كتب - أحمد الجناحي:
صفاء عبدالرحمن، شابة تعمل أخصائية أولى في إدارة المشاريع، أدارت العديد من الدراسات أهمها 3 دراسات على مستوى 6 مناطق في المملكة العربية السعودية، وتفخر بأنها المرأة البحرينية الوحيدة التي شاركت في مسابقتين عالميتين للمناظرات في قطر. لكن من شاهد صفاء قبل 12 عاماً، لم يكن ليتصور أن طفلة يتيمة الأب، يمكن أن تتحول لامرأة يشار لها بالبنان.
طفلة في عمر الزهور استيقظت على كابوس حقيقي، وعلى أصوات نحيب لرحيل أعز الأشخاص وأقربهم، استيقظت على إطفاء شمعة ظلت تكافح لتنير ظلمة حياتها، رحل والدها عبدالرحمن عن عالمها، ولم تدرك حينها بأنه كان بداية التغير. تقول صفاء للوطن «كل ما أيقنته في ذلك اليوم العصيب هو رحيل أب أدمنت أنفاسه، أب شاركني وشاركته تفاصيله، مضت الأيام ومازلت أنتظر لحظة لقائه.. أنتظر وأنتظر لعله يأتي ولو بعد حين». كانت صفاء شديدة التعلق بوالدها، وقد اعتادت رؤيته على كرسي بزاوية المنزل، وكم كان يصعب عليها رؤية ذلك المكان، «كنت طفلة حينها وكانت عيناي معلقتان على الزاوية التي اعتدت أن يسامرني أبي هناك، مضت الأيام حتى قررت أن أمضي قدماً دون النظر إلى الخلف، أقصد دون النظر إلى المكان الذي يجلس فيه أبي، وكلما خرجت من المنزل أو دخلت أحاول أن أتجاهل تلك الزاوية وأن لا أنظر لها، لما تحويه تلك الزاوية من مواقف وذكريات تدفع أمطار دموعي بالهطول سنوات وسنوات».
اختارت صفاء العمل وهي لم تتخطَ الـ 10 من عمرها رغم معارضة أهلها وأقربائها، نظراً للظروف التي تحيط بها، هروب من الواقع والانشغال، أو لقضاء الوقت بعيداً عن تلك الزاوية، وبالوقت نفسه خطوة إلى الأمام وقرار لترك بصمة في الحياة وأثر قوي، مرحلة انتقالية رغم الألم «قررت أن أعمل، ولم أتراجع عن قراري حينها رغم معارضة أهلي لي، مضيت قدماً نحو العمل، وهنا كانت الخطوة الأولى لمشوار الألف ميل، عملت كبائعة في أحد المحلات النسائية واستمررت في العمل حتى انتقل بي الحال لإدارة ثلاثة محلات، بفضل صبري وثباتي على قراري وهدفي، وكان لابد لي أن أجعل أبي فخوراً بي، لابد أن أنجز وأتعلم لأرفع شأن عائلتي، ويضل اسم عبدالرحمن اسم والدي شامخاً عالياً في السماء، وانتقلت بعد ذلك للعمل كسكرتيرة تنفيذية في إحدى الشركات كدوام جزئي، ومن ثم تم تثبيتي بدوام كامل بفضل نشاطي وهمتي وإصراري على العمل».
أيام مضت على صفاء وهي تحمل بين طياتها عراقيل كثيرة، واجبات مدرسية وضغوطات عمل ومسؤوليات أنهكتها في سن صغيرة، ولكن بفضل الإصرار والعزيمة على الاستمرار لم تقف صفاء أمام تلك العقبات التي حالت بينها وبين حلمها وهدفها، فهاهي طفلة الأمس، خريجة اليوم وتحمل شهادتها الثانوية بامتياز وفخر «تميزت بالدراسة رغم الأقدار العصيبة، تخرجت وأنا مازلت أعمل، والله لا ينسى عبده ويعاونه على الدوام، استقبلت خبر حصولي على بعثة دراسية من المؤسسة الخيرية الملكية بفرحة غامرة ملأت قلبي اندفاعاً وأملاً، كنت لأطير وقتها من هذا التوفيق بفضل الله عز وجل ثم مثابرتي، فتعبي لم يذهب هباءً، وطموحي وأهدافي بدأت تتحقق شيئاً فشيئاً»، وبعد خيارات عديدة قررت صفاء أن تبدأ رحلتها الجامعية، وتوالت السنوات تلو السنوات، والنجاحات مستمرة على الصعيد العلمي والعملي.
مضت أربع سنين، ونبض الأمل والتفاؤل مازال ينبض بالحياة في عطائها وعملها، حتى تقلدت صفاء مناصب عديدة في الحياة الجامعية وفي العمل المضني، وبعد تلك السنين أنهت رحلتها الجامعية بشرف وتفانٍ وبصمة لا تنسى في ذاكرة الجامعة ومدرسيها وأصحابها، وقبل كل شيء أهلها.
تؤمن تلك الطفلة برحمة الله التي لا تنضب، وأخبرت الوطن أن لسورة يوسف الفضل العظيم لاستمرارها في الحياة وبالخصوص الآية الكريمة (ولا تيأسوا من روح الله)، وعند كل عائق تردد صفاء إن الله مع الصابرين.
صفاء امرأة ذات طموح، تحلم أن تكون سفيرة في الأعمال الخيرية ورمزاً للمرأة البحرينية الناجحة، امرأة ذات علم ومعرفة وعمل، وتحلم أن تكمل دراستها وتتسلح بالشهادات العليا، وتحلم ذات يوم أن تكون ملاذاً وصدراً حنوناً لكل من يكافح في هذه الحياة، أما حلمها الأخير فهو أن تلتقي بوالدها!
تشير صفاء إلى الأشخاص الذين ساندوها في رحلتها «الأشخاص الذين ساندوني وكانوا بمثابة القوة التي تدفعني إلى الأمام، ضاري ومحمد من الكويت، وطلال، وأمي معنى الصداقة في حياتي»، وتضيف «كان شيئاً جميلاً يضفي لي الكثير من المعاني، د.خالد بومطيع أحمل شكراً خاصاً له لإيمانه القوي فيني ودعمه المستمر». لاتزال صفاء تصحو من النوم ولديها هدف إسعاد الناس، الهدف الذي له معانٍ كبيرة وفضائل عديدة في شخصيتها، وطعم الإنجاز في كل مرة يجعلها أكثر عزيمة وإصراراً.