كتبت ـ حسين التتان:
«محترف» مشروع أطلقته الروائية اللبنانية نجوى بركات عام 2005، وتنقلت فيه ما بين بيروت والرباط والخرطوم، هذا العام وابتداءً من الأحد الماضي حط المشروع رحاله في البحرين.
تقول بركات إن «محترف» ما كان ليطأ البحرين لولا اهتمام وزيرة الثقافة الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، بعد أن وافقت على فكرته على الفور ودون تردد، طالما هو ينهض بحوامل الثقافة في البحرين، ممثلة بمبدعيها وروائييها وقاصيها، ويعرفهم بمبادئ الكتابة وأساسياتها ومدارسها. بدأت ورشة «محترف» الأحد وتنتهي الخميس، بتمويل ورعاية وزارة الثقافة التي تتكفل بتوزيع الروايات التي تستحق النشر، وتقدم للمشاركة بالدورة 174 طلباً، اختارت بركات منها 9 مشاريع روائية لأصحابها رنوة العمصي، أحمد الطيب، منيرة سوار، وأيمن الجعفري من البحرين، ودلع المفتي من الكويت، عبدو خليل من سورية، هدى الجهوري من سلطنة عُمان، إياد برغوثي من عكا فلسطين، أسماء الشيخ من مصر. وتقسم الدورة إلى 3 ورش عمل مكثفة مدة كل منها 10 أيام، بدأت الأولى 5 مايو 2013، والثانية 25 أغسطس، والثالثة في 27 أكتوبر، فيما تعلن النتائج في حفل ختامي ينظم في البحرين بداية مارس 2014.
لتسليط الضوء على مشروع «محترف»، وما يضيفه لحقل الكتابة الإبداعية والمشتغلين فيها.. كان اللقاء مع الروائية نجوى بركات.
*كيف انطلق مشروع «محترف»؟
بدأت مع مشروع «محترف» لكتابة الرواية عام 2005، وحينها نظمت دورات في طريقة كتابة الرواية في بعض البلدان العربية مثل لبنان والمغرب والسودان، بعدها اتضح لي جلياً أن 10 أيام لعمل دورة للكتابة غير كافية.
في عام 2009 اختيرت بيروت عاصمة عالمية للكتاب، ومن هناك تم انتقاء بعض المشاريع الثقافية ضمنها مشروع»محترف»، وخلال الدورة تم إنجاز 3 روايات، إحداها فازت بجائزة «محترف»، كان المشروع ناجحاً للغاية، لأن فكرة المشروع جديدة ومبتكرة، إضافة لإنجازه 3 روايات ناجحة كلها من عمل الشباب العربي، وحينها تساءل الجميع.. لماذا لا تكون هناك نماذج لمحترف على صعيد الكتابة الشعرية والروائية وكتابة السيناريو؟.

*هل توقف النجاح عند هذا الحد؟
بالطبع لا، حاولنا بعدها توسيع دائرة العمل في «محترف»، وبالفعل أضفنا كتابة النصوص المسرحية والسينمائية، كان لدي شعور أن هناك شيئاً ناقصاً، ولابد من خلق نوع من الحراك الثقافي لخلق جيل جديد يميز بين الكتابة والجودة.

*ماذا عن الدورة الثانية «لمحترف»؟
بعدها أعلنا عن الدورة الثانية، فتلقينا 174 طلباً من مختلف البلدان العربية للمشاركة، ونحن بدورنا اخترنا منهم 6 مبدعين لمشاريع خاصة بكتابة الرواية، و3 لكتابة النصوص المسرحية.. نحن حين نتكلم عن مشاريع ثقافية بهذا الحجم وفيها ما يتعلق بالمسرح أو السينما فإننا بلا شك نتحدث بعدها عن التمويل.

*ماذا عن التمويل؟
نحن قدمنا مشروعنا لعدة جهات وبلدان، وحصلنا على موافقة لتمويل المشروع، لكنهم وضعوا شروطاً لقبولها ورفضنا، لأن المشاريع الثقافية لا يمكن أن نضع عليها شروطاً أو قيوداً، لأن ذلك يخالف فكرة «محترف» أساساً.

*إذاً من مولكم في الدورة الثانية؟
حين التقيت وزيرة الثقافة الشيخة مي بنت محمد آل خليفة في إحدى الفعاليات الثقافية بمركز الشيخ إبراهيم للثقافة والبحوث، عرضتُ عليها الفكرة، فوافقت على الفور وفي دقائق ودون تردد، بل وتعهدت بمتابعة كل ما يخص تمويل المشروع، وبالفعل نظمنا ورشة تمهيدية في يوليو 2012، واليوم ها نحن وبعد اختيار المشاركين في الدورة، بدأنا دورتنا الثانية بمشاركين من مختلف أنحاء الوطن العربي.

