بقلم - أشرف محمد كشك*:على الرغم من أن إعلان الأمين العام لحلـــف «الناتو» أندرس راسموسن زيـــارة دولة الكويت في الأسبوع الثاني من شهر مارس الجاري لا يعد أمراً مفاجئاً حيث إن الكويت هي إحدى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الأربع التي انضمت لمبادرة إسطنبول للتعاون الاستراتيجي التي أطلقها حلف شمال الأطلسي عام 2004، وهي الإمارات وقطر والكويت والبحرين أي قبل عشر سنوات من الآن، وتتضمن ستة مجالات للتعاون وهي تقديم الاستشارات في مجال الإصلاحات الدفاعية، وتشجيع التعاون العسكري-العسكري، ومكافحة الإرهاب من خلال تبادل المعلومات، والمساهمة فيما يقوم به الحلف من جهود للتصدي لأسلحة الدمار الشامل، والتعاون في مجال أمن الحدود ومكافحة عمليات التهريب غير المشروعة، والتعاون في مجال التخطيط لحالات الطوارئ المدنية.إلا أن توقيت الزيارة ربما يثير العديد من التساؤلات سواء فيما يتعلق بالتطورات الإقليمية الراهنة وأهمها الاتفاق النووي بين إيران والدول الغربية، فضلاً عن التطورات الدولية وأهمها السياسة الدفاعية الجديدة للولايات المتحدة الأمريكية والتي تولي اهتماماً بآسيا مع الاحتفاظ بعلاقاتها الاستراتيجية مع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.ومع التسليم بأهمية تلك التحولات وتأثيرها على العلاقات الأطلسية الخليجية، فقد لوحظ اهتمام كل من حلف «الناتو» ودول الخليج العربية أعضاء مبادرة إسطنبول بتطوير التعاون الاستراتيجي فيما بينهما وبخاصة بعد عام 2011، فعلى صعيد حلف «الناتو» ثمة مؤشرات على ذلك أولها: في مقال له بصحيفة «الرياض» السعودية في 15 فبراير 2011 تحت عنوان «الناتو والخليج شريكان في مجال الأمن»، قال الأمين العام لحلف «الناتو» أندرس راسموسن «يمكننا في أوقات الاضطراب، الاعتماد على الشراكات القائمة. ولا بد أن تكون هذه الشراكات قائمة على الاعتراف المتبادل بالمصالح المشتركة ويجب أن يكون هنالك تصميم مشترك لتحقيق تلك المصالح المشتركة»، وثانيها: إشارة البيان الختامي لقمة «الناتو» في شيكاغو في مايو 2012 إلى «التزام الحلف بتعزيز التعاون مع أعضاء مبادرة إسطنبول، والترحيب بعرض دولة الكويت لاستضافة مركز مبادرة إسطنبول على أراضيها، والذي من شأنه المساعدة على فهم التحديات الأمنية المشتركة وكيفية التعامل معها»، وثالثها: ما أشار إليه التقرير السنوي الصادر عن حلف «الناتو» حول أنشطة الحلف عام 2013 من أن «حلف الناتو قد استمر خلال عام 2013 في تطوير علاقات تعاونية مع دول مبادرتي إسطنبول والحوار المتوسطي».ومــن جانبها، فقد حرصت دول الخليــج العربية أعضاء المبادرة على تطوير علاقاتها مع حلف «الناتو» ويتمثل ذلك في عدة مؤشرات أولها: إعلان دولة الكويت عام 2012 عن تخصيص 5000 متر مربع لإنشاء مقر ومركز تدريبي إقليمي لحلف «الناتو»، وثانيها: رغبة بعض دول الخليج العربية في الاستفادة من تجربة حلف «الناتو»، وبخاصة في مجالي التعليم والتدريب العسكري، وفي هذا الإطار أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة عن إنشاء كلية للدفاع الوطني عام 2013 وتختص بإعداد وتأهيل القيادات العسكرية والمدنية ورفع قدراتهم على تحديد وتقييم تحديات الأمن الوطني والإقليمي والدولي وفهم أسس ومتطلبات إدارة وتوظيف موارد الدولة من أجل حماية المصالح الوطنية. وهي ذاتها آلية عمل كلية الدفاع بحلف «الناتو» ومقرها مدينة روما، فضلاً عن افتتاح دولة الإمارات العربية المتحدة بعثة دبلوماسية دائمة لها في مقر «الناتو» ببروكسل عام 2012 يرأسها سفير فوق العادة، وثالثها: مساهمة بعض دول الخليج أعضاء المبادرة في عمليات حلف «الناتو» في ليبيا عام 2011 والتي تؤكد أن دول الخليج العربية مقدم للأمن وليس فقط مستهلكاً له، ورابعها: الزيارات الرسمية العديدة المتبادلة بين مسؤولي حلف الناتو ونظرائهم من دول الخليج أعضاء المبادرة بعد عام 2011.فضلاً عن وجود مجالات عديدة لدى حلف «الناتو» يمكن لدول مجلس التعاون الاستفادة منها ومنها العقيدة العسكرية للحلف، وإمكانية الاستفادة منها في تطوير التعاون العسكري بين دول مجلس التعاون، ومجالات إدارة الأزمات وأمن الطاقة وتجربة الحلف في التصدي لظاهرة القرصنة. وعلى الرغم من أهمية تلك المؤشرات التي تؤكد وبما لا يدع مجالاً للشك أن العلاقة بين دول الخليج أعضاء مبادرة إسطنبول وحلف الناتو تؤسس على مبدأ الاحتياج الاستراتيجي المتبادل، فإن عدة تساؤلات لا تزال تثار في دول مجلس التعاون حول مستقبل التعاون بين الجانبين ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر:- مع أهمية ما يقدمه الحلف من مجالات للتعاون الأمني فإن الاعتبارات العملية هي الأهم وليس الحديث النظري، ومن ثم قبل الحديث عن المستقبل فإن التساؤل المطروح هو: ماذا تحقق على أرض الواقع من الشراكة الخليجية - الأطلسية خلال عشر سنوات من عام 2004 وحتى 2014؟ - من ناحية أخرى يلاحظ أن هناك تبايناً في مستوى التعاون بين حلف «الناتو» ودول الخليج أعضاء مبادرة إسطنبول، من أقصى الرفض إلى أقصى التعاون، فمن دولة الإمارات التي أصبح لديها بعثة دبلوماسية لدى «الناتو» في بروكسل إلى كلٍ من السعودية وسلطنة عمان اللتان لا تزالان خارج مبادرة إسطنبول للتعاون الاستراتيجي، الأمر الذي يحد من فاعلية المبادرة.- تحولات البيئة الإقليمية والعربية بعد عام 2011 والتي تختلف بشكل جذري عن تلك التي أطلقت فيها مبادرة إسطنبول عام 2004. صحيح أن حلف «الناتو» لم يكن بعيداً عن تلك التحولات، وذلك من خلال التدخل في الأزمة الليبية، إلا أن ذلك كان أمراً «ظرفياً لحظياً» وهو ما أشار إليه الأمين العام لحلف «الناتو» بمقال له في صحيفة «الشرق الأوسط» السعودية في يونيو 2011 حول حلف «الناتو» والربيع العربي بالقول «تمتعنا بتفويض قوي من مجلس الأمن ودعم واضح من دول المنطقة، وهو مزيج نادر لم نشهده في مواقف أخرى»، ومن ثم فإن البيئة الراهنة سواء في دول الخليج العربية أو السياق الإقليمي ربما أتاحت فرصاً للناتو لتعزيز سياساته الإقليمية، ولكنها في الوقت ذاته أوجدت تحديات يتعين أخذها في الاعتبار عند الحديث عن مستقبل التعاون مع دول الخليج العربية.- مسألة الضمانات الأمنية ستظل إحدى القضايا التي تثير الجدل ضمن العلاقات الخليجية الأطلسية والتي تصطدم بالمادة الخامسة من الميثاق المنشئ للحلف مما يتطلب ربما إعادة النظر في طبيعة وشكل وهدف التعاون لتعظيم الفائدة للطرفين، فضلاً عن استراتيجية الحلف الدفاعية الجديدة التي أعلنها في قمة شيكاغو 2012 ومضمونها تبني الحلف مفهوم الدفاع الذكي وهو «تحديد الأولويات والاعتماد على حلول متعددة الأطراف للأزمات بدلاً من الحلول أحادية الجانب، من أجل ترشيد النفقات واقتسام الأعباء بين أعضاء الحلف»، ولا شك في أن ذلك التوجه الجديد للحلف ربما يحد من دوره تجاه الأزمات الإقليمية والدولية، فعلى الرغم من أن أمن منطقة الخليج العربي يكتسب أهمية استراتيجية لدى حلف «الناتو»، إلا أن دور الحلف تجاه حفظ ذلك الأمن- وفقاً لما يؤكده بعض الباحثين الأكاديميين من الحلف- يظل مرتبطاً بتحولات وقدرات الحلف، حيث لا بد من تقاسم الأعباء بين الحلف وشركائه الإقليميين، لأنه لا توجد قوة يمكنها الاضطلاع بكل شيء في العالم ، ولا يوجد ضمان لتدخل الناتو في الأزمات كافة مستقبلاً، فضلاً عن أهمية المرجعية الشرعية لأي تدخل للحلف-على حد قول الباحث في الحلف-.-في ظل مبدأ الاحتياج الاستراتيجي المتبادل فإن استمرار التحديات الأمنية المشتركة ومنها: الأمن البحري، والانتشار النووي، والدولة الفاشلة، جميعها تحديات تتطلب تطوير مبادرة إسطنبول، سواء من حيث المضامين أو آليات العمل، حيث إن هناك قضايا يتعين أن تكون ضمن اهتمام الحلف من خلال تفهم وجهة النظر الخليجية بشأنها، ومنها مستقبل الاتفاق النووي بين إيران والدول الغربية وتأثير ذلك على التوازن الاستراتيجي في منطقة الخليج العربي. - يظل التساؤل الرئيسي الذي يستقطب اهتمام العديد من الباحثين في دول مجلس التعاون هو هل لدى حلف «الناتو» رؤية استراتيجية لأمن منطقة الخليج العربي تتوازى وأهمية تلك المنطقة؟ أم أن هذه الرؤية هي جزء ضمن تصور أكبر لحلف الناتو في ظل سعيه للاضطلاع بدور أمني عالمي؟ - لايزال الرأي العام الخليجي في حاجة للمزيد من المعرفة بشأن سياسات حلف «الناتو»، ومن ثم يتعين أن تتاح مطبوعات الحلف وأنشطته السنوية باللغة العربية في المكتبات العربية التي تفتقر لمثل هذه المؤلفات، حتى يمكن خلق المزيد من الوعي بتلك السياسات. وبغض النظر عن تباين تلك الرؤى فإن المفاهيم والمصطلحات ليست كافية لتحقيق الأمن في منطقة الخليج العربي الذي يعد في الوقت ذاته أمن أعضاء حلف الناتو، إنما الشراكة الحقيقية هي التي تبنى على التزام حقيقي من طرفيها، وفي هذا السياق تثار مسألة الاحتياجات الأمنية الحقيقية لدول مجلس التعاون من حلف «الناتو» ومن ذلك على سبيل المثال تثار ثلاثة تساؤلات الأول: هل لدى الحلف استعداد لمساعدة دول مجلس التعاون حال تعرضها لحالات إرهاب إلكتروني؟والثاني: هل لدى حلف الناتو خطط لمواجهة أي أزمات إقليمية قد يترتب عليها انقطاع في إمدادات الطاقة للدول الغربية.والثالث: ما مدى استعداد الحلف لدعم القدرات الدفاعية لدول مجلس التعاون في سبيل تحولها نحو حالة الاتحاد الخليجي؟* باحث بمركز البحرين للدراسات الإستراتيجية والدولية والطاقة
970x90
970x90