أكد رئيس هيئة التشريع والإفتاء القانوني المستشار عبدالله بن حسن البوعينين أن الهيئة غير معنية بأي اعتبارات سياسية قد تكون موجودة في أي من الموضوعات المحالة إليها، مشيراً إلى أن الهيئة لا تعتبر خصماً وحكماً في آن واحد فيما يتعلق باختصاصها في تفسير نصوص القوانين ومراجعتها، وأن اختصاص مراجعة وإعداد القوانين يعد «أعمالاً تحضيرية» لذا فإنه من غير المنطقي أن تكون خصماً.
وكشف المستشار عبدالله بن حسن البوعينين، في حوار خاص مع «الوطن»، عن أن الهيئة تعمل في الوقت الراهن على إعداد اللائحة التنظيمية المتعلقة بشؤون الأعضاء، وسوف تصدر خلال الفترة المقبلة.
وأوضح أن الهيئة تعمل على إعلاء كلمة القانون دون محاباة أو مواربة، تحقيقاً للصالح العام، مضيفاً «لا يهمنا في الهيئة من خلال ممارستنا لاختصاصاتنا بشكل عام أن يكون رأينا سواء في مجال الإفتاء القانوني أو إعداد وصياغة التشريعات أن يتطابق مع رأي الوزارات أو الهيئات الحكومية، فهذا آخر ما نشغل بالنا به».
وقال إن الهيئة سترد على طلب التفسير الاتفاقي في حال ما إذا تمت الموافقة عليه من قبل مجلس النواب، مؤكداً احترام الهيئة لأي قرار يصدره أعضاء المجلس بهذا الخصوص، وأن الهيئة تقف على مسافة واحدة بين الحكومة ومجلسي الشورى والنواب على حد سواء.
وبيّن أن الأعمال التحضيرية التي تقوم بها الهيئة عبر مراجعتها وإعدادها للمسودات مشاريع ومقترحات القوانين، فضلاً عن اجتماع الهيئة مع المختصين من الجهات ذات العلاقة أثناء عملية الصياغة يعطيها دوراً مهماً عند ممارسة اختصاصها في تفسير نصوص القوانين، موضحاً أن الهيئة ليست جهة رقابية واختصاصها في التفسير أقرب إلى عمل الٌمحَكَّم.
ووجه البوعينين شكره إلى أعضاء مجلسي الشورى والنواب لكونهم شركاء في تعزيز الاستقلالية التامة التي تتمتع بها هيئة التشريع والإفتاء القانوني عبر موافقتهم على القوانين والمراسيم بقوانين الخاصة بالهيئة.
وأشار إلى أن الاستجواب يعد حقاً أصيلاً لمجلس النواب وهو أحد ثمار المشروع الإصلاحي، مؤكداً أن الهيئة في ممارستها لاختصاصاتها تنظر إلى الجوانب القانونية البحتة وهي غير معنية إطلاقاً بالاعتبارات السياسية.
ونوه رئيس هيئة التشريع والإفتاء القانوني إلى أن المشروع الإصلاحي لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى أعلى من شأن السلطة القضائية ووفر لها كافة المقومات لضمان استقلاليتها، مشيراً إلى أن الاستقلالية التامة و»الطبيعة القضائية» التي تحظى بها الهيئة جعلت منها نموذجاً للهيئات المعنية بالتشريع والإفتاء القانوني على الصعيد الإقليمي والدولي.
وكشف البوعينين أن الهيئة في ممارستها لعملها تختلف كثيراً مع وزارات وهيئات الحكومة، موضحاً أن الهيئة تبدي رأيها بشكل فني متخصص دون الالتفات إلى تطابقه مع رأي الجهة المستفسرة من عدمه.
وفيما يلي نص الحوار:
== يدور النقاش اليوم لدى البعض حول مدى ما تتمتع به هيئة التشريع والإفتاء القانوني بالاستقلالية التامة من عدمه عن الحكومة، وذلك بمناسبة طلب الحكومة من مجلس النواب تقديم طلب مشترك إلى الهيئة..فما هو تعليقكم على ذلك؟
هيئة التشريع والإفتاء القانوني تتمتع بالاستقلالية التامة عن الحكومة سواء من الناحية القانونية أو من الناحية العملية.
والهيئة بما أسبغه عليها المشرع من كونها ذات طبيعة قضائية، وأشار لها دستور البحرين المعدل في عام 2002 ضمن الفصل الرابع الخاص بالسلطة القضائية حيث نص البند (ج) من المادة (104) على أن ((يضع القانون الأحكام الخاصة بالنيابة العامة، وبمهام الإفتاء القانوني، وإعداد التشريعات، وتمثيل الدولة أمام القضاء، وبالعاملين في هذه الشؤون))، وإنفاذاً لهذاالتوجه الدستوري صدرالقانون رقم (60) لسنة 2006 بشأن إعادة تنظيم دائرة الشؤون القانونية– مسمى الهيئة في السابق هو دائرة الشؤون القانونية- حيث أكد في مادته الأولى على أن الهيئة مستقلة وجاء في المادة السادسة من القانون المشار إليه أن الهيئة تمارس اختصاصاتها الفنية في استقلال، فلا يجوز التدخل لديها في كل ما يتعلق بمباشرة هذه الاختصاصات.
إلا أن القانـــون رقــم (60) لسنـــة 2006 وإن أكـــد على استقلالية الهيئة إلا أنه ألحقها بوزير العدل، ونص ضمن اختصاصاتها على اختصاصها بتمثيل الحكومة بمختلف وزاراتها وإداراتها ومؤسساتها وهيئاتها العامة فيما يرفع منها أو عليها من قضايا لدى المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، ولدى هيئات ومراكز التحكيم، والجهات الأخرى التي يخولها القانون اختصاصاً قضائياً.
وهي إشكاليات كانت موجودة في ذلك الوقت، فكيف تكون الهيئة مستقلة وهي تتبع وزير العدل او تقوم بمهمة تمثيل الدولة أمام القضاء، لذا صدر المرسوم بقانون رقم (34) لسنة 2010 بتعديل بعض أحكام القانون رقم (60) لسنة 2006 بشأن إعادة تنظيم دائرة الشؤون القانونية، لإزالة أي لبس أو غموض بهذا الخصوص.
والمرسوم بقانون رقم (34) لسنة 2010 عزز الاستقلالية التامة لهيئة التشريع والإفتاء القانوني عن الحكومة، من خلال مناحي عدة منها حذفه لمسألة التبعية لوزير العدل والتأكيد على شخصيتها المستقلة من جانب، ومن جانب آخر إلغاء اختصاص تمثيل الدولة ووزاراتها أمام القضاء ومنحه لجهاز قضايا الدولة بوزارة العدل، لذا فالاستقلالية التامة من الناحية القانونية بدأت في عام 2010 بصدور المرسوم بقانون المشار إليه.

== إذا كانت الاستقلالية التامة من الناحية القانونية لهيئة التشريع والإفتاء القانوني تحققت فعلياً في عام 2010، لماذا أضيفت عبارة «ذات طبيعية قضائية» في المادة الأولى الخاصة بالتعريف عن الهيئة في المرسوم بقانون الذي صدر خلال العام الماضي؟
نظراً لتكوين الهيئة وطبيعة عملها والاختصاصات التي تمارسها، وما أظهره الواقع العملي ورغبة أيضاً في إزالة أي غموض أو سوء فهم، رأى المشرع التأكيد على الاستقلالية التامة التي تتمتع بها الهيئة باعتبارها جزءاً أصيلاً من السلطة القضائية بإضافة عبارة «ذات طبيعة قضائية» مباشرة بعد عبارة «هيئة مستقلة» وهو التعديل الذي جاء به المرسوم بقانون رقم (27) لسنة 2013 بتعديل بعض أحكام القانون رقم (60) لسنة 2006 بشأن إعادة تنظيم هيئة التشريع والإفتاء القانوني.
كما أن المرسوم بقانون رقم (27) لسنة 2013 أوجد لهيئة التشريع والإفتاء القانوني الاستقلال التام على الصعيد الإداري، وهو ذات التوجه الذي ذهب إليه المشرع أيضاً بالنسبة للمحكمة الدستورية وللمجلس الأعلى للقضاء.
حيث جاء في التعديل الأخير لقانون الهيئة المشار إليه، أنه يصدر بقرار من رئيس الهيئة بعد موافقة مجلس الهيئة لائحة بتنظيم كافة الشؤون الوظيفية لأعضاء الهيئة، بما يتفق وطبيعة العمل بالهيئة، وهو الأمر الذي عزز الاستقلالية التامة التي تتمتع بها الهيئة وأعضاؤها، ولا يخل بذلك أن الباحثين القانونيين والموظفين الإداريين يسري بشأنهم قانون الخدمة المدنية.
ونحن نعمل في الوقت الراهن على اللائحة التنظيمية المتعلقة بشؤون أعضاء الهيئة، وسوف تصدر خلال الفترة القادمة إن شاء الله.
ولا شك أن الاستقلالية التامة والطبيعة القضائية التي تتمتع بها الهيئة جعلها نموذجاً سباقاً، والهيئة تعتبر اليوم نموذجاً للهيئات المعنية بالتشريع والإفتاء القانوني على المستوى الإقليمي والدولي، الأمر الذي يشكل نقطة إضافية في سجل الإصلاحات الشاملة التي جاء بها المشروع الإصلاحي لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى على مختلف الأصعدة، ومنها ما تحقق في عهد جلالته من ارتقاء وأعلى شأن السلطة القضائية وتوفير كافة المقومات اللازمة لها لتحظى بالاستقلالية التامة عن السلطتين التنفيذية والتشريعية على حد سواء.

== إذا كانت الاستقلالية والطبيعة القضائية اللتان تحظى بهما اليوم هيئة التشريع والإفتاء القانوني واضحتين.. لماذا في رأيك يوجد لبس من قبل البعض بهذا الخصوص؟
أولاً لابد من الإشارة إلى أن هذا اللبس لم يعد موجوداً لدى أطراف واسعة وخصوصاً من يتعامل بشكل دائم مع الهيئة، وقد يكون ما زال غير واضح بالصورة الكافية لدى فئات قليلة.
وربما يكون سببه التطور التاريخي للهيئة والمحطات التي مرت بها، فتاريخ الهيئة ليس وليد اليوم ويرجع إلى سبعينيات القرن الماضي فهي كانت في البداية اللجنة القانونية لمجلس الدولة - مجلس الوزراء، ومن ثم أصبحت تحمل مسمى دائرة الشؤون القانونية وكانت ملحقة بمجلس الوزراء وتكون تحت إشراف وزير دولة في السبعينيات أيضاً، ومن بعدها أصبحت هيئة مستقلة إلا أنها كانت تتبع وزير العدل في عام 2006، إلى أن أصبحت مستقلة تماماً عن الحكومة في 2010 تحت مسمى «هيئة التشريع والإفتاء القانوني» لذا قد يكون هذا سبباً لهذا اللبس خاصة وأنه قد استمر لسنوات طويلة.
ونحن في الهيئة نعمل اليوم على إعلاء كلمة القانون دون محاباة أو مواربة، رائدنا في ذلك تحقيق الصالح العام، ممسكين بسلاح العلم والمعرفة والخبرة القانونية التي امتدت على ما يزيد على أربعة عقود والتي يتمتع بها كوادر الهيئة من المستشارين البحرينيين بجانب القضاة غير البحرينيين وأساتذة الجامعات.


== في ممارستك لاختصاصاتكم خاصة ما يتعلق بمهام الإفتاء القانوني وإعداد وصياغة التشريعات، هل سبق لكم الاختلاف مع الحكومة؟
لا يهمنا في الهيئة من خلال ممارستنا لاختصاصاتنا بشكل عام أن يكون رأينا سواء في مجال الإفتاء القانوني أو إعداد وصياغة التشريعات أن يتطابق مع رأي الوزارات أو الهيئات الحكومية، فهذا آخر ما نشغل بالنا به، وأقول ذلك بشكل واضح أن الهيئة تمارس اختصاصاتها كافة بالتحلي بالموضوعية والمهنية القانونية الصرفة، إذ إن الهدف المشترك بيننا جميعاً هو تحقيق المصلحة العامة وليس مصلحة وزارة أو هيئة حكومية أو خلافه.
وفي هذا الصدد، نود أن ننوه بأن الإفتاء القانوني على سبيل المثال هو حصيلة إفتاء مستمر ومتتال لسنوات طوال عمل على إرساء مبادئ القانون العام لجهة الإدارة إبّان ممارسة جهة الإدارة لعملها اليومي، وهناك مبادئ تراكمت لسنوات طويلة لا يستطيع أي شخص في ممارستها لعملية إبداء الرأي القانوني الخروج عليها، وبعض تلك المبادئ متعارف عليها ليس في البحرين فقط، وإنما على الصعيد الإقليمي والدولي، يشاركها في وضعها ليس فقط الجهات المعنية بالإفتاء القانوني وانما يشاركها في ذلك أيضاً ما تخلص له محاكم التمييز أوالمحاكم الإدارية العليا بل وحتى المحاكم الدستورية في القضايا الإدارية.

== هل بالإمكان أن تتطرق لأمثلة لآراء اختلفت فيها الهيئة مع الوزارات والهيئات الحكومية؟
تباين وجهات النظر واختلافنا في الرأي القانوني مع الوزارات والهيئات الحكومية، يكاد أن يكون أمراً يحدث بصورة مستمرة وقد يكون ذلك أمراً يومياً، فعلى سبيل المثال في ممارستنا لاختصاص الإفتاء القانوني نختلف في أحيان كثيرة مع الجهات الرسمية حيث يلجأ بعضها إلى إلحاق مذكرته بطلب الرأي القانوني من الهيئة برأي في ذات المسألة قام بإعداده، وكأنه يحاول بذلك أن يفرضه أو يمليه علينا أو يدفع به في اتجاه محدد. ونحن في الهيئة نقوم بدراسة المساءلة الواردة في إبداء الرأي القانوني بتجرد دون التأثر بهذا الرأي القانوني الوارد من الجهة، ونبدي رأينا بشكل علمي ومنهجي دون الالتفات إلى تطابق هذا الرأي مع ما أرفقته الجهة المستفسرة من عدمه.
وكمثال عام أيضاً على حيادية الهيئة، يرد إلينا بصفة شبه مستمرة اختلاف في الآراء القانونية بين وزارتين اتفقتا على اللجوء إلى الهيئة من أجل الفصل في ذلك الاختلاف، ونقوم أيضاً بالبحث في المساءلة الواردة واستخلاص الرأي القانوني السليم والفصل في ذلك الخلاف، وبمناسبة الحديث عن الفصل بين الوزارات والهيئات الحكومية والشركات التابعة بالكاملة للدولة، فصلت الهيئة مؤخراً بين وزارة المواصلات وشركة مطار البحرين (شركة مملوكة للدولة بالكامل) في شأن أحد أوجه الاختلاف القانوني بينهما، وذلك بعد أن تأكدت أولاً من رغبة كلا الطرفين للجوء إليها، فضلاً عن الحصول على وجهة كل الطرفين القانونية، وقامت بالفصل في هذا الخلاف.
وبناء على رغبتكم بالتطرق إلى مثال آخر خاص وواضح لتباين وجهات النظر بين الهيئة ووزارات الحكومة، يمكن التطرق إلى فتوة أصدرتها الهيئة لإحدى الوزارات أكدت فيها على أحقية مجلس النواب بتشكيل لجان تحقيق في الشركات المملوكة للدولة بنسبة 100%.
وخلاصة القول إن الهيئة تعمل بشكل علمي ومهني بحت، ولا يهمها أن يكون رأيها يختلف أو يتفق مع أي من الجهات، وهي تقف على مسافة واحدة في علاقتها بكل من السلطة التنفيذية (الحكومة) والسلطة التشريعية (مجلسي الشورى والنواب)، وعلى مسافة واحدة أيضاً بين وزارات الدولة في حال اختلافها ولجوئها إلى الهيئة، وعلى مسافة واحدة أيضاً بين مجلسي الشورى والنواب.

== بالعودة إلى موضوع تقدم الحكومة بطلب رأي مشترك مع مجلس النواب للهيئة..ما هو رأيكم في ذلك؟
لم نستلم أي شيء رسمي من قبل الحكومة ومجلس النواب في هذا الخصوص، ولن نتحدث فيه، والرد عليه سيكون فقط عبر مذكرة الهيئة التي ستصدر في حال إذا ما تم إرسال هذا الطلب لنا، وذلك بعد الدراسة والتمحيص كما هو الحال في أي مساءلة ننظرها.
- هناك من يقول بأن لدى النواب أكثر من رأي بخصوص طلب الحكومة، وأن هناك انقساماً بين النواب في الآراء بين مؤيد ومعارض..فما هو تعليقكم؟
أود أن أؤكد على أن المقترح المقدم من قبل الحكومة هي من تقوم بالدفاع عنه وإقناع أعضاء مجلس النواب بمدى الموافقة عليه من عدمها، وتقتصر معلوماتنا على ما تم نشره في الصحافة، ونحترم أي قرار سيتخذه أعضاء مجلس النواب في ذلك.
وفي النهاية، فإننا في هيئة التشريع والإفتاء القانوني على استعداد دائم لممارسة أي من اختصاصاتنا القانونية التي وردت في قانون الهيئة في أي وقت.

== هناك من قال بأن الهيئة في ممارستها لاختصاص تفسير نصوص القوانين يجعل منها خصماً وحكماً في أن واحد نظراً لاختصاصها أيضاً بإعداد وصياغة التشريعات، وهو ما قد يحول دون موافقة النواب على الطلب..ما رأيكم؟
أكرر بأني لن أعلق على موضوع الطلب المقدم من قبل الحكومة، وما أريد أن اوضحه في هذا الشأن أن عملية التفسير تعتبر أحد روافد الإفتاء القانوني، ويتركز دور الهيئة في الإطار التطبيقي للنصوص القانونية.
وليس صحيحاً أن الهيئة هي خصم وحكم فيما يتعلق باختصاصها بإعداد وصياغة التشريعات بجانب اختصاصها أيضاً بتفسير نصوص القوانين، فالهيئة تتولى وضع الاقتراحات بقوانين المحالة من أي من المجلسين إلى الحكومة في صيغة مشروعات قوانين، وإعداد وصياغة مشروعات القوانين التي تحال إليها من مجلس الوزراء والوزارات المختصة، وليس بخافٍ أن عملية صياغة مشروعات القوانين وإعداد وصياغة مشروعات القوانين لا تعني أن ما تجريه من أعمال الصياغة يكون ملزماً للكافة، بل هو مجرد عملية تحضيرية للقانون المزمع إصداره والذي يمر بمراحل عديدة ومركبة يصبح بعدها ملزماً للكافة عقب إقراره من السلطة التشريعية بغرفتيها والتصديق عليه، ويبدو من غير المنطقي أن تكون الهيئة خصماً لمجرد اشتراكها في أولى مراحل التشريع، في حين يخضع التشريع الذي صاغته الهيئة لمناقشات في أروقة البرلمان ولا تكون الهيئة طرفاً في تلك المناقشات.
فالهيئة أحد شركاء ثلاثة يختصون بالعملية التشريعية، تقوم الهيئة فيها بالصياغة التشريعية لمشروعات القوانين المقدمة من الحكومة، والاقتراحات بقوانين المقدمة من السلطة التشريعية، ويكون للحكومة دور في ذلك بإرفاق مذكرة الحكومة على مشروع القانون وتضمين وجه نظر الحكومة، ومن بعدها السلطة التشريعية القول الفصل في إصدار التشريع ووضعه موضع التنفيذ، ولا يتصور أن مجرد اشتراك الهيئة في المرحلة الأولى للتشريع المتمثلة في إعداد وصياغة التشريعات يجعل منها خصماً في العملية التشريعية.
وليس بخافٍ أن المرحلة الأولى من العملية التشريعية تمثل الأعمال التحضيرية السابقة على إعداد التشريع، وتقوم الهيئة بعقد المزيد من الاجتماعات مع الجهات ذات الصلة، وكل ذلك يكون له أثره البارز والمهم في بيان قصد المشرع عند القيام بمهمة التفسير.

== هناك تحفظات من قبل بعض أعضاء مجلسي الشورى والنواب على إلزامية رأي الهيئة في حال اللجوء الاتفاقي لها، فما هو رأيكم في ذلك؟
لأعضاء السلطة التشريعية بغرفتيه مجلسي الشورى والنواب كل التقدير والاحترام، ولابد من الإشارة هنا الى أن النواب والشوريين كان لهم دور كبير في تعزيز استقلالية هيئة التشريع والإفتاء القانوني من خلال مناقشتهم واقرارهم للقوانين ومراسيم القوانين التي صدرت لتعظيم مكانة هيئة التشريع والإفتاء القانوني، ومساهمتهم في توفير البيئة القانوني الملازمة لها من أجل القيام بدورها المهم والحيوي، وانتهز هذه المناسبة بتوجيه الشكر لهم على ذلك.
اما فيما يتعلق بوجود التحفظات التي اشرتم إليها (في حال إذا ما صح ذلك)، فدعونا أولاً أن نشير إلى أن إلزامية رأي الهيئة فيما يتعلق بتفسير القوانين (في حال موافقة كل من الحكومة وأحد المجلسين على ذلك) لم تكن موجودة قبل أن تتمتع الهيئة بالاستقلالية التامة عن الحكومة (عندما كانت ملحقة في السابق بوزير العدل)، ولم يكن هناك حق في أن يلجأ الطرفان (الحكومة وأحد المجلسين، أو أن يكون الخلاف بين المجلسين «الشورى والنواب») حيث كان يقتصر طلب تفسير نصوص القوانين على رئيس مجلس الوزراء أو رئيس مجلس الشورى أو رئيس مجلس النواب ولم يتم التطرق أصلاً للحق في اللجوء الاتفاقي.
ومع تمتع هيئة التشريع والإفتاء القانوني بالاستقلالية التامة عن الحكومة في عام 2010 عبر المرسوم بقانون الصادر في ذلك الوقت، تم إضافة هذا الاختصاص باللجوء الاتفاقي للهيئة، فإذا كان لدى أعضاء مجلس النواب أو مجلس الشورى تحفظ فإنهم لن يوافقوا على طلب اللجوء للهيئة أبداً.
ومن الطبيعي أن يتوقف عنصر الإلزام في التفسير الصادر عن الهيئة على إرادة طالب التفسير، فالهيئة ليست جهة رقابية حتى يكون تفسيرها ملزماً للكافة، بل أن عملها في هذا الصدد يبدو أقرب إلى عمل المحكم الذي يطلب منه الأطراف برضائهم الفصل فيما يثور بينهم من خلافات، وبالتالي فإن مصدر الالتزام بالرأي التفسيري يتمثل في إرادة طالب التفسير الذي ارتضى مقدماً الالتزام بما تنتهي إليه الهيئة.
هذا بالإضافة إلى أن اختصاص الهيئة بالتفسير الملزم ليس بدعة ابتدعها المشرع البحريني، بل هو طريق سلكه العديد من مشرعي النظم القانونية المقارنة مثل المشرع المصري الذي منح الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة هذا الاختصاص في المنازعات بين الجهات الإدارية وبعضها.

== هل تعتقدون أن سبب إلقاء الضوء الآن على اختصاص التفسير..ل+تعلقه بموضوع استجواب مطروح أمام أعضاء مجلس النواب لأحد الوزراء؟
هيئة التشريع والإفتاء القانوني في نظرها لأي من الموضوعات لا تنظر إلا في الجوانب الموضوعية والقانونية البحتة، وهي غير معنية بأي اعتبارات سياسية قد تكون موجودة في أي من الموضوعات المحالة إليها فهي ليست من اختصاصاتنا.
وحق الاستجواب هو حق أصيل لمجلس النواب تم منحه لأعضائه وفق ضوابط دستورية وقانونية وضعت بشكل محدد ومنضبط ولا يملك أي أحد انتزاع هذا الحق منهم، ومجلس النواب وما يمتلك من صلاحيات بما في ذلك صلاحية استجواب الوزراء يعد ثمار المشروع الإصلاحي الذي أرساه جلالة الملك المفدى.
ومادام لم يأتنا طلب التفسير الاتفاقي من قبل مقدميه فلا يمكننا الغوص فيه بأي صورة كانت، أود هنا أن أؤكد في الختام بأن الطلب في حال تحققه على أرض الواقع فإنه سيدرس بحيادية وبالنظر في شقه القانوني الصرف دون النظر لأي اعتبارات أخرى.
كما أؤكد على استعدادنا التام لمناقشة ما قد يسفر عنه الرأي (في حال إذا ما تم تقديم الطلب الاتفاقي) مع الجهات الطالبة لتوضيح ما قد يتضمنه الرأي من أمور متى ما ارتأى الطرفان ذلك.