*هل يمكن تسميتك بسفيرة الرواية العربية؟
لا أعرف مدى دقة التسمية بالنسبة لي، لكن وبكل تواضع لدي مجموعة من الأعمال الروائية والأدبية والسينمائية والمسرحية، ترجم الكثير منها للغات مختلفة، تضعني أمام مسؤولية أكبر في نشر أهمية الكتابة.
لكن بما أنني مقيمة في باريس شعرت بأزمة حول وجود الكاتب العربي، في مشهد ثقافي عام يمكن وصفه بالمتصحر، الكاتب العربي إذا أراد أن يُفتش عن جسور بينه وبين الناس يجدها مقطعة، ومن هنا يفرض الواقع أن يخلق حالة من الاهتمام، وبما أن الكاتب العربي معزول ويدور في فلكه مع أمثاله، جمعهم نوع من العزاء المشترك، ومن هنا جاءت فكرة «محترف» عبر الإحساس بالتعب والهم، فقلت ماذا يمكن أن أعمل في هذا الحقل من أمر جديد مختلف؟ فجاءت فكرة «محترف» بكل تفاصيلها.

*من خلال تجربتك وتجوالك في أنحاء الوطن العربي، وفيما يخص الرواية والكتابة، أيهما أكثر إبداعاً وعطاء الرجل أم المرأة؟
إذا راقبنا المشهد الثقافي بشكل عام، والروائي بشكل خاص، فإننا نتفاجأ بكثرة الأصوات النسائية، فأعدادهن فاقت التصور، بل هناك أصوات لكاتبات عربيات يطالبن أن يكونوا كأي كاتب من الكتاب المحترفين، إن تصنيف (كاتب ـ كاتبة) لا يوجد سوى في الوطن العربي، أما في الدول المتقدمة فهناك كاتب فقط، وهذه الحالة مطلوبة في ثقافتنا العربية.

*هل تطمح بركات عبر «محترف» في إيصال الرواية العربية إلى العالمية؟ أم أنها تريد الاهتمام بها فقط؟
لا ليس طموحي في وقتنا الراهن إيصال الرواية العربية للعالمية، هذا أمر كبير للغاية، ولكن عملي عبر «محترف»، هو بمثابة مسودة تنظم معايير الكتابة وجودتها، فالمعايير الحقيقية للكتابة لدى شبابنا العربي أصبحت مختلطة، وهم لا يستطيعون التفريق بين المشاريع الأدبية الرائدة والهابطة، ومن هنا جاء «محترف» ليوضح لهم أن معايير الجودة مختلفة عن معايير الانتشار، من أجل أن يرجع المشهد الثقافي إلى وضعه، وهو بمثابة الحجر الذي نلقيه في مياه الثقافة الراكدة.

*ماذا عن تجربتك الأخرى في كتابة السيناريو والنصوص المسرحية؟
أنا خريجة المسرح بلبنان، وكتبت مسرحيتين في ثمانينات القرن الماضي، ولأني مازلت شابة ومتحمسة لمزيد من الإبداع، سافرت إلى باريس فدرست السينما، وعملت فيها، إلى حين عودتي إلى بيروت، لكن إقامتي استمرت في باريس إلى هذا اليوم.
لدي الآن 6 روايات والكثير من الأعمال السينمائية والمسرحية والإخراجية، لكن ما ينقص هذه الأمور في عالمنا العربي، هو التمويل لمثل هذه المشاريع الكبيرة، على عكس الرواية التي لا تكلف صاحبها سوى القلم وشغف الكتابة.

*ماذا عن تجربتك في البحرين؟
في البحرين هناك غرام غير طبيعي بين الشباب الذين التقيتهم وبين وزيرة الثقافة الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، كما اطلعت على تجربتهم في تاء الشباب، ولم أجدها في أي قطر عربي آخر، الوزيرة شابة بروحها وأفكارها وتوهجها حتى أكثر من الشباب أنفسهم، وهي من أعادت المعنى الحقيقي للثقافة عبر عملها على الأرض بروح الفريق الواحد مع من يعملون في مجال الحقل الثقافي.
حين زرت المسرح الوطني صعقت، لأنه من أكبر مسارح العالم التي صادفتها، ولكن يجب أن تكون هناك دورات في المسرح، وأن يُملأ هذا الفضاء الجميل بالأعمال المسرحية، خصوصاً أن البحرين تملك من الإبداعات الشبابية الشيء الكثير، وما علينا سوى استخراجها، البحرين لا تضع رقابة على نفسك وأُكسجينك، ولهذا فهي المكان المؤهل والطبيعي لكل كاتب ومبدع.