تعيش دول مجلس التعاون الخليجي في غالبيتها مرحلة جديدة في إعادة تشكيل العلاقات والتحالفات الدولية، فبعد أن كانت دول المجلس في عمومها تعمد في غالبية الأحيان على التحالفات الثنائية (إيجاد شريك أو شريكان دولياً رئيسان على أكثر تقدير)، إلى مرحلة تتسم بإيجاد علاقات استراتيجية قوية قامت على التنوع لإحداث قدر أكبر من التوازن على صعيد العلاقات الخارجية بما يصب بشكل رئيس على تعزيز مفهوم السيادة الوطنية والحفاظ على المكتسبات الوطنية.
المشهد السياسي الخليجي، شهد في الآونة الأخيرة العديد من الزيارات التي تركزت في الشرق مع الاحتفاظ بالزيارات الغربية التقليدية، خصوصاً مع بروز تحفظات واسعة من دول مجلس التعاون الخليجي على تحركات ومواقف القوى الغربية التقليدية وفي مقدمتها موقف الولايات المتحدة الأمريكية تجاه القضايا الدائرة في منطقة الشرق الأوسط وانعكاستها على أمن المنطقة.
ومنا هنا، يبرز تصاعد الحديث في الآونة الأخيرة على أهمية تطوير العلاقات الخليجية الباكستانية، وفيما يلي محاولة إلقاء الضوء على أهمية تعزيز تلك العلاقة وتطويرها بما ينعكس إيجاباً على مصالح الطرفين، والحاجة الاستراتيجية للدخول في مرحلة جديدة:
أولاً- الموارد وإمكانيات كل من الطرفين:
تعد باكستان صاحبة ثاني أكبر كتلة ديموغرافية في العالم الإسلامي، والدولة النووية الإسلامية الوحيدة، وهي ذات ثروة زراعية كبيرة، وبنية صناعية واسعة، ويد عاملة مدربة، وسوق كبير على المستوى الآسيوي، وتحظى بوفرة مائية كبيرة، وتمتلك إنتاجاً حربياً محلياً (خفيفاً وثقيلاً) متطوراً، وخبرات وطاقات بشرية واسعة في مختلف المجالات ومنها المجال الأمني والعسكري، وغيرها من المميزات التي تجعلها محلاً لبناء علاقة استراتيجية لأي دولة.
في المقابل، فإن الدخول في مرحلة جديدة من العلاقات الخليجية الباكستانية، يعود أيضاً بالإيجاب على إسلام أباد، نظراً لما تتمتع به دول مجلس التعاون الخليجي من أهمية بالغة، لعدة عوامل منها مواردها الهائلة من الطاقة، وموقعها الجغرافي في منطقة الشرق الأوسط، واحترامها لعلاقاتها الخارجية مع وضوحها، فضلاً عن استثماراتها الواسعة في مختلف المجالات، وسوقها الكبيرة سواء على صعيد السوق العسكرية أو السوق المحلية، فدول المجلس تستورد كافة احتياجاتها تقريباً من الأسواق الأخرى، بالإضافة الى حاجة دول المجلس لمختلف أنواع الأيدي العاملة.
ثانياً: السياسات الخارجية المتزنة، والتحفظ النسبي من واشنطن:
السياسة الخارجية الخليجية تتفق مع نظيرتها الباكستانية على أهمية التواصل والحوار على اعتبار أنه أفضل وسيلة للتفاهم الدولي وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى وتدعيم التعاون بين الدول واحترام الشرعية الدولية لتحقيق السلام والأمن الدولي.
كما أن كل من الطرفين لديه تحفظات على شريك مشترك وهو الولايات المتحدة الأمريكية، ولدى كل من الجانبين تحفظات نسبياً على تذبذ العلاقات مع واشنطن بحسب المصالح الصرفة للأخيرة لا المصلحة الثنائية.
ثالثاً- وحدة الرؤى في القضايا العربية والإسلامية:
يكاد يكون الموقفان الخليجي والباكستاني متطابقين من حيث دعمها للقضايا العربية والإسلامية، ومثال على ذلك موقف الطرفين من القضية الفلسطينية والأزمة السورية.
رابعاً- محاربة التطرف الديني والأيدلوجي:
بالنظر إلى التحديات التي يواجهها الطرفان الخليجي والباكستاني، فإن من أحد أهم المشاغل التي يهتم بها كل من الطرفين، هي محاربة التطرف الديني والأيدلوجي.
فالموقف في إسلام أباد من محاربة الحركات الدينية المتطرفة والمتشددة، وهو ذاته الموقف الخليجي، حيث إن التطابق في هذا الملف يكاد يكون متشابهاً لحد كبير.
خامساً- مكافحة الإرهاب والتعاون الأمني والعسكري:
يلعب الطرفان الخليجي والباكستاني دوراً بارزاً ومهماً في محاربة ومكافحة الإرهاب على المستوى الوطني أو المستوى الإقليمي، ولاشك أن دخول العلاقات الخليجية الباكستانية إلى مرحلة جديدة، سيساهم بشكل إيجابي في محاصرة هذه الظاهرة على مختلف الأصعدة، فدخول الخليج بحاجة ماسة إلى الخبرات الباكستانية في هذا المجال على مختلف الأصعدة، وهو الأمر الذي شهد تعاوناً كبيراً بين دول عدة في دول المجلس مع جمهورية باكستان الإسلامية بشكل فعلي خلال السنوات الماضية.
كما أن سوق الإنتاج الحربي العسكري الواسعة التي تمتلكها إسلام أباد لها سوق كبير في دول المجلس، فضلاً عن التعاون على صعيد الخبرات في المجال العسكري أو الأمني على حد سواء.