استمــرت لندن في استقطاب اهتمـــام المستثمرين من الشرق الأوسط طوال عام 2013 لترتفع حصة استثماراتهم في لندن من 7.5% خلال 2012 إلى 17% العام الماضي، وذلك وفقاً لأحدث البحـوث من شركة الاستشارات العقارية العالمية «سي بي آر إي».
وسجلت لندن خلال 2013 أعلى مجموع سنوي للاستثمارات الأوروبية على الإطلاق لمدينة واحدة لتعزز بذلك من مكانتها باعتبارها الوجهة الاستثمارية الأولى في المنطقة.
أما خارج لندن، توزعت الاستثمارات القادمة من الشرق الأوسط على طول القارة الأوروبية، وخاصة في داسلدورف وباريس، وإلى حد متزايد في الأسواق المتعافية جنوب القارة، إلى جانب روسيا. وسجل كل من المستثمرين من آسيا والشرق الأوسط أعلى مستوى لهم للاستثمار العقاري الأوروبي بقيمة تقاربـ10 مليار يورو لكل منهما في عام 2013.
في هذا الصدد قال العضو المنتدب في «سي بي آر إي» الشرق الأوسط، نيكولاس ماكلين: «يشهد قطاع العقارات، وعلى وجه الخصوص المساحات التجارية في كل من ألمانيا والمملكة المتحدة، نمواً قوياً منذ الأزمة المالية، ونحن نتوقع مزيداً من الالتزامات الاستثمارية من الشرق الأوسط خلال الأشهر المقبلة. وتمكنت سوق لندن العقارية بشكل خاص من اقتناص حصة الأسد من رؤوس المال، ويعزى ذلك أساساً إلى نظامها القانوني المتسم بالشفافية، والبيئة السياسية والاقتصادية المستقـــرة - والتـــي هـــي عوامل جذب رئيسية للاستثمارات».
وشهد عام 2013 نهاية قوية ارتفع فيها إجمالي حجم الاستثمار في العقارات التجارية في أوروبا إلى 165.5 مليار يورو، بزيادة قدرها 30% عن إجمالي العام السابق. وتعد نتيجة الربع الأخير من 2013 أعلى رقم ربع سنوي سجلته أوروبا منذ الربع الرابع لعام 2007. وعادة ما يشهد الربع الأخير من العام أعلى مستوى من الاستثمار، ولكن وتيرة نمو النشاط تسارعت بشكل كبير.
ووفقاً للتقرير، على الرغم من النمو القوي في إجمالي النشاط الاستثماري في عام 2013، بقي متوسط حجم الصفقات المسجلة عند 27 مليون يورو. فعلى مدى السنوات القليلة الماضية لم يرتفع متوسط حجم الصفقات إلا قليلاً، ولكن على العموم تحققت الزيادة في المجموع الكلي بشكل رئيسي من خلال الزيادة في عدد المعاملات. واستأثر المشترون من آسيا بـ22 من المعاملات التي تفوق قيمتهـــا 100 مليون يورو بمتوســـط بلغ 126 مليون يورو للصفقة، وتبعهم مباشرة المشترون من الشرق الأوسط، الذين استحوذوا على 21 من هذه المعاملات الضخمة بمتوسط 120 مليون يورو للصفقة.
ويواصـــل الانتعاش الاقتصادي الحالـــي في المملكة المتحدة في تشجيع تدفق الاستثمارات مع حصول لندن على حصة الأسد واستحواذها على أكثر من 23% من إجمالي السوق الأوروبية، أي ما يعادل 32.2 مليار يورو من المعاملات في عام 2013. وهذا هو العام الثاني على التوالي من النمو القوي في النشاط الاستثماري، مع تحقيق نسب نمو سنوية بلغــــت 45% (2011-2012) و43% (2012-2013). وحققت لندن زيادات فصلية طوال العام، مع تحقيق الربع الرابع من 2013 نمواً بنسبة 73% عن الربع السابق له.
ومن قبيل الصدفة، تساوت اثنتان من العمليات العقارية للشركات في مرتبة أكبر صفقة في أوروبا في عام 2013. وكلاهما كان في لندن، وتم الاتفاق عليها قبيل نهاية السنة، بقيمة 1.7 مليار جنيه (2.0 مليار يورو) لكل منهما. أحداهما كانت لمشتري من آسيا (صندوق الثروة السيادية لسنغافورة) والأخرى لمشتري من الشرق الأوسط (سانت مارتينز، التي يملكها صندوق الثروة السيادية الكويتي).
من جهتــه أضاف المدير التنفيذي، فـــي «سي بي آر إي» لأسواق رأس مال وسط لندن، سيمون باروكليف: «شهدت لندن عاماً استثنائياً مع وصول إجمالي قيمة الاستثمار إلى مستويات ما قبل الأزمة المالية العالمية. ومن غير المرجح أن تكرر هذا الأداء في عام 2014، رغم نمو الطلب القوي من المستثمرين عبر الحدود، لاسيما من آسيا، وذلك بسبب قيود العرض الذي من المحتمل أن تحد من النشاط الاستثماري».
وتابـــع: «فيما عدا لندن، لايزال هنـــاك مجال لمزيد من النمو الاستثماري في عام 2014. فقد شهدت المملكة المتحدة ككل عاماً استثنائياً خلال 2013، ولاسيما في الأشهر الأربعة أو الخمسة الأخيرة عندما قفز النشاط الاستثماري بشكل حاد وصل إلى 75% عند المقارنة مع العام الذي قبله. إن تحسن الاقتصاد في المملكة المتحـدة عزز من توقعات العقارات التجارية في بقية أنحاء المملكة وشجع المستثمرين على المغامرة في الاستثمار خارج لندن».
وتواصل ألمانيا أداءها الجيد مع ظهور خمــس من مدنها في قائمة «سي بي آر إي» لأعلـــى عشـــر أســواق للاستثمار الأوروبي. وطغى الطابع المحلي على الاستثمار في ألمانيا العام الماضي. فعلى الرغم من التحسينات التي طرأت علــــى الاقتصـــادات الأوروبية الأخــــرى، يستمر المستثمرون الألمانيون بالتركيز علـــى سوقهم المحلية. حيث استحـــوذ المستثمرون المحليون في جميع هذه المدن الخمس على حصة تتجاوز الـ50%، كان أعلاها في هامبورغ التي اقتربت فيها نسبة الاستثمارات المحلية من 85% من رؤوس المال المستثمرة خلال 2013.
وتحتل باريس مرة أخرى المركز الثاني، مع تسجيل أكثر من 11 مليار يورو من الأنشطة الاستثمارية على العقارات التجارية. ولكن مقارنة مع أداء المدن الكبرى الأخرى خلال 2013، لم تشهد باريس أي نمو يذكر بل انخفض إجمالي استثمارات السوق فيها بنسبة 8% للسنة، مقارنة مع الزيادات الكبيرة في معظم الأسواق العشرة الأساسية الأخرى.
أما موسكو فلطالما تواجدت على قائمة أكثر الأسواق سيولة في أوروبا على مـــدى السنوات الأربع الماضية، وحظيــت إلى جانب لندن بأعلى نسبة من رأس المال العابر للحدود في 2013. وتجتذب موسكو قدراً كبيراً من الاستثمارات من أمريكا الشمالية، وساعد على ذلك حقيقة أن إيجارات أفضل العقارات فيها تكون عادة مقومة بالدولار الأمريكي.
وفي حين كانت 2013 سنة قوية لسوق الاستثمــار العقاري التجاري في أوروبـــا ككل، شهدت الأسواق المتعافية حديثاً مثل البرتغال وإيطاليا وآيرلندا وإسبانيا عودة قوية. وأدت الشهية الأكبر لخوض المخاطر الاستثمارية إلى زيادة حادة في النشاط الاستثماري. ففي عام 2013، كان إجمالي الاستثمارات في هذه الأسواق أكثر من ضعف تلك المسجلة في عام 2012، لتصل إلى 11.8 مليار يورو وتحقق أول عام من النمو في عوائد الاستثمار منذ عام 2007.
من جهته قال رئيس أسواق رأس المال لمنطقة أوربا والشرق الأوسط وأفريقيا، في سي بي آر إي، جوناثان هول: «كان عام 2013 نقطة تحول مهمة على عدة أصعدة لسوق الاستثمار العقاري التجاري في أوروبا، ونتوقع أن يشهد عام 2014 مزيداً من الانتعاش. وكان أهم تغيير في العام الماضي عودة النشاط في الأسواق الأكثر تضرراً جراء الأزمة المالية العالمية، وتحديداً أيرلندا وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال. فقد تضاعفت في عام 2013 مقارنة بـ2012، ووصلت المبيعات السنوية الإجمالية في هذه الأسواق الأربع إلى مستويات عام 2004/2005. نتيجة لذلك، نتوقع أن نرى أسواقاً مثل مدريد تدخل قائمة الوجهات الاستثمارية الأوروبية العشرة الأوائل في عام 2014.
وهناك اتجاه آخر من المرجح أن يستمر في عام 2014 وهو تدفق رؤوس الأموال الصينية إلى أوروبا. وهو أمر كان مرجحاً منذ فترة، ولكنه زاد بشكل كبير في عام 2013 مع دخول 2.4 مليار يورو في عمليات الاستحواذ خلال العام - أي أكثر من ضعف السنوات العشر السابقة مجتمعة. فقد زادت شركات التأمين وصناديق الثروة السيادية الصينية بشكل واضح من مخصصات العقارات الأجنبية ونتوقع أن يستمر الحال في عام 2014».