كتب – محرر 2o:
قال الشاعر العماني سيف الرحبي إن البحرينيين مثلوا نافذة مبكرة في مراحل كثيرة، تطلعت من خلالها إلى الأدب والفكر وإلى العالم الشاسع، مشيراً إلى أن المرحلة القاهرية في مشوار حياته الإبداعية كانت بالنسبة له مرحلة البراءة الأولى والوعي السياسي والفكري والعاطفي المتقد، حيث تعرف فيها على عدد من الأدباء والمبدعين البحرينيين.
وأضاف الرحبي خلال أمسيته مؤخراً في بيت الشعر بيت إبراهيم العريض: أن هذه البراءة وتلك الطفولة التي ستنكسر تدريجياً كسياق منطقي لبروز الواقع على حساب الخطاب الحالم المحلق في سماء النظرية، تلك النظرية التي وصفها جوتة بالرمادية إزاء شجرة الحياة التي لم تكن على هذا النحو من الاخضرار في حياتنا العربية، حيث زلزال الجفاف والانهيار يضرب الشجر والحجر، وحيث الفتن التي اتخذت طابعاً تاريخياً، يشبه قطع الليل المظلم وفق حديث كريم، آخذة في الصعود والتدمير لكل ما هو مضيء وجمالي وإنساني لعيش مشترك بين الشعوب وجماعات هذه الأمة، تلك البراءة التي ستنهار لاجئة للنص الأدبي والحلم لتقي نفسها من التلاشي والانقراض.
وتابع الشاعر العماني: نلجأ إلى الطفولة والتذكر والحنين وهذه البراءة تلجأ للأدب بعد أن طردت بفظاظة من الواقع والتاريخ الدمويين؛ ليستحيل الأدب والشعر إلى مرافئ فاجعية لوجوه غابت ومدن دمرت كانت ذات يوم مرتعاً لعواطف وأحلام عامرة بالفرح والأمل الموؤودين في بداياتهما أو هكذا تحاول قوى الهمجية والظلام وسيادة قيم المال والافتراس والطائفية الساحقة لأية طفولة أو رؤية جمالية للوجود والعالم، إطفاء النور كما عبر بافلو نيرودا.
وأشار الرحبي إلى تعرفه في القاهرة على أدباء البحرين البارزين مثل قاسم حداد، علي عبدالله خليفة، علي الشرقاوي، وعبدالله خليفة وعلوي الهاشمي الذي كان يدرس حينها الماجستير حين أصدر ديوانه الأول «من أين يجيء الحزن وأنت معي». وفيما يشبه المناخات الحلمية الملفعة بالضباب أتذكر حين التقيته مع عبدالعزيز المقالح في شقة الدقي وقاسم الزائر كان قد أصدر «البشارة» و«خروج رأس الحسين» في تلك الفترة وكان الديوان المتداول لعلي عبدالله خليفة «عطش النخيل» وقصيدة «عذاري» التي يحفظها الطلبة غيباً. وأتذكر محاضرة عبدالله خليفة عن ميلاد القصة في البحرين. هذه الذاكرة رغم الزمن الموغل في النأي والبعاد لم تحتج لمصادر، حيث العلم في الصغر كالنقش في الحجر حيث ربط خليفة هذا الميلاد بتحولات المجتمع، وبصراعاته وانقساماته الطبقية. وفي تلك الفترة قرأت بإعجاب مجموعة أمين صالح «الفراشات» والذي لم يزر القاهرة مثل أقرانه. كان مصدر إعجابي هو كسر هذه المجموعة ما كنت أقرأه في مصر من نمط قص سائد، وتأثر أمين المبكر وولعه بإنجازات السينما، وعناصر المشهد البصري الصادم. كان مفهوم الالتزام في تلك الفترة الغائم والملتبس والسائد في النقاشات الأدبية التي ليست إلا استمراراً تبعياً للمفاهيم والآراء السياسية الوافدة من كل حدب وصوب.
وأضاف: كان ذلك النوع من السجال الأدبي جديدا بالنسبة لي أنا القادم من بيئة بالغة المحافظة على الصعيد الأدبي والاجتماعي. ولم تكن طلائع التحديث والتجديد وصلتها بعد. ومن الطلبة الذين كانت لهم ميول أدبية في ذلك الزخم السياسي حسن مدن، محمد حداد، وفوزية السندي، ولبنى الأمين. ومن القاهرة للشام وبيروت الجزائر، هنغاريا التقيت ببحرينيين كثر، وكوكبة كبيرة عادت لاحقاً لتشارك في بناء الوطن السياسي والثقافي، وهي معروفة بأسمائها البارزة.