سياسة العصا والجزرة تعبير مجازي عما يمكن تسميته بثقافة الثواب والعقاب ومصدر هذا التعبير الدول الأوروبية عندما كان أهلها يروضون الحمير باستخدام العصا والجزرة؛ بحيث يتم مسك الجزرة بيد ووضعها أمام الحمار والعصا بيدٍ أخرى، فسيسير الحمار إن طاوع الجزرة وإن عصى فله العصا. وذكرت مصادر أخرى أن لهذا المصطلح أصلاً آخر وذلك بربط الجزرة على عصا وترك هذه الجزرة تتدلى أمام الحمار ليستمر الحمار في السير ظاناً أنه سيصل للجزرة «The Economist, 1948».
وقد تم إدخال هذه السياسة في تطبيقات إدارة الموارد البشرية في المنظمات منذ القرن 19، وتمثل في أن مكافأة فرد لسلوك معين يجعل هذا السلوك يتكرر، أما إذا عوقب فرد لسلوك معين فيقل هذا السلوك أو يختفي، وبذلك يكون سلوك الموظفين أو إنتاجيتهم مرتبطاً بالرغبة بالمكافأة مثل المكافآت السنوية أو الخوف من العقاب مثل الخوف من توقيع الجزاءات.
فـــي دراسة حديثة أجريـــــت فــي Massachusetts Institute of Technology الأمريكي في العلاقة بين المكافآت و الإبداع، اختيرت مجموعة من الأشخاص وأوكلت لهم تمارين فكرية مثل تذكر أرقام وحل الكلمات المتقاطعة وتمارين بدنية مثل رمي كرة في مكان معين، ثم تم إعداد ثلاثة مستويات من المكافآت تتناسب مع مستوى أداء الأفراد كنوع من التحفيز، النتيجة كانت أن الأفراد استجابوا للتحفيز في ما يتعلق بالنشاط البدني قصير المدى، وكانت المفاجأة الاستجابة السلبية للتحفيز في النشاطات الفكرية المعتمدة على الإبداع، حيث شكلت رغبة الحصول على المكافآت العالية ضغطاً نفسياً خارجياً على الأفراد المشاركين تبلور في صورة توتر وتشوش ذهني حال دون أدائهم النشاط بالصورة المتوقعة.
وفي دراسة أخرى يذكر «Pink, 2012» أن دراسة دعمت من قبل Federal Reserve Bank الأمريكي في جمهورية الهند لقياس تأثير العلاقة بين المكافآت وكمية الإنتاج، صمم نظام للمكافآت من ثلاث فئات: الفئة الأولى تحصل على أجر أسبوعين، الفئة الثانية تحصل على أجر شهر، الفئة الثالثة تحصل على أجر شهرين. وكانت النتيجه أن الأفراد الذين عرض عليهم العمل مقابل أجر شهر كتحفيز لم ينتجوا أكثر من الأفراد الذين عرض عليهم مقابل العمل أجر أسبوعين، أما الأفراد الذين عرض عليهم أجر شهرين فأنتجوا أقل من الكل. وتمت إعادة التجربة أكثر من مرة بحضور اختصاصيين نفسيين وعلماء اجتماع، إلا أن النتائج كانت متطابقة كل مرة.
البدء في أي نقاش عن التحفيز في مكان العمل عادة يتناول أن الناس مجبرون على السعي لكسب العيش، ويعد كل من الراتب والعلاوات أو القليل من الدخل الإضافي هو ما أطلق عليه «الأجر، والذي إذا كان غير مناسب أو عادل فإن تركيز الموظفين يتجه نحو الإحساس بالظلم والقلق تجاه ظروفهم ومن ثم لن يستجيبوا لأي من الحوافز الخارجية أو الداخلية أو أي حافز على الإطلاق، لذك ستكون خطوة المنظمات الأولى في عملية التمرد هي قطع العلاقة بين أداء الأفراد و الحوافز المشروطة ودفع أجور مجزية تتساوى أو تزيد على عروض سوق العمل، حتى يتحول تفكير الموظفين من العمل خوفاً من خسارة المال الذي قد يؤدي إلى التوتر، تثبيط الأداء، القضاء على القدرة الإبداعية، تعزيز التفكير قصير المدى والتشجيع على الغش والطرق الملتوية أوالسلوك غير الأخلاقي، إلى المتعة في ممارسة العمل.
يــرى «Pink, 2012» أن الاستقلالية أو حق التوجيـــه الذاتي للموظفين هو الحافز الحقيقي والقوة الدافعة للأداء العالي والتميزالمؤسسي، ويتمثل عن طريق قيام الإدارة العليا للمنظمات بخلق بيئة عمل مبنية على النتائج فقط وغير مرتبطة بمكافآت مشروطة. وفي ظل التغيرات الاقتصادية ودخول منافسين أقوياء لسوق العمل المحلي، حان الوقت للمنظمات أن تتبع تكتيكات جديدة للمنافسة لتبقى في الصدارة، من خلال اتباع الأساليب الحديثة في إدارة الموارد البشرية وتطبيقات الحوافز بإعطاء الموظفين مجالاً أكبر من التوجيه الذاتي ومن المرونة في نظام الحضور والانصراف، وإدارة المهام المناطة بهم لأن وجود الموظفين لثمان ساعات وستة أيام خلف أسوار المنظمة ليس مؤشراً على تحقيق الأهداف. كما أن مفهوم السيطرة هو نقيض الاستقلالية، السيطرة تقود الموظفين للإذعان فيفقدون قدرتهم على الإبداع أما الاستقلالية فتقود الموظفين إلى الانخراط بالعمل لأنهم يؤدون العمل برغبة داخلية. وقد يكون هذا هو تفسير ظاهرة وجود أفراد يقضون ساعات طويلة في العمل التطوعي دون مقابل، لأن الحافز وراء ذلك أنهم كانوا أصحاب خيار العمل ولم يفرض عليهم بالقوة، كما أنهم يتمتعون بما يفعلون الأمر الذي يؤدي لتنشيط التفكير الإبداعي لديهم.
علي العرادي
اختصاصي موارد بشرية