أرجأ مجلس الشورى أمس، إقرار مرسوم تنظيم جمع المال للأغراض العامة، إثر ذهاب أعضاء إلى وجود شبهة عدم دستورية في مادتين، لحين أخذ رأي هيئة التشريع والإفتاء والقانوني، الجهة التي صاغت القانون.
وأشار أعