حوار - وليد صبري:دعا سفير تونس في البحرين محمد بن يوسف إلى «تجفيف منابع الإرهاب بوقف التحريض عبر المنابر في الجوامع والمساجد»، فيما شدد على «ضرورة حماية بيوت العبادة من استغلالها لغايات سياسية، وأن تكون هناك خطوط حمراء لا يمكن للخطيب أو الداعية تجاوزها، خاصة أن هناك أصحاب فكر منغلق تكفيري، يحرض على العنف». وأدان السفير التونسي في حوار خص به «الوطن»، «تفجير الديه الإرهابي» مؤكداً «دعم بلاده للبحرين في مواجهة الإرهاب»، بينما شدد على أن «الحوار تحت سقف الوطن ونبذ العنف والإرهاب، السبيل لحل الأزمات»، فيما أشاد «بالمشروع الإصلاحي لجلالة الملك» معتبراً أنه «نقلة نوعية في تاريخ البحرين». وأعرب بن يوسف عن «أمله في عودة الخط الجوي المباشر بين تونس والبحرين، من أجل زيادة حجم التبادل التجاري والاستثمارات بين البلدين»، مضيفاً أنه تم «تدشين المرحلة الأولى من المرفأ المالي التونسي بتمويل 3 مليارات دولار من «بيت التمويل الخليجي» في البحرين»، فيما لفت إلى أن «الجولة الخليجية لرئيس الوزراء التونسي مهدي جمعة تهدف إلى دعم وتعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية بين تونس ودول الخليج». وقال إن «الاتحاد الخليجي يحمي شعوب المنطقة ومستقبلها من أية تهديدات لأمنها واستقرارها»، موضحاً أن «تماسك المنظومة الخليجية يشكل قوة لدول الخليج كعامل استقرار وسلام بالمنطقة».وذكر السفير التونسي أن «الحوار الوطني في تونس أخرج البلاد من أزمتها، وأدى إلى انفراج سياسي، ومن ثم تم إقرار الدستور، والتوافق على تشكيل حكومة تكنوقراط، تقود البلاد خلال المرحلة المقبلة، وتشرف على إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية قبل نهاية العام الحالي»، وإلى نص الحوار: * كيف تقيمون العلاقات بين تونس والبحرين في ظل التطورات الإقليمية والدولية؟- بدأت العلاقات الدبلوماسية بين تونس والبحرين منذ العام 1972، وهذا يبرز مدى تجذرها وعمقها ومتانتها، رغم أنها لم تشهد تواصلاً كبيراً بين البلدين في بعض الفترات. وأعتقد أن الجانبين على قناعة بضرورة الترفيع من نسقها، وتنويع مجالات التعاون بينهما، بما يتماشى مع المتغيرات الإقليمية والدولية، التي تقتضي تكثيف التشاور وتعزيز التضامن.ومن خلال لقاءاتي مع أعضاء الحكومة وعلى رأسهم، صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء، وصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، وكذلك جل كبار المسؤولين السامين، بعد تقديمي لأوراق اعتمادي إلى حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، أدركت الحرص الكبير الذي يبديه الجانب البحريني الشقيق على تعزيز العلاقات مع تونس. ولابد أن أعبر في هذا السياق عن بالغ التقدير والامتنان، لما أبداه جلالة الملك من حرص على مشاركة الشعب التونسي احتفالاته باعتماد الدستور الجديد، وذلك من خلال إيفاد نائب رئيس الوزراء سمو الشيخ علي بن خليفة، لتمثيل جلالته في التظاهرة الاحتفالية التي التأمت بتونس في 7 فبراير 2014، وتحميله رسالة إلى السيد رئيس الجمهورية التونسية، ما يؤكد تعزيز حرصه على العلاقات بين البلدين. وذلك يشكل لبنة يتعين البناء عليها للمضي قدماً بعلاقات التعاون بين تونس والشقيقة البحرين، ورفعها إلى المراتب التي تتماشى مع ما يتوفر بالبلدين من إمكانات وقدرات على تطويرها. * كيف تقيمون إصلاحات جلالة الملك في مملكة البحرين؟- لقد منَّ الله على مملكة البحرين برجال صدقوا وأحبوا بلادهم وشعبهم، ويسعون بكل قوة إلى تحقيق الرفاه للشعب البحريني الشقيق. وإن المشروع الإصلاحي لجلالة الملك يتضمن رؤية عميقة تهدف إلى تنمية البحرين وخدمة الشعب البحريني الشقيق، ويشكـــل نقلة نوعية في تاريخ البحرين، حيث فتح أمامها أبواب التوافق، نحو غدٍ أفضل، يحترم فيه المواطن، ويحمي فيه الوطن، وتكون فيه مملكة البحرين للجميع. * كيف ترون لجوء جماعات راديكالية في البحرين إلى العنف والإرهاب، واستهداف رجال الأمن، وترويع المدنيين، بحجة الاحتجاج السلمي؟- أود في هذا الصدد أن أجدد إدانة بلــدي تونس للعمل الإرهابي الذي وقع في قرية الديه، الذي استهدف 3 عناصر من الشرطة، عند تأديتهم لواجبهم الوطني، وأن أؤكد دعمنا الكامل للبحرين، ووقوفنا إلى جانبها، في جهودها الرامية لمكافحة الإرهاب، مجدداً مساندتنا الكاملة للحوار الوطني الذي دعا جلالة الملك لاستئنافه. كما نؤكد أن العنف منبوذ ومرفوض، مهما كانت أسبابه ومبرراته، ولجوء البعض إلى طريق العنف لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يحقق الأهداف مهما كانت مسوغاتها، وعلى هذا الأساس فإننا نرى أن الحوار والتلاقي تحت سقف الوطن هو الضمانة الوحيدة لسد الطريق على كل من يسعى إلى تغيير نمط مجتمعاتنا، وضرب استقرار ومناعة دولنا. * في رأيكم كيف يمكن القضاء على فتاوى رجال دين يدعون للتحريض على العنف واستهداف رجال الأمن؟- ديننا الإسلامي الحنيف هو دين رحمة وتسامح، والمفروض أن توجه الفتاوى لخدمة الناس وبناء الأوطان، والبحرين التي عرفت دين الرحمة وقيم التسامح والاعتدال منذ فجر الإسلام، أرض حبلى برجال الدين الأجلاء الذين سيقفون حتماً، ضد كل ما يسيء إلى الدين الإسلامي الحنيف، وربطه بالعنف ويحفظون الأوطان. القضاء على الإرهاب * كيف يمكن القضاء على الإرهاب؟- الإرهاب لا دين له، ولا جنسية له، وللأسف بعض الأطراف المتشددة سلوكها وانغلاقها وتطرفها أعطى انطباعاً أن هناك علاقة بين الإسلام والإرهاب، والإسلام الحنيف براء من الإرهاب، وعلى مدار عمرنا، لم نشهد الإرهاب في تونس إلا في حالات قليلة فردية ومعزولة، لكن بعد ثورة 14 يناير 2011، واجهت تونس تطرف بعض الجماعات المتشددة، ولكن الحكومة تسعى إلى تطبيق القانون على المخالفين حفظا لسلامة وأمن الأفراد والممتلكات الخاصة والعامة. * هل الفوضى التي أعقبت مرحلة ما يسمى بـ«الربيع العربي» ساهمت في انتشار آفة الإرهاب؟ - في تونس نحن لم نشهد فوضى، بعد ثورة 14 يناير 2011 حدثت اضطرابات وبعض الانفلات، وهذا طبيعي بعد أي ثورة، ومن ثم ضعفت هيبة الدولة، واستغلت الجماعات المتطرفة حالة الضعف، وبدأت في تنفيذ مخططاتها، كما إنها استغلت حالة الاستقطاب والتجاذب السياسي لتنفيذ مآربها، لكن على العكس حينما يتحقق التوافق بين الأحزاب والأقطاب السياسية، وحينما تشدد الدولة قبضتها الأمنية، تختفي تلك الجماعات وتتلاشى أنشطتها الهدامة تماما، وبالتالي سيطرة الدولة على الحالة الأمنية، وحدوث توافق بين القوى السياسية، عوامل تؤدي للقضاء على الإرهاب. وقبل 14 يناير 2011 لم يكن هناك إرهاب، لأن الدولة كانت قوية، رغم أنه كانت هناك حالة استبداد، لكن كانت هناك قبضة أمنية قوية، وللأسف حينما تواجه السلطة الإرهاب، فهي تواجه شبحاً مجهولاً، ومن هنا لابد من اتخاذ عدد من الإجراءات للقضاء على تلك الظاهرة، أبرزها يقظة السلطات الأمنية، إضافة إلى التوافق السياسي بين القوى والأحزاب السياسية، عبر الحوار، واتفاق الجميع على نبذ الإرهاب والعنف، وإِشراك المواطن في جهود الدولة لمكافحة الظاهرة، للقضاء عليها ينعكس إيجاباً على أمنه ومستقبله. وخارجياً، لابد من التنسيق والتشاور بين الدول العربية لمكافحة الإرهاب، وإحباط مخططات الجماعات والتنظيمات المتطرفة. لذلك كل جماعة سياسية لها مطالب عليها أن تجلس على طاولة الحوار تحت سقف الوطن، شرط أن تنبذ العنف والإرهاب، ولا تستخدم المنابر للتحريض، وتكفير المجتمع، وعليها وقف التحريض ضد الدولة، ومن ثم لابد من تجفيف منابع الإرهاب، بوقف التحريض عبر المنابر، وبالتالي ضرورة حماية بيوت العبادة من استغلالها لغايات سياسية، وأن تكون هناك خطوط حمراء لا يمكن للخطيب أو الداعية تجاوزها، خاصة أن هناك أصحاب فكر منغلق تكفيري، ويحرض على العنف. لذلك على الخطباء والدعاة إبراز القيم السمحة للإسلام، التي تدعو للرحمة والاعتدال والعلم والعمل، وما ينفع المجتمعات المسلمة. * كيف ترون الأوضاع في دول ما يسمى بـ«الربيع العربي» خاصة مع انتشار الفوضى وانعدام الأمن؟- إذا كنا نشاهد وجود مظاهر للفوضى وانعدام الاستقرار في بعض دولنا العربية، فإن تونس بفضل شبابها ونسائها تمكنت من اجتياز المرحلة الصعبة التي مرت بها خلال الثلاث السنوات الأخيرة. وقد تسنى للشعب التونسي اعتماد دستور توافقي يؤسس لجمهورية ثانية، وهو ما كان ليحصل لولا نخبته السياسية ووعيها وقوة الدفع من المجتمع المدني والمرأة بشكل خاص. إن رسالة تونس التي يمكن الاستلهام من تجربتها هي القدرة على التوافق والوئام تحت سقف الوطن الواحد، مع ضرورة نبذ الجميع للعنف بكافة أشكاله ورفض التدخل الأجنبي. والمعلوم أن الدستور الجديد تضمن فصولاً أقرت مدنية الدولة، وثبتت حقوق المرأة المكتسبة، مع التنصيص على التمييز الإيجابي، في توزيع الثروات لفائدة المناطق خاصة المحرومة، فضلاً عن تأكيده على الحريات الفردية والمحافظة على الأصالة العربية والإسلامية. ولاشك في أن الدستور يعد أبرز إنجازات المرحلة الماضية، وكان محل إشادة عالمية. الخط الجوي المباشر * كم يبلغ حجم التبادل التجاري بين البحرين وتونس؟- حجم التبادل التجاري بين البلدين أقل من مليون دولار أمريكي، وهو مبلغ متواضع مقارنة بالعلاقات الأخوية التي تربط البلدين، والإمكانات الموجودة لديهما، ويرجع ذلك إلى ما مرت به تونس خلال سنوات ما بعد الثورة، إضافة إلى غياب الخط الجوي المباشر، ولذلك نأمل في عودة الخط الجوي المباشر بين البلدين. وأعتقد أن الاستثمارات ستشهد تدريجياً تطوراً ملموساً، والأسبوع الماضي تم تدشين المرحلة الأولى من المرفأ المالي التونسي بمنطقة رواد شمال تونس العاصمة، بتمويل 3 مليارات دولار، من بيت التمويل الخليجي في البحرين، وهو مشروع كبير وضخم. وفي مجال السياحة، نعمل على الترويج للمناطق السياحية في تونس، وهناك وفد من القطاع الخاص في البحرين سوف يزور البلاد الشهر المقبل لكي يستكشف المناطق السياحية وإمكانيات تطوير السياحة بين البلدين.* كيف تقيمون العلاقات بين تونس ودول مجلس التعاون؟- شهدت العلاقات الاقتصادية بين تونس ودول مجلس التعاون الخليجي قبل الثورة تطوراً ملموساً انعكست في زيادة حجم التبادل وتوسع الاستثمارات والمشاريع المشتركة بينهما. وبعد سنة 2011 وفي مسعى من الأشقاء من الدول الخليجية في مساعدة تونس على إنجاح المرحلة الانتقالية، سعى الجانبان لتطوير العلاقات الاقتصادية وتنفيذ مشاريع مشتركة على غرار مشروع المرفأ المالي الذي سوف ينطلق في مرحلة التنفيذ الفعلي بتمويل من بيت التمويل الخليجي بالبحرين، وهو مشروع ضخم ينتظر أن يخلق آلاف فرص العمل، وسيكون أنموذج المشاريع الناجحة بين البلدين الشقيقين. ويجري العمل حالياً على تنظيم المنتدى الخليجي التونسي للاستثمار بتونس مايو المقبل ونأمل أن تكون المشاركة البحرينية فيه فعالة بما يدعم فرص الاستثمار المشترك بين البلدين. * يرى محللون أن الاتحاد الخليجي يحمي دول مجلس التعاون من أخطار إقليمية، إلى أي مدى تتفقون مع هذا الطرح؟- يحمل الاتحاد الخليجي في طياته حماية لشعوب المنطقة ومستقبلها من أية تهديدات لأمنها واستقرارها، وتكاتف وتماسك المنظومة الخليجية يشكل قوة لدول الخليج مجتمعة كعامل استقرار وسلام بالمنطقة. * كيف تقيمون زيارة رئيس الحكومة التونسية لدول الخليج؟- رغم الانفراج السياسي الذي تشهده تونس، فإن الاضطرابات والصعوبات التي شهدتها البلاد ألقت بظلالها على الوضع الاقتصادي والاجتماعي، وفي أول مداخلة إعلامية له، صارح رئيس الحكومة السيد مهدي جمعة، الشعب التونسي بحقيقة الأوضاع، ودعاه للعمل والاجتهاد ولتقديم المزيد من التضحيات، من أجل تجاوز الصعوبات الاقتصادية التي تمر بها البلاد. وتونس تعول على علاقاتها الوثيقة مع الدول الشقيقة والصديقة للمساهمة في إخراج البلاد من أزمتها الاقتصادية الظرفية. وإن الجولة الخليجية التي يقوم بها السيد رئيس الحكومة تتنزل في إطار حرص تونس الكبير على مزيد من الانفتاح على الأشقاء بدول الخليج، والارتقاء بالعلاقات إلى أفضل المراتب، وإلى تكثيف التشاور معها، وتأكيد التضامن العربي في هذا الظرف الدقيق الذي تمر به المنطقة العربية. وجولة رئيس الحكومة في دول الخليج هي ثالث جولة خارجية يقوم بها بعد الجزائر والمغرب، وتُولي الحكومة أهمية خاصة إلى تلك الجولة من أجل تأكيد العمق العربي لتونس وتضامنها مع دول الخليج، ومناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك إضافة لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية.* بعد إقرار الدستور، وتشكيل حكومة جديدة، ماذا عن الانتخابات التشريعية والرئاسية؟- لقد مكن الحوار الوطني في تونس من إخراج البلاد من أزمتها وتحقيق انفراج سياسي، وتم إقرار الدستور، والتوافق على تشكيل حكومة تكنوقراط برئاسة السيد مهدي جمعة، تقود البلاد خلال المرحلة المقبلة، وتشرف على إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية قبل نهاية العام الجاري. وسينتخب رئيس الجمهورية مباشرة من الشعب، وفقاً للدستور.