كتب ـ أحمد الجناحي:
مثلما تتخلل الرياح الأشجار وترقصها، وتشق الأضواء ثنايا الظلمة وتبددها، دغدغ محمد عبده أحساسيس جمهور قلعة عراد كما تهدهد الأم طفلها، حلق بهم في عوالم مقرونة بألوان قوس قزح، وذهب بهم إلى حيث تتآلف نافورة العطر واللون والماء.
غنى فنان العرب الكبير «شبيه الريح» و«على البال» و«مجموعة إنسان»، وبصوته الشجي الساحر شد الجمهور إلى رحلة بين الغيوم، خلف النجوم والأقمار، وبأغاني الواقع وتلاوين حنجرة أتقنت فن الغناء، عاد به إلى قلعة عراد وأيقظه من وهدة النوم العميق.
أمسية حالمة عاشها جمهور القلعة، وبأجسادهم تحاوروا مع أغاني عبده، تمايلوا يمنة ويسرة، كانت الأجساد لينة طرية مطواعة، حركها النغم الآسر، أخذها بعيداً في رحلة ظنوها لم تنته.
جاء صوت الأسطورة محمد عبده عذباً شفيفاً كأجنحة الفراشات، ناعماً كندف القطن الأبيض، دافئاً كخدر عذراء الجبل، صافياً كدمعة الديك، كان الصوت يستحثنا على التماوج والتلاطم، وأنام ما تبقى من خلايا أدمغتنا تماماً كفعل الخمرة المعتقة.
شعر جمهور قلعة عراد بالأمس، أن الفراشات لثمت ثغورهم ولم تقو أن تسافر بعيداً، كانت مشدودة لهذا العشق الآسر، وتحلم أن تبقى هناك وتحترق شوقاً وهياماً.
حررنا محمد عبده بالأمس، فتح نافذة في جدار حلمنا، لامس دواخلنا المترعة بالأحاسيس المتناقضة، أنامنا على شواطئ لا تلطم الأمواج صخوره، وأصحانا وهو يعلن ساعة الختام.
تآلف محمد عبده مع جمهوره مثلما تلتقي العصافير، كانوا كلاً واحداً يردد بعضه صدى أغنيات الآخر، الجميع «ثمل» بأنغام الصوت الشجي، سافر إلى حيث تمحي المسافات والحدود، وتمنى أن يبقى هناك إلى الأبد.