أكد علماء ودعاة أن «الحب في الله أوثق عرى الإسلام والإيمان»، مشيرين إلى أن «المحبة في الله هي المحبة الدائمة الباقية إلى يوم الدين، وكل محبة تنقلب عداوة يوم القيامة إلا ما كانت من أجل الله وفي طاعته». واستشهد العلماء بالحديث الشريف، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي»، وأخرج الترمذي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله عز وجل: «المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء».
من جهته، قال الداعية احمد صبري إن «الحب في الله رابطة من أعظم الروابط، جعلها سبحانه أوثق عرى الإسلام والإيمان، فقال صلى الله عليه وسلم: «أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله والمعاداة في الله، والحب في الله، والبغض في الله عز وجل، بل إن الإيمان لا يكتمل إلا بصدق هذه العاطفة، وإخلاص هذه الرابطة، قال صلى الله عليه وسلم: «من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان»، لذلك فالمؤمن يحب من يطيع الله، ويبغض من يعصيه، وبمجرد أن يترك معصية خالقه، يصبح مقرباً منه، لأن البغض كان مؤقتاً بسب ما كان يقوم به من معصية».
وذكر أنه «من أراد أن يشعر بحلاوة الإيمان، ولذة المجاهدة للهوى والشيطان فهذا هو السبيل، ففي الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار»، والمرء يفضل على صاحبه بمقدار ما يكنه له من المحبة والمودة والإخاء، قال صلى الله عليه وسلم: «ما تحاب اثنان في الله تعالى إلا كان أفضلهما أشدهما حباً لصاحبه».
وأضاف الشيخ صبري أن «الجزاء في الآخرة هو ظل الرحمن يوم لا ظل إلا ظله، وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أن «من بين السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه»، موضحاً أنه «ليس معنى الحديث مجرد رجلين، فيمكن أن يكونا امرأتين، أو شابتين، أو غلامين، أو مجموعة رجال، أو مجموعة نساء».
والأصل في الحب والبغض أن يكون لكل ما يحبه الله أو يبغضه، ولهذا فإن شرط هذه المحبة أن تكون لله وفي الله، لا تكدرها المصالح الشخصية، ولا تنغصها المطامع الدنيوية، ولما سئل أبو حمزة النيسابوري عن المتحابين في الله عز وجل من هم؟ فقال: «العاملون بطاعة الله، المتعاونون على أمر الله، وإن تفرقت دورهم وأبدانهم «.
من جهته، أشار الداعية الشيخ محمد عبدالصادق إلى أن «المتحابين في الله هم جيران الله يوم القيامة، في أعلى عليين، وهم الذين تتشرف الملائكة بالحديث معهم، وهم على أبواب الجنة، قالوا لهم: بما جاورتم الله عز وجل؟ قالوا: كنا نتزاور في الله، وكنا نتجالس في الله، وكنا نتباذل في الله، فقيل ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين».
والمحبة في الله هي المحبة الدائمة الباقية إلى يوم الدين، فإن كل محبة تنقلب عداوة يوم القيامة إلا ما كانت من أجل الله وفي طاعته، قال سبحانه «الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين»، وقد روى الترمذي أن أعرابياً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم، فقال صلى الله عليه وسلم: «المرء مع من أحب».
وأما من أحب شخصاً لهواه، أو لدنياه، أو لمصلحة عاجلة يرجوها منه، فهذه ليست محبة لله بل هي محبة لهوى النفس، وهى التي توقع أصحابها في الكفر والفسوق والعصيان.
ورأى العلماء أن «هناك أموراً تزيد في توثيق هذا الرباط العظيم وتوطيده، حث عليها النبي صلى الله عليه وسلم ومنها إعلام الأخ الذي له في نفسك منزلة خاصة، ومحبة زائدة عن الأخوة العامة التي لجميع المؤمنين بأنك تحبه، ففي الحديث: «إذا أحب أحدكم صاحبه فليأته في منزله فليخبره أنه يحبه لله»، وفي رواية: «فإنه أبقى في الألفة وأثبت في المودة». ومن مظاهر ذلك، تبادل العلاقات الأخوية، والإكثار من الصلات الودية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم».
وهناك حقوق بين المتحابين توجبها وتفرضها هذه المحبة، ويستدل بها على صدق الأخوة وصفاء الحب، منها أن تحسب حساب أخيك في ما تجره إلى نفسك من نفع، أو ترغب بدفعه عن نفسك من مكروه، وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أبا هريرة بقوله: «وأحب للمسلمين والمؤمنين ما تحبه لنفسك وأهل بيتك، واكره لهم ما تكره لنفسك وأهل بيتك، تكن مؤمناً». ومنها أيضا ما تقدمه لأخيك من دعوات صالحات حيث لا يسمعك ولا يراك، ومن الحقوق بين المتحابين أيضاً الوفاء والإخلاص والثبات على الحب إلى الموت، بل حتى بعد موت الأخ، ببر أولاده وأصدقائه، وقد أكرم النبي صلى الله عليه وسلم عجوزاً جاءت إليه، وقال «إنها كانت تغشانا أيام خديجة، وإن حسن العهد من الإيمان»، ومن الوفاء ألا يتغير الأخ على أخيه، مهما ارتفع شأنه، وعظم جاهه ومنصبه. ومنها أيضاً التخفيف وترك التكلف، فلا يكلف أخاه ما يشق عليه، وبذل المال له، وقضاء حاجاته والقيام بها، وعدم ذكر عيوبه في حضوره وغيبته، والثناء عليه بما يعرفه من محاسن أحواله، ودعاؤه بأحب الأسماء إليه، ومشاركته في الأفراح والأتراح، وبذل النصح والتعليم له، وينبغي أن تكون النصيحة سراً من غير توبيخ، وإن دخل الشيطان بين المتحابين يوماً من الأيام، فحصلت الفرقة والقطيعة، فليراجع كل منهما نفسه، وليفتش في خبايا قلبه فقد قال عليه الصلاة والسلام: «ما تواد اثنان في الله فيفرق بينهما إلا بذنب يحدثه أحدهما». من جانبه، وصف فضيلة الإمام محمد متولي الشعراوي رحمه الله معنى الحب في الله بقوله «الحب هو توجه القلب إلى المحبوب، توجه يربط نفعه بنفعك، ومضره بمضرتك، لكنه نوعان، حب عقل، وحب عاطفة، وحب العقل هو ما يرجح العقل نفعه، كما يحب المريض الدواء المر، لكن حب العاطفة ليس له شرط حب العقل، وقد قال الرسول الكريم لسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «لا يكتمل إيمان أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه»، فقال له يا رسول الله إني أحبك عن مالي وولدي، أما عن نفسي فلا، فكررها له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه»، فعلم سيدنا عمر أن الأمر فيه عزيمة».