*جميل حميدان
كان يوم الأربعاء الموافق 26 مارس الجاري يوماً مشهوداً لمملكة البحرين، حيث تمت مصادقة مجلس إدارة منظمة العمل الدولية في جنيف على قرار تاريخي بشطب الشكوى العمالية ضد المملكة واستبعادها نهائياً من جدول أعماله دون الحاجة إلى أي إجراء آخر.
والحقيقة أن اتخاذ مجلس الإدارة لهذا القرار التاريخي المهم ينهي هذا الملف بصفة نهائية ويستجيب بشكل حاسم للطلب المشترك والمرحب به لشطب الدعوى والذي تقدمت به أطراف الإنتاج الثلاثة في البحرين وهي الحكومة ممثلة في وزارة العمل وأصحاب العمل ممثلين في غرفة تجارة وصناعة البحرين والطرف العمالي المعني بموضوع الشكوى ويمثله الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين وذلك بعد توصلهم للاتفاق الثلاثي وإتمام التوقيع عليه واعتماده ورفعه إلى الجهات المعنية بمنظمة العمل الدولية قبل توجه جميع الأطراف إلى جنيف للمشاركة في أعمال مجلس الإدارة ومتابعة تنفيذ القرار المطلوب.
ولقد نص القرار الصادر عن مجلس إدارة المنظمة في مقدمته على: «(أ) الترحيب بالاتفاق الثلاثي التكميلي 2014، الذي توصلـت إليــه الحكومــة، الاتحــاد العــام لنقابات عمال البحرين وغرفة تجارة وصناعة البحرين، إلى جانب الاتفاق الثلاثي للعام 2012، لمعالجة كافة المسائل المتضمنة في الشكوى وتحديد إجراءات تسوية جميع الأمور المتبقية»، ثم نص صراحة في الفقرة (د) على «إقرار المجلس بأن الشكوى لا تستدعي أية إجراءات أخرى من قبله». وأعلن في الفقرة (ه) «إغلاق الإجراءات وفق المادة (26) من دستور منظمة العمل الدولية في ما يخص الشكوى المذكورة أعلاه».
وبخصوص الفقرة (ب) من القرار، وما أثارته من التباس لدى البعض ودعتهم إلى الاعتقاد بأن إنهاء الشكوى ليس نهائياً بسبب إشارة هذه الفقرة إلى دعوة لجنة الخبراء القانونيين بمكتب العمل الدولي، والمعنية بتطبيق كافة الاتفاقات والتوصيات، والتي تقوم بها بصورة دورية وسنوية في ضوء التقارير التي ترفعها جميع الدول الأعضاء بشأن إجراءات الالتزام بالمعايير والاتفاقات الدولية بشكل عام، ومن ضمن مسؤولياتها هذه، وفي إطار متابعتها للمعلومات المتعلقة بالتزامات مملكة البحرين بالنسبة للاتفاقية المتعلقة بالتمييز (في الاستخدام والمهنة) 1958 رقم (111)، فقد جاءت دعوة مجلس الإدارة لهذه اللجنة لمتابعة الاتفاقية الثلاثية لصلتها بتلك الاتفاقية الخاصة بالتمييز ومتابعة ذلك في هذا الإطار الإجرائي الاعتيادي الدوري الذي تخضع له جميع الدول الأعضاء في المنظمة وفي إطار الالتزام بكافة الاتفاقات والمعايير الدولية.
ولمعرفة المزيد عن مهام واختصاصات لجنة الخبراء القانونيين التابعة للجنة المعايير فإنها تختص بإعداد تقرير شامل بناء على التقارير المرسلة سنوياً من كافة الدول الأعضاء بالمنظمة حول إجراءاتها المتعلقة بتطبيق اتفاقيات العمل الدولية التي صادقت عليها. وإن مثل هذا الإجراء يسري على كافة الدول، وليس البحرين فقط، وليس له أي صلة بالشكوى التي لم تقبل أساساً ولم ينظر فيها بل شطبت نهائياً بصريح العبارة.
إن إنهاء هذا الملف نهائياً جاء ليعكس صحة وسلامة النهج الذي تسير عليه مملكة البحرين والذي تعزز منذ تفضل جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل مملكة البحرين المفدى، حفظه الله و رعاه، بإطلاق المشروع الإصلاحي الشامل الذي رفع مكانة البحرين إلى مرتبة الأمم المتقدمة في كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية. فمثل هذا القرار التاريخي، الصادر عن أحد أهم المنظمات الدولية المتخصصة، لم يكن ليرى النور لولا التوافق والتفاهم الذي تم بين أطراف الإنتاج البحرينية الثلاثة من خلال الحوار الاجتماعي، المدعوم بالحس الوطني الراقي والرغبة في تجاوز الصعوبات والانطلاق نحو مستقبل أكثر إشراقاً، والذي يستظل بالمشروع الإصلاحي ويستمد منه كافة معاني الوفاء والإخلاص للبحرين، وليتوجوا من ثم جهودهم المشتركة باتفاق ثلاثي وطني يطالب المنظمة بشطب الشكوى، التي لم تقبل أصلاً.
ويتذكر جميع من حضروا تلك الجلسة المشهـــودة، أو شاهدوهـــا عبـر وسائل الإعــلام، إن كافــة وفــود دول العالــــم الأعضــاء التــي تحدثــت قـد أعربــت عن تأييدها التام لشطب الشكوى واستبعادها نهائياً، فضلاً عن إشادتها بالمنجزات التي حققتها مملكة البحرين في ملف العمال المفصولين على خلفية الأحداث المؤسفة التي وقعت في فبراير ومارس 2011، وأكدت أن الاتفاق الثلاثي يمنح المملكة المزيد من المصداقية والاحترام لتعهداتها الدولية ولالتزاماتها تجاه الاتفاقات التي تصادق عليها، بل إن الغالبية العظمى من المتحدثين قدموا التهنئة لمملكة البحرين، بأطراف إنتاجها الثلاثة، قائلين إن ما أنجزته البحرين يعتبر مثالاً يحتذى لباقي الدول الأعضاء بالمنظمة. وليس هذا فحسب، بل حتى إن رئيس فريق العمال بمجلس الإدارة، السيد لوك كورتبك، أشاد بالاتفاق الثلاثي وضم صوته إلى المؤيدين لشطب واستبعاد الشكوى نهائياً.
وللمهتمين بالجوانب القانونية للموضوع من المهم التوضيح بأن إجراءات عمل كل من لجنة الخبراء القانونيين ولجنة المعايير تحكمها المادة رقم (22) من دستور منظمة العمل الدولية ولا يرد في هذه المادة أي ذكر للشكاوى، هذا في حين تخضع الشكوى المقدمة لأحكام المادة (26) من الدستور، وأن الفقرة الأخيرة من قرار مجلس الإدارة تشير بوضوح إلى إغلاق الإجراءات وفق المادة (26) من دستور منظمة العمل الدولية في ما يخص الشكوى، ما يعني أنه لا حجة مطلقاً لمن يتحدث عن إعادة النظر في الشكوى بأي صورة من الصور.
إن قرار شطب الشكوى إنجاز وطني بحريني ناجز دون شك، وباعتراف واضح وجلي صادر عن محفل دولي مهم، ومن ثم فإن أي سوء فهم لمضمون القرار أو التشكيك في صحة الشطب والاستبعاد النهائي، أو حتى تحميل فقرات القرار ما لا تحتمل، لا تستند إلى أي منطق أو حجة أو سند قانوني. لذا أدعو إلى عدم التشكيك في هذا الإنجاز دون الإلمام بنظم عمل وإجراءات وآليات المنظمة، فهو بحق إنجاز وطني يحق لكل مواطن أن يعتز ويفتخر به لما يعكسه من دلالات إيجابية واضحة على روح المحبة والمودة بين الجميع في هذا العهد الزاهر.
وإننا نؤكد مجدداً أن ما تحقق من نجاح متميز لا يجب الاستهانة به، أو محاولة التشكيك فيه، بل إني على ثقة من أن هذا القرار قد أثلج صدور جميع أبناء هذه الأرض الطيبة، وكافة الشرائح الاجتماعية في البحرين الغالية.
أمام هذا الإنجاز التاريخي لوطننا العزيز، ولأن الفضل ينسب لأهله، فإن هذا الإنجاز ما كان ليتحقق إلا بفضل التوجيهات السامية لصاحب الجلالة الملك المفدى، والمتابعة الحثيثة والدعم المستمر من صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء الموقر، والمؤازرة الدائمة والمتابعة الشخصية من قبل صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمين النائب الأول لرئيس الوزراء الموقر، حفظهم الله ورعاهم، والكثير من المسؤولين والعاملين في مختلف القطاعات ممن عملوا بجد ومثابرة لإنجاح هذا المسعى الخير الذي تكلل بالنجاح. ولا يسعني إلا أن أستذكر تلك الكلمات المضيئة لصاحب الجلالة الملك المفدى، رعاه الله، بأن البحرين كانت وستبقى وفية لكافة التزاماتها الدولية، وتستمر في تعزيز مبادراتها لإرساء قيم العدالة والمساواة وترسيخ روح التسامح والتعايش السلمي، وتطوير تجربة البحرين الديمقراطية وضمان الحقوق الأساسية للجميع.
*وزير العمل