تأجيل التصويت لجلسة تالية أو دور انعقاد تال حال عدم توافر الأغلبيةخلصت هيئة الافتاء والتشريع إلى عدم حصول تصويت مجلس النواب حيال استجواب وزير المالية على الأغلبية المطلوبة، وهي النصف + 1، أي 14 نائبا من حاضري الجلسة ، فيما صوت حينها 13 نائبا فقط من أصل 27 حضروا الجلسة، مؤكدة ضرورة تأجيل التصويت لجلسة تالية أو دور انعقاد تال حال عدم حصول الموضوع المطروح للتصويت على الأغلبية.
وقالت «الإفتاء والتشريع»، في معرض فتواها القانونية لحسم الخلاف بين «النواب» والحكومة حول حصول التصويت المتعلق بـ«رفض توصية عدم جدية الاستجواب» على الأغلبية المطلوبة، والتي حصلت «الوطن» على نسخة منها من مصادر، إن «مؤدى تفسير نص المادة «80» من الدستور أن النصاب القانوني لصحة اجتماع كل من مجلس الشورى ومجلس النواب هو حضور أكثر من نصف أعضائه، وأن قرارات أي من المجلسين تصدر بالأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين ، وذلك في غير الحالات التي تشترط فيها أغلبية خاصة».
وأوضحت أن «مؤدى نص المادتين «42 ، 80» من اللائحة الداخلية لمجلس النواب أن قرارات المجلس تصدر بالأغلبية المطلقة للحاضرين ، ولا يعتبر أصوات الممتنعين عن التصويت ضمن أصوات المؤيدين أو المعارضين ، بينما تدخل أصوات الممتنعين في حساب الأغلبية اللازمة لإصدار القرارات باعتبارهم ممن أبدوا أصواتهم فعلاً بالامتناع عن التصويت ، ويترتب على ذلك أن الأغلبية اللازمة لإصدار القرار هي ضرورة حصول الموضوع المطروح للتصويت على نصف عدد الحاضرين زائداً واحداً، وإلا يؤجل التصويت لجلسة تالية، أو دور انعقاد تال بحسب الأحوال، وهو ما يستلزم إعمال هذا النظر بخصوص الاستجواب المقدم ضد وزير المالية».
وكان عدد النواب الحاضرين للجلسة «27» عضواً ، والأغلبية اللازمة لإصدار القرار، بحسب «هيئة الافتاء» تقوم على أساس 27 ÷ 2 + 1 = « 14»، فيما عدد النواب الرافضين لتوصية اللجنة كان «13» عضواً، وعدد النواب الموافقين على التوصية «11» عضواً وعدد النواب الممتنعين «3» أعضاء.
وفيما يلي تفسير الهيئة للمادة «80» من الدستور، والمادتين «42،80» من المرسوم بقانون رقم «54» لسنة2002 بشأن اللائحة الداخلية لمجلس النواب، وتعديلاته
أولاً : الإجراءات:
- بتاريخ 27/3/2014 ورد إلى الهيئة كتاب صاحب المعالي خليفة بن أحمد الظهراني رئيس مجلس النواب الموقر رقم «ف 3/د4/2757/2014» المؤرخ 26/3/2014.والمنتهي إلى موافقة المجلس على طلب الحكومة عرض الخلاف على الهيئة بشأن تفسير نص المادة «80» من الدستور، والمادتين «80،42» من المرسوم بقانون رقم «54» لسنة 2002 بشأن اللائحة الداخلية لمجلس النواب، وتعديلاته.
وقد تضمن كتاب معالي رئيس مجلس النواب سالف الذكر، أنه بتاريخ 16/2/2014 تقدم عشرة من أصحاب السعادة أعضاء مجلس النواب بطلب استجواب معالي وزير المالية، وعُرض الاستجواب المذكور على مكتب المجلس عملاً بأحكام المادة «145» مكرراً من اللائحة الداخلية للمجلس والذي قرر توافر شروطه الشكلية المنصوص عليها في المادتين «144، 145» من ذات اللائحة ، ثم عرُض الاستجواب على لجنة مشكلة من رؤساء اللجان النوعية الخمس ونوابهم، وذلك لإعداد تقرير بشأن مدى جدية الاستجواب، وقدمت اللجنة تقريرها وأوصت بعدم توافر الجدية في الاستجواب.
وبتاريخ 11/3/2014 عرُض تقرير اللجنة على المجلس في جلسته العشرين، وبعد التصويت على تقرير اللجنة «بعدم جدية الاستجواب» كانت نتيجة التصويت كالتالي:
- عدد النواب الحاضرين: «27»
- عدد النواب الموافقين على توصية اللجنة «11»
- عدد النواب الرافضين لتوصية اللجنة «13»
- عدد النواب الممتنعين «3»
- النصاب المطلوب للموافقة على توصية اللجنة هو «14»
وبناء على نتيجة التصويت المذكورة قرر المجلس استكمال إجراءات الاستجواب، على أساس أن إرادة المجلس اتجهت إلى عدم الموافقة على توصية اللجنة بعدم جدية الاستجواب، وتوافر الجدية في الاستجواب.
- اعترضت الحكومة الموقرة على نتيجة التصويت باعتبار أن الأغلبية لم تتوافر لإصدار القرار، وتقدمت بطلب إلى المجلس لعرض الموضوع على هيئة التشريع والإفتاء القانوني بموجب خطاب سعادة وزير شئون مجلسي الشورى والنواب رقم «1390/و م ش ن /2014» المؤرخ 16/3/2014، وذلك استناداً إلى الفقرة الثالثة من المادة الثانية من القانون رقم «60» لسنة 2006 بشأن إعادة تنظيم دائرة الشئون القانونية المعدل بالمرسوم بقانون رقم «34» لسنة 2010.
- تم عرض الطلب المذكور على مجلس النواب في جلسته الثانية والعشرين المنعقدة بتاريخ 25/3/2014، وقد وافق المجلس على طلب الحكومة المتضمن عرض الخلاف على هيئة التشريع والإفتاء القانوني.
- وأرفق معالي رئيس مجلس النواب بالكتاب المشار إليه مذكرة رئيس هيئة المستشارين القانونيين بالمجلس بالرأي القانوني بشأن الأغلبية اللازمة لإصدار قرارات مجلس النواب على ضوء أحكام الدستور واللائحة الداخلية.
وقد استعرضت المذكرة نصوص المواد «80» من الدستور، «42 ،80» من اللائحة الداخلية لمجلس النواب، وشرحت المذكرة واقعات الموضوع على نحو لم يخرج عما سلف بيانه، وأضافت أن ثمة ترابط وثيق بين المادتين «42» ، «80» من اللائحة الداخلية لمجلس النواب، بحيث أتت المادة «80» من اللائحة الداخلية للمجلس متممة لحكم المادة «42» من ذات اللائحة المشار إليها، حيث اشترطت لإعادة التصويت على الموضوع المطروح في الجلسة التالية أن يقل عدد الذين أبدوا رأيهم فعلاً - أي من صوتوا بالموافقة، ومن صوتوا بالرفض – عن الأغلبية اللازمة لإصدار القرار وهي بطبيعة الحال الأغلبية المطلقة للحاضرين، وبالتالي فإن الأغلبية المطلوبة هي «14» صوتاً، والذين أبدوا رأيهم فعلاً في الموضوع سواء بالموافقة أو بالرفض عددهم «24»، أي أكثر من الأغلبية اللازمة لإصدار القرار، ومفاد ذلك أن شرط إعادة التصويت طبقاً لما هو منصوص عليه في المادة «80» من اللائحة غير متوافر في الحالة المعروضة، ومن ثم فإن المطالبة بإعادة التصويت على تقرير اللجنة لا ترتكز على أساس من القانون يبررها، وإن ما انتهى إليه المجلس بشأن ذلك يصادف صحيح حكم القانون.
وبتاريخ 27/3/2014 ورد إلى الهيئة كتاب سعادة عبد العزيز بن محمد الفاضل وزير شئون مجلسي الشورى والنواب رقم «1616/و م ش ن/ 2014» المؤرخ 27/3/2014 والمنتهي إلى طلب تفسير المادة «80» من الدستور، والمادتين «42،80» من اللائحة الداخلية لمجلس النواب، ومن ثم بيان مدى صحة التصويت الذي أجراه المجلس في شأن ما انتهت إليه اللجنة المشكلة لفحص جدية الاستجواب المقدم ضد معالي وزير المالية، وشرحاً لوجهة نظر الحكومة، أشار كتاب سعادة وزير شئون مجلسي الشورى والنواب إلى أنه بالجلسة العشرين لمجلس النواب المنعقدة بتاريخ 11/3/2014 أجرى المجلس التصويت على ما انتهت إليه اللجنة المشكلة لفحص جدية الاستجواب المقدم ضد معالي الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة وزير المالية، في تقريرها المرفوع إلى المجلس من عدم توافر الجدية في الاستجواب المذكور، حيث جاءت نتيجة التصويت على النحو التالي:
- عدد النواب الحاضرين: «27» عضوا.
- عدد النواب الرافضين لتوصية اللجنة «13» عضواً، -عدد النواب الموافقين على التوصية «11» عضواً، عدد النواب الممتنعين «3» أعضاء.
ولما كانت قرارات المجلس تصدر بالأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين، وذلك طبقاً لأحكام المواد «80» من الدستور و«42» من اللائحة الداخلية لمجلس النواب، وكانت المادة «80» من ذات اللائحة قد اعتدت بالأغلبية المذكورة لإصدار القرار «قبولاً ورفضاً»، وكان النصاب القانوني اللازم توافره لعدم الموافقة على توصية اللجنة – في ضوء ما تقدم – هو «14» عضواً، بينما أسفرت نتيجة التصويت على أن عدد الأعضاء غير الموافقين على توصية اللجنة هو «13» عضواً فقط. ونظراُ لأن المجلس قرر استكمال إجراءات الاستجواب على أساس أن عدد الأعضاء غير الموافقين على توصية اللجنة قد استوفى النصاب القانوني لطرح تلك التوصية، فقد اعترضت الحكومة على هذا القرار لمخالفته للقانون، ومن ثم أخطرت المجلس بموجب كتابها رقم «1390/و م ش ن/2014» بتاريخ 16/3/ 2014 بطلب عرض هذا الخلاف في التفسير – بطلب مشترك - على هيئة التشريع والإفتاء القانوني لإبداء الرأي بشأنه بتفسير ملزم للطرفين طبقاً للبند «3» من المادة الثانية من المرسوم بقانون رقم «34» لسنة 2010، وقد وافق مجلس النواب على طلب الحكومة على عرض الخلاف في شأن تفسير المادة «80» من الدستور، والمادتين «42،80» من اللائحة الداخلية لمجلس النواب على الهيئة.
وأرفق وزير شئون مجلسي الشورى والنواب بكتابه سالف الذكر مذكرة بشأن مدى صحة التصويت الذي أجراه مجلس النواب في شأن طلب استجواب معالي وزير المالية من عدمه، وبعد العرض الموجز لواقعات الموضوع أشارت المذكرة إلى أن المجلس اعتبر عدم موافقة «13» عضواً على توصية اللجنة بشأن عدم جدية الاستجواب قد تحققت، عملاً منه بالمادة «80» من اللائحة الداخلية للمجلس، وأن البين من استعراض المادة «42» من ذات اللائحة أن هذه الموافقة جاءت في غير محلها وتخالف حكم القانون، وذلك استناداً إلى أسباب حاصلها أن المشرع اشترط للاعتداد بالموافقة على الموضوع طبقاً لحكم المادتين «42،80» من اللائحة الداخلية لمجلس النواب، أن لا يقل عدد الموافقين من الأعضاء عن الأغلبية المطلقة للحاضرين جميعاً، وإذا تبين أن عدد الأعضاء الذين أبدوا رأيهم فعلاً يقل عن الأغلبية اللازمة لإصدار القرار أُجُل أخذ الرأي على الموضوع إلى جلسة تالية، ولما كان الثابت أن عدد الأعضاء الذين أبدوا رأيهم بالفعل – بعد استبعاد الممتنعين عن إبداء الرأي – قد بلغ «24» عضواً «13 موافقين 11 معارضين»، حال أن مجموع الأعضاء الحاضرين، أي المشتركين في إبداء الرأي وهم «24» «الموافقين المعارضين» وأيضاً الممتنعون عنه وعددهم «3» قد بلغ «27» عضواً، فإن الأغلبية المطلوبة التي تتحقق بها الموافقة القانونية عملاً بالمادة «42» سالفة الذكر تكون «13 [النصف] 1» أي 14 عضواً، وإذا لم تبلغ الموافقة هذا العدد وبلغت «13» فقط، فإن هذه الأغلبية – رغم كونها نظرياً أغلبية ظاهرة بالنسبة لعدد الموافقين وهم «11» عضواً لا تعتبر أغلبية قانونية في حكم المادتين «42» ، «80» سالفتي الذكر، حيث أفصحت المادة «80» عن الأغلبية اللازمة لإصدار القرار، وهي الأغلبية المطلقة، بينما اشترطت المادة «42» للقول بهذه الأغلبية الاعتداد بمجموع الحاضرين أي بما فيهم عدد الأعضاء الممتنعين عن إبداء الرأي ، وليس فقط الذين شاركوا فيه، الأمر الذي كان يتعين معه على المجلس الموقر تأجيل أخذ الرأي على الموضوع إلى جلسة تالية وفقاً لصريح نص المادة «80» من اللائحة الداخلية لمجلس النواب.
وخلصت المذكرة إلى أن الأغلبية التي تمت في الموضوع محل البحث وقد بلغت «13» عضواً فقط وليس «14» عضواً، لا تكون أغلبية قانونية، ولا يتحقق بها بالتالي صحة الرأي الذي جاء اعتماداً عليها، ومن ثم يكون ذلك الرأي في غير محله، ويتعين لذلك تأجيل أخذ الرأي على الموضوع الذي جاءت في شأنه إلى جلسة تاليه وفقاً لصريح نص المادة «80» من اللائحة الداخلية لمجلس النواب.
ثانياً: النصوص القانونية محل طلب التفسير:
-1 نص المادة «80» من الدستور:« يشترط لصحة اجتماع كل من مجلس الشورى ومجلس النواب حضور أكثر من نصف أعضائه، وتصدر القرارات بالأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين، وذلك في غير الحالات التي تشترط فيها أغلبية خاصة، وعند تساوي الأصوات يرجح الجانب الذي منه الرئيس. وإذا كان التصويت متعلقاً بالدستور وجب أن يتم بالمناداة على الأعضاء بأسمائهم. «
وإذا لم يكتمل نصاب انعقاد المجلس مرتين متتاليتين اعتبر اجتماع المجلس صحيحاً، على ألا يقل عدد الحاضرين عن ربع أعضاء المجلس.»
-2 نص المادة «42» من اللائحة الداخلية لمجلس النواب: « مع مراعاة ما ورد بشأنه نص خاص تصدر قرارات المجلس بالأغلبية المطلقة للحاضرين، وعند تساوي الأصوات يرجح الجانب الذي منه رئيس المجلس أو من يقوم مقامه.»
-3 نص المادة «80» من اللائحة الداخلية لمجلس النواب:«لا يعتبر الممتنعون عن إبداء رأيهم من الموافقين على الموضوع أو الرافضين له. وإذا تبين أن عدد الأعضاء الذين أبدوا رأيهم فعلاً، يقل عن الأغلبية اللازمة لإصدار القرار أٌجُل أخذ الرأي على الموضوع المعروض إلى جلسة تالية.
ويعاد الاقتراع على الموضوع في تلك الجلسة، فإن لم تتوافر له الأغلبية اللازمة لإقراره وفقاً لأحكام هذه اللائحة أرجُئ إلى دور انعقادٍ تال ٍ.»
ثالثاً : عن شكل طلب التفسير:
ينص البند «3» من المادة الثانية من المرسوم بقانون رقم «34» لسنة 2010 بتعديل بعض أحكام القانون رقم «60» لسنة 2006 بشأن إعادة تنظيم دائرة الشئون القانونية على أن:
-3 تفسير نصوص القوانين والمراسيم بقوانين، وذلك بناءً على طلب من رئيس مجلس الوزراء أو من رئيس مجلس الشورى أو من رئيس مجلس النواب أو من أحد الوزراء.
وفي حالة الخلاف حول تفسير نص في الدستور أو القوانين أو المراسيم بقوانين بين الحكومة ممثلة في مجلس الوزراء ومجلسي الشورى والنواب أو أحدهما، أو بين المجلسين يكون التفسير الصادر من الهيئة ملزماً للأطراف إذا كان قد صدر بناءً على طلبهم.»
ومن حيث إن البين من النص المتقدم أن مناط اختصاص الهيئة بتفسير ملزم لنص في الدستور أو القوانين أو المراسيم بقوانين هو ضرورة تحقق شرطين هما:
-1 وجود خلاف بين الحكومة ممثلة في مجلس الوزراء، ومجلسي الشورى والنواب، أو أحدهما، أو بين المجلسين حول نص قانوني.
-2 أن يتقدم طرفا الخلاف بطلب إلى الهيئة بتفسير النص القانوني محل الخلاف.
لما كان ما تقدم وكان الثابت من الأوراق أنه قد ثار خلاف بين الحكومة وبين مجلس النواب حول تفسير نص المادة «80» من الدستور، والمادتين «42» ، «80» من اللائحة الداخلية لمجلس النواب، وكان قد ورد إلى الهيئة كتاب معالي رئيس مجلس النواب بموافقة المجلس على طلب الحكومة إحالة الخلاف بينهما إلى الهيئة، كما ورد إلى الهيئة كتاب سعادة وزير شئون مجلسي الشورى والنواب بذات الخصوص، ومن ثم فإن مناط نظر طلب التفسير يغدو متوافراً، مستجمعاً لشرائطه، مستوفياً أوضاعه المقررة قانوناً.
رابعاً: عن موضوع طلب التفسير:
من المقرر أن الغاية من تفسير النصوص القانونية هو الكشف عن المقاصد الحقيقية التي توخاها المشرع عند إقرارها، منظوراً في ذلك إلى إرادته الحقيقية التي يفترض في هذه النصوص أن تكون معبرة عنها، مبلورة لها، وإن كان تطبيقها قد باعد بينها وبين هذه الإرادة.
والقاعدة في مجال التفسير أنه إذا كان النص واضحاً، دالاً على معناه من ألفاظه وعباراته، فإنه يجب الالتزام بالمعنى المتبادر من هذه الألفاظ والعبارات، ولا يجوز الخروج عن حدود هذه المعاني.
«أ»تفسير نص المادة «80» من الدستور:
المستفاد من نص المادة «80» من الدستور أن المشرع الدستوري قد وضع اشترط لصحة انعقاد أي من المجلسين – مجلس الشورى أو مجلس النواب ـــ ضرورة أن يزيد عدد الحاضرين على نصف عدد أعضاء المجلس، وإذا ما توافر هذا النصاب، وضع المشرع آليات إصدار القرارات من المجلس، وتختلف تلك الآليات بحسب الموضوع المطلوب اتخاذ القرار بشأنه، وثمة قاعدة عامة في هذا الصدد مؤداها «أن قرارات المجلس تصدر بالأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين «، عدا الحالات التي تشترط فيها أغلبية خاصة، وفي حالة تساوي الأصوات يرجح الجانب الذي منه الرئيس، وفي حالة ما إذا كان التصويت متعلقاً بتعديل الدستور كانت وسيلته المناداة على الأعضاء بالاسم.
وقد عالج المشرع الدستوري حالة عدم اكتمال النصاب القانوني اللازم توافره لصحة انعقاد المجلس مرتين متتاليتين ،بأن اعتبر انعقاد المجلس صحيحاً بشرط ألا يقل عدد الحاضرين عن ربع أعضاء المجلس.
وإذا كان التفسير المتقدم يمثل الوقوف على معاني النص من خلال ألفاظه وعباراته، فإنه من اللازم وصولاً للغاية من التفسير – ببيان المقاصد الحقيقية من النص محل التفسير – الوقوف على المعني الاصطلاحي لعبارات النص.
ومن نافلة القول، أن نص المادة «80» من الدستور، تضمن العديد من الاصطلاحات الدستورية التي يتعين تقصي فحواها لبيان قصد المشرع منها، لما في هذا البيان من أثر عند تفسير النصوص القانونية الأخرى، ومن هذه الاصطلاحات:
النصاب القانوني اللازم لصحة انعقاد جلسات المجلس: ويقصد به أن يزيد عدد الأعضاء الحاضرين على نصف عدد أعضاء المجلس عند بداية انعقاد الجلسة، أي «21» عضواً.
الأغلبية المطلقة للحاضرين: ويقصد بها نصف عدد الحاضرين زائداً «1».
الأغلبية الخاصة: هي الأغلبية التي يشترطها الدستور أو اللائحة الداخلية لإقرار بعض الموضوعات، كأغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس أو أغلبية ثلثيهم.
وصفوة القول فيما تقدم، أن مؤدى نص المادة «80» من الدستور، أن النصاب القانوني لصحة انعقاد جلسات المجلس هو حضور «21» عضواً، وأن قرارات المجلس تصدر بالأغلبية المطلقة للحاضرين إلا في القرارات التي تحتاج لصدورها أغلبية خاصة ينص عليها الدستور أو اللائحة الداخلية للمجلس.
«ب» تفسير نص المادة «42» من اللائحة الداخلية لمجلس النواب:
تنص المادة «42» من اللائحة الداخلية لمجلس النواب على أن:
« مع مراعاة ما ورد بشأنه نص خاص تصدر قرارات المجلس بالأغلبية المطلقة للحاضرين، وعند تساوي الأصوات يرجح الجانب الذي منه رئيس المجلس أو من يقوم مقامه.»
ويبدو نص هذه المادة من الوضوح بما لا يحتاج إلى تفسير يخرج عن مضمون تفسير المادة «80» من الدستور، فالمادة «42» المذكورة تضمنت ثلاث قواعد رئيسة هي:
الأولى: القاعدة العامة أن قرارات المجلس تصدر بالأغلبية المطلقة للحاضرين.
الثانية: عند تساوي الأصوات يرجح الجانب الذي منه الرئيس أو من ينوب عنه.
الثالثة: أن بعض قرارات المجلس تصدر بأغلبية خاصة كأغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس أو أغلبية ثلثيهم في الحالات التي يرد بشأنها نص خاص.
«جـ» تفسير نص المادة «80» من اللائحة الداخلية لمجلس النواب:
تنص المادة «80» من اللائحة الداخلية لمجلس النواب على أن:
«لا يعتبر الممتنعون عن إبداء رأيهم من الموافقين على الموضوع أو الرافضين له. وإذا تبين أن عدد الأعضاء الذين أبدوا رأيهم فعلاً، يقل عن الأغلبية اللازمة لإصدار القرار أٌجُل أخذ الرأي على الموضوع المعروض إلى جلسة تالية.
ويعاد الاقتراع على الموضوع في تلك الجلسة، فإن لم تتوافر له الأغلبية اللازمة لإقراره وفقاً لأحكام هذه اللائحة أرجُئ إلى دور انعقادٍ تال ٍ.»
ومن حيث إن المقرر في مقام التفسير أن المطلق يجري على إطلاقه، والعموم يبقى على عمومه ما لم يقم الدليل على تخصيصه، وأنه ينبغي لاستظهار إرادة المشرع عدم الخوض فيما يجاوز تقصي ماهية تلك الإرادة، بلوغاً لغاية الأمر فيها، والاستعانة في ذلك بالتطور التاريخي للنصوص القانونية محل التفسير باعتبار أن ذلك كله مما يعين على استخلاص مقاصد المشرع التي يفترض في النص محل التفسير أنه يعكسها معبراً بأمانة عنها.
ويثير النص المتقدم العديد من المسائل القانونية التي ينبغي إيضاحها حتى يمكن الوقوف على إرادة المشرع من هذا النص، وتتمثل تلك المسائل في الأتي:
-1 بيان الوضع القانوني للممتنعين عن التصويت.
-2 تحديد المقصود بالإبداء الفعلي للرأي.
-3 ماهية الأغلبية اللازمة لإصدار القرار.
وتفصيل ما تقدم فيما يلي:
-1 بيان الوضع القانوني للممتنعين عن التصويت:
أخرجت المادة «80» من اللائحة الداخلية لمجلس النواب الممتنعين عن التصويت من عداد الموافقين على الموضوع المطروح، كما أخرجتهم من عداد الرافضين له، ولكن هل اعتبرهم المشرع غائبين أم حاضرين؟
التطور التاريخي للنص:
يمكن من خلال استعراض التطور التاريخي لنص المادة «80» سالفة البيان استظهار اتجاه المشرع في تلك المسألة، فالمادة «16» من اللائحة الداخلية للمجلس التأسيسي لعام 1972 تنص على أن :» يعتبر الامتناع عن التصويت بمثابة الغياب عن الجلسة فلا تحسب أصوات الممتنعين ضمن أصوات المؤيدين أو المعارضين ،كما لا تدخل في حساب الأغلبية المطلوبة وفقاً للمادة السابقة، ويسري هذا الحكم في حالة التصويت كتابة على الأوراق البيضاء والأوراق غير الصحيحة.»
والمستفاد من النص المتقدم أن المشرع كان يعتبر في حينها الامتناع عن التصويت في حكم الغياب عن الجلسة مع ما يترتب على ذلك من أثار أخصها عدم احتساب أصوات الممتنعين ضمن أصوات المؤيدين للموضوع المطروح ، أو المعارضين له ، كما لا تدخل أصوات الممتنعين في حساب الأغلبية المطلوبة وفقاً للمادة «15» من ذات اللائحة، والتي اشترطت توافر الأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين.
وشهد عام 1974 عدولاً جزئياً من المشرع عن المبدأ السابق وذلك على نحو ما جرى عليه نص المادة «44» من القانون رقم «4» لسنة 1974 بشأن اللائحة الداخلية للمجلس الوطني ونصها كالأتي: « لا تحسب أصوات الممتنعين عن التصويت ضمن أصوات المؤيدين أو المعارضين ولكنها تدخل في تكوين النصاب القانوني اللازم لصحة انعقاد الجلسة ولإصدار القرارات.»
والبين من النص المتقدم أن المشرع ولئن كان قد قرر عدم احتساب أصوات الممتنعين عن التصويت ضمن أصوات المؤيدين أو المعارضين ، إلا أنه – خلافاً للوضع السابق ــ أعتد بعدد أصوات الممتنعين عن التصويت ضمن النصاب القانوني اللازم لصحة انعقاد الجلسة ولإصدار القرارات، بمعنى أن أصوات الممتنعين تدخل في حساب النصاب القانوني لصحة انعقاد جلسات المجلس «حضور أكثر من نصف أعضاء المجلس»، كما يتم احتساب هؤلاء عند حساب الأغلبية اللازمة لإصدار القرارات.
وظل المشرع متمسكاً بهذا الاتجاه، حيث جاء نص المادة «24» من الأمر الأميري رقم «10» لسنة 1992 بشأن النظام الداخلي لسير العمل بمجلس الشورى بذات المبنى والمعني، كما ظل المشرع معتنقاً ذات الاتجاه بموجب المادة «80» من اللاحه الداخلية محل التفسير مع اختلاف في الصياغة.
والخلاصة في بيان الوضع القانوني للممتنعين عن التصويت في ظل حكم المادة «80» من اللائحة محل التفسير يتمثل في أن المجلس يقوم ابتداء بحساب النصاب القانوني لصحة انعقاد جلساته من جملة عدد الحاضرين، وعلى ضوء هذا النصاب يتم تحديد الأغلبية اللازمة لإصدار القرارات عند طرح أي موضوع للتصويت، وإذا ما أسفر التصويت عن وجود أصوات ممتنعين عن التصويت، فلا يتم احتساب أصواتهم ضمن أصوات المؤيدين أو المعارضين، ولكن يتم احتساب أصوات الممتنعين عن التصويت عند حساب الأغلبية اللازمة لإصدار القرارات باعتبارهم ممن أبدوا رأيهم فعلاً.
تحديد المقصود بالإبداء الفعلي للرأي:
من المقرر أن القواعد القانونية ذات المضمون الدستوري تكون وحدة عضوية متكاملة، يفهم كل جزء منها على ضوء الكل، والأصل أن النصوص القانونية المنظمة لموضوع واحد يمتنع فصلها عن بعضها باعتبار أنها تكون فيما بينها وحدة عضوية تتكامل أجزاؤها وتتضافر في معانيها وتتحد توجهاتها ليكون نسيجاً متآلفا.
وعلى ما تقدم يبدو من الضروري التقريب بين النصوص القانونية المنظمة لإبداء الرأي داخل المجلس للوقوف على إرادة المشرع بشأن تحديد المقصود بعبارة « الأعضاء الذين أبدوا رأيهم فعلاً»، أو الإبداء الفعلي للرأي، فالمادة «78» من اللائحة الداخلية لمجلس النواب المعدلة بالقانون رقم «31» لسنة 2010 حددت كافة صور إبداء العضو لرأيه، بالنص على أن: .......ويعبر العضو عن رأيه عند النداء على اسمه بكلمة موافق أو غير موافق أو ممتنع بدون أي تعليق ....».
وتقنيناً لعملية إبداء الأصوات أوجب المشرع في المادة «82» من ذات اللائحة أن تتضمن مضبطة المجلس بيان من اشتركوا في التصويت ورأي كل منهم سواء كان مؤيداً أم معارضاً أم ممتنعاً، وأسماء الأعضاء الغائبين، وذلك بالنص على أن: « مضبطة الجلسة هي البيان الرسمي عن كل ما يحصل في الجلسة من أمور وما قيل فيها من أقوال، وتتضمن تفصيلاً ...... كما تتضمن بياناً بأسماء من اشتركوا في التصويت ورأي كل منهم سواء أكان مؤيداً أم معارضاً أم ممتنعاً، وأسماء الأعضاء الغائبين.........»
والمستفاد من المادتين «78 ،82» المشار إليهما أن الامتناع عن التصويت يعد من قبيل إبداء الرأي، ولا يعتبر الممتنع عن التصويت غائباً عن الجلسة، ويجب احتسابه ضمن الحاضرين الذين يتشكل منهم النصاب القانوني لأغلبية الحاضرين، والنصاب القانوني لإصدار القرار، والقول بغير ذلك يجعل من النصوص القانونية سالفة الذكر مجرد لغو، والمشرع منزه عنه.
ويؤكد هذا الطرح ما استقر عليه فقه القانون الدستوري من التفرقة بين اصطلاحين: اصطلاح» الامتناع عن التصويت، واصطلاح «التصويت بالامتناع « ، فالامتناع عن التصويت هو محض عمل سلبي يعني رفض التصويت ويتحقق بالانسحاب من الجلسة، أما التصويت بالامتناع فهو تصويت وقع فعلاً ،مثله في ذلك مثل التصويت بالتأييد أو بالاعتراض.
والخلاصة إذن، أن الإبداء الفعلي للرأي يشمل التصويت بالتأييد والتصويت بالرفض، والتصويت بالامتناع ، وأن المقصود بعبارة « الأعضاء الذين أبدوا رأيهم فعلاً» الواردة في صدر المادة «80» من اللائحة محل التفسير هم الأعضاء المؤيدون والمعارضون والممتنعون عن التصويت ، ومن ثم فإن المشرع قد قصد من لفظ «فعلاً « دخول الممتنعين عن التصويت ضمن من أبدوا رأيهم فعلاً ، غاية ما في الأمر عدم احتساب أصوات الممتنعين ضمن أصوات المؤيدين أو ضمن أصوات المعارضين .
-2 ماهية الأغلبية اللازمة لإصدار القرار:
إذا كان التفسير السليم لنص المادة «80» من اللائحة الداخلية لمجلس النواب قد انتهى إلى أن الممتنعين عن التصويت ليسوا بغائبين عن الجلسة ، وإنما حاضرون إياها، دون احتساب أصواتهم ضمن أصوات المؤيدين أو المعارضين، فإنه وعند احتساب الأغلبية
اللازمة لإصدار القرار ينبغي احتسابها على أساس جملة عدد الحاضرين بالجلسة الذين يتم إثبات حضورهم بمضبطة الجلسة، وبديهي أن هذا النصاب يتم تحديده ابتداء، وقبل بدء المجلس أعماله ، ويتحدد هذا النصاب بنصف عدد الأعضاء الحاضرين زائداً واحداً، ويدخل في حساب الأصوات كل من المؤيدين والمعارضين والممتنعين عن التصويت باعتبار أنهم جميعاً يمثلون كافة الحاضرين بالجلسة ، وإذا لم يحصل الموضوع المطروح على تلك الأغلبية ، اجُل أخذ الرأي على الموضوع المطروح إلى جلسة تالية، أو دور انعقاد تال بحسب الأحوال .
وتجدر الإشارة إلى أنه ودون الخوض في طريقة تعاطي مجلس النواب الموقر فيما انتهى إليه تقرير اللجنة المشكلة لبحث جدية الاستجواب من عدمه، إذ إن المشرع في المادة «145» مكرراً «1» من اللائحة الداخلية لمجلس النواب قرر في نهاية الفقرة الثالثة منها ،عرض تقرير تلك اللجنة على المجلس الموقر في أول جلسة تالية له، ولم يحدد المشرع آلية محددة في التصرف في تقرير اللجنة المشار إليها، إذا ما انتهى تقريرها إلى عدم الجدية.
بتطبيق ما تقدم ، على الموضوع المعروض على المجلس الموقر بشأن استجواب معالي وزير المالية ، وإذ طرُح على المجلس التصويت على توصية اللجنة بعدم جدية الاستجواب، يبين أن :
عدد النواب الحاضرين: «27» عضواً .
الأغلبية اللازمة لإصدار القرار: 27 ÷ 2 1 = « 14»
عدد النواب الرافضين لتوصية اللجنة: «13» عضواً
عدد النواب الموافقين على التوصية: «11» عضواً
عدد النواب الممتنعين : «3» أعضاء
إذن لم يحصل الموضوع المطروح على الأغلبية اللازمة لإصدار القرار وهي «14» عضواً ،ولا يمكن بأي حال من الأحوال القول بتوافر إرادة المجلس إلا ببلوغ النصاب المطلوب ابتداء باعتباره يمثل التعبير عن الحد الأدنى للإعلان عن اتجاه المجلس في الأمر المطروح . ويتعين تبعاً لذلك تأجيل أخذ الرأي على توصية اللجنة إلى جلسة تالية.
بناء عليه
انتهت الهيئة إلى أن:
-1 مؤدى تفسير نص المادة «80» من الدستور أن النصاب القانوني لصحة اجتماع كل من مجلس الشورى ومجلس النواب هو حضور أكثر من نصف أعضائه .
-2أن قرارات أي من المجلسين تصدر بالأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين ، وذلك في غير الحالات التي تشترط فيها أغلبية خاصة.
ثانياً: مؤدى نص المادتين «42 ، 80» من اللائحة الداخلية لمجلس النواب أن قرارات المجلس تصدر بالأغلبية المطلقة للحاضرين، ولا يعتبر أصوات الممتنعين عن التصويت ضمن أصوات المؤيدين أو المعارضين ، بينما تدخل أصوات الممتنعين في حساب الأغلبية اللازمة لإصدار القرارات باعتبارهم ممن أبدوا أصواتهم فعلاً بالامتناع عن التصويت ، ويترتب على ذلك أن الأغلبية اللازمة لإصدار القرار هي ضرورة حصول الموضوع المطروح للتصويت على نصف عدد الحاضرين زائداً واحداً ، وإلا يؤجل التصويت لجلسة تالية ، أو دور انعقاد تال بحسب الأحوال، وهو ما يستلزم إعمال هذا النظر بخصوص الاستجواب المقدم ضد معالي وزير المالية.