بقلم - عمر محمود محمد*:
كم من الوقت تستغرقه أي دولة في عقد الآمال على دولة واحدة؟ لقد استثمرت دول الخليج بكثافة وقتاً طويلاً في تحالفاتها مع الولايات المتحــدة، بــدءاً من كونها أكبــر مشترٍ للأسلحة منها «وقد أدى ذلك إلى توفير الآلاف من فرص العمل في الولايات المتحدة» إلى السماح لها بإنشاء قواعد خاصة بها في المنطقة. وقد تغلبت هذه العلاقة التاريخية على الكثير من العقبات وعلى فترات من التوتر في الماضي، مثل كارثة حرب العراق.
وقد أدى الإعلان عن الاتفاق المؤقت مع إيران وتقاعس أمريكا في سوريا إلى نشوء مرحلة جديدة من التوتر بين دول مجلس التعاون الخليجـــي والولايـــات المتحـــــدة. وفشلت الولايات المتحدة باستمرار في فهم مدى الجدية التي تنظر بها دول الخليج إلى إيران وأنشطتها في المنطقة، كما تراجع أوباما باستمرار عن الإجراءات التي وعد باتخاذها، مما منح إيران وحليفها السوري بشار الأسد الفرصة للمناورة.
واستعراض سريع لبعض الحقائق يرسم لنا صورة قاتمة، لقد زادت الصادرات الإيرانية من النفط بشكل مطرد منذ أن بدأت المفاوضات مع الغرب، مما يتعارض مع وعود إدارة أوباما. وعلى الرغم من أن إدارة أوباما قد ذكرت أن إيران لا تتلقى أكـــثر مـــن 7 مليارات دولار في مجال الإغاثة، فإن العديد من الخبراء يعتقدون أن زيادة الصادرات والإنجازات الاقتصادية الأخرى سوف تؤدي إلى حصول إيران على أكثر من 20 مليار دولار. لقد استمرت إيران، في أصعب ظروفها الاقتصادية، في تقديم المساعدات المالية إلى نظام بشار الأسد في سوريا، مع الاستمرار في تمويلها لمختلف الجماعات الإرهابية في جميع أنحاء المنطقة. ومع هذا التدفق الجديد للأموال، لم يعد خافياً مقدار الضرر الذي تستطيع إلحاقه.
لقد أوضح التقرير الذي أعدته لجنة 11/9 أن إيران تعمل غالباً مع تنظيم القاعدة عندما يناسب ذلك مصالحها. في الآونة الأخيرة، سلط مقال في صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية الضوء على كيفية استضافة إيران لكبار أعضاء تنظيم القاعدة، ويستشهد نفس المقال بوثيقة أمريكية تتضمن 13 من كبار شخصيات تنظيم القاعدة الذين وجدوا ملاذاً لهم في إيران. وقد ذكر مدير المخابرات الوطنية الأمريكية جيمس كلابر، خلال شهادته في مجلس الشيوخ الشهر الماضي، أن الإدارة الأمريكية تعتقد أن تنظيم القاعدة يمثل أكبر تهديد للأمن القومي للولايات المتحدة.
ومن الواضح أن النظام السوري لن ينفذ الجدول الزمني في 30 يونيو المقبل بتسليم جميع مخزونه من الأسلحة الكيميائية، إذ إنه حتى الآن تم تسليم 11% فقط من مخزونه الهائل. لذا، سوف نرى كيف ستتعامل إدارة أوباما مع هذا الموقف، لأنها قد استثمرت مصداقيتها الدبلوماسية القليلة في عملية القضاء على هذا المخزون.
على عكس الولايات المتحدة، هناك عدد قليل جداً في المنطقة يعتقد أن «إيران جديدة وأكثر إنتاجية» تنبثق من خلال الاتفاق المؤقت وحكومة روحاني، وحتى يومنا هذا، يصر كبار المسؤولين في النظام الإيراني على أنهم لن يتخلوا أبداً عن عملية التخصيب بالكامل، مما يوفر دائماً إمكانية تسليح إيران لبرنامجها عند مرحلة معينة. الخوف من إيران -التي تمتلك القدرة النووية- ليس بسبب أنها سوف تستخدم هذه الأسلحة بالفعل في أي وقت، ولكن السبب هو اكتسابها الأساليب الجديدة من القوة العسكرية والقوة الناعمة، وقدرتها على زيادة تدخلها في القضايا الداخلية لدول الخليج.
في ضوء ذلك، ينبغي على دول الخليج أن تثير بعض الأسئلة الخطيرة. هل من الحكمة الاعتماد على الولايات المتحدة وحدها باعتبارها الضامن الوحيد للأمن؟ أم ينبغي على دول الخليج أن تستثمر بكثافة في سياسة إعادة التحالفات مع الشرق؟ ما من شك في أن دول الخليج قد استثمرت بكثافة ولوقت طويل في إمداداتها من الجيش الأمريكي، مما يجعل التحول إلى نظم جديدة وتسليح جديد يستغرق عقوداً. هذا مرجعه مجموعة من الأسباب، أهمها التكاليف المالية الضخمة، ووجود عدد من مشكلات قابلية التبادل والتوافق. إذا تم اتخاذ هذه الخطوة في أي وقت، فستوقف الولايات المتحدة على الأرجح إمدادات قطع الغيار وعمليات الصيانة؛ مما يزيد من تكاليف وأعباء وصعوبة تشغيل المعدات التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات والتي تمتلكها دول مجلس التعاون الخليجي في الوقت الحالي.
على الرغم من ذلك، يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي، وربما ينبغي لها «حالياً» أن تحد كثيراً من هذا الاتجاه في الاستثمار. وهناك اعتقاد سائد أن سلاح الجو في دولة الإمارات العربية المتحدة وحدها بما يمتلكه من القدرات العسكرية الحالية، يمكن أن يدمر تماماً سلاح الجو الإيراني العتيق. أكبر المشترين لموارد الطاقة من دول مجلس التعاون الخليجي هي دول آسيوية مثل الهند والصين. لذا، ينبغي على دول مجلس التعاون الخليجي أن تزيد من التعاون في مجال الدفاع والتعاون الاستراتيجي مع هذه الدول. وعلى الرغم من أنه لا يمكنها حالياً أن تؤثر بشكل مباشر على نتائج المفاوضات النووية، إلا أن لديها بالتأكيد مجموعة خيارات يمكن استخدامها لتعزيز مكانتها الإقليمية.
* باحث بمركز البحرين للدراسات الاستراتيجية
والدولية والطاقة