أترزق. بعدها تبرع أبي لي بقطعة أرض أكبر قليلاً فبعت المنزل الأول وانتقلنا للأرض الأخرى، وحتى عند انتقالنا كان وضعنا محزناً، حتى إننا لم نملك «لحافاً» أغطي به أولادي ليلاً، حتى كبر أولادي وتخرجوا من المدرسة جميعهم، لم أكن آكل حتى يأكل أطفالي، كنت أحثهم على الدراسة ومتابعتهم، ربيتهم بنفسي ولم يساعدني أحد رغم عددهم وعدم وجود أي دخل والحمد لله، الكل يشيد بتربيتي وبصبري، إلا أنني لا أنسى فضل أهل الخير معي، كالنائب علي الزايد والعضو البلدي يوسف الصباغ، ود.أحمد الشافعي الذي باشر علاجي، ولا أنسى زوجي الذي مات فرغم ضربه الدائم لي إلا أنني أعشقه وأعشق ترابه «ودائماً ما أردد» لماذا لم يأخذني معه وتركني لوحدي.
وتعتب أم راشد على بناتها «ربيت بناتي وأولادي على الأخلاق الحميدة والخلق الحسن، أولادي يحبوني ودائماً يزورونني، إلا أن بناتي لا يزرنني أبداً، ولا يواصلونني إلا في الشهر مرة وليس دائماً، دائماً ما أعتب عليهم، فنادراً ما أراهم وقليلاً ما يتصلون بي. هل ينسون ما عملت لهم في لحظة، ألا يجب أن «يشيلوني عقب ما شلتهم وهم صغار» لم أتوقعهم قساة القلب، فهم لم يرحموني كما رحمتهم، كنت أتمنى بدل أن تذهب بي الخادمة إلى المستشفى أن تقوم إحدى بناتي بهذه المهمة «الله يسامحهم».