لا يعرف البشر اليوم الكثير عن الموسيقى التي كان يعزفها أسلافهم في فجر البشرية، لكن متحف باريس يقدم السبت عرضاً موسيقياً مفتوحاً للجمهور قوامه آلات مصنوعة من الحجر عمرها آلاف السنوات حفظت لوقتنا هذا.
ففي الذكرى الثمانين لتأسيس الاوركسترا الوطنية في فرنسا، تعود هذه الآلات الموسيقية الحجرية «ليتوفون» إلى العمل بعد آلاف السنوات، وهي عبارة عن إسطوانات حجرية طولها بين ثمانين سنتيمتراً ومائة.
وبعد العرض، تعود هذه الآلات البالغ عددها 23 إلى مكانها في المتحف، إذ «لن تستخدم في أي عرض موسيقي في المستقبل»، بحسب ما يؤكد اريك غونتييه المسؤول في المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي في باريس.
واكتشفت هذه الآلات الموسيقية العائدة إلى حقبة ما قبل التاريخ على يد العسكريين الفرنسيين في أراضي المستعمرات السابقة في قارة افريقيا، وذلك في مطلع القرن العشرين، ومنذ ذلك الوقت ظلت هذه الآلات صامتة في إدراج المتحف، لا بل أنها صنفت على أنها مطارق أو فؤوس.
لكن نظرة تفحص من المتخصصين أظهرت حقيقة هذه الأدوات.
ويقول اريك غونتييه «ما يميز هذه الآلات عن الفؤوس والمطارق هو طولها وعرضها الذي يتيح إمساكها باليد، وأيضاً صوتها، فالضرب عليها يولد صوتاً كصوت الجرس».
وبهذه الطريقة تمكن غوتييه من اكتشاف اول آلة موسيقية حجرية عثر عليها في الصحراء في العام 2004.
ويشرح أنه أول الأمر كان يمسك الآلة بيده أو يضعها على الطاولة ويضربها بلطف بمواسطة مطرقة صغيرة، لكن دون جدوى.
ويقول «بعد ذلك تذكرت البيانو الذي كان في بيت جدتي، وكيف أن أوتاره كانت محمولة على قطع من اللباد بحيث تهتز بشكل جيد وتولد الصوت المطلوب».
ويضيف «عندها بحثت في نفايات المتحف عن قطع لباد مماثلة ووضعتها تحت الآلة الموسيقية الحجرية وقرعت عليها فولدت صوتاً رناناً».
وهذه الآلة هي الأجمل من بين كل الآلات المماثلة التي عثر عليها بعد ذلك، وقد أطلق عليها اسم ستراديفاريوس» تيمناً بأحد أشهر صانعي آلات الموسيقى في العالم الذي عاش في القرن الثامن عشر.
ويراوح عمر هذه الآلات الموسيقية الحجرية بين 4500 عام وعشرة آلاف، وعثرعليها بين السودان والنيجر وساحل العاج.
ويقول المسؤول في المتحف «تشكل هذه الالات التسجيل الموسيقي الاقدم في العالم، فهي آلات يمكن من خلال القرع عليها استعادة اصوات الموسيقى البشرية قبل التاريخ، وهي تحمل من مكان إلى آخر».
وعثر على هذه الآلة القيمة على بعد 1500 كيلومتر من الصخرة إلتىي استخرجت منها.
ولا يمكن معرفة الشكل الدقيق الذي كانت تستخدم فيه الآلة، لكن الأكيد أن هذا الصوت الصادر منها اليوم هو نفسه الصوت الذي كان يصدر منها قبل التاريخ.
ويقول غونتييه «عندما أسمع زملائي يتحدثون عن الفن ما قبل التاريخ ويهملون الآلات الموسيقية الحجرية أفقد أعصابي».
ويبدي هذا الشغوف بفنون ما قبل التاريخ رغبته في زيارة مغارة تحمل نقوشاً ورسوماً للإنسان الأول، وأن يعزف فيها على الآلات الحجرية في «صالات السينما الأولى تلك في تاريـــخ البشــرية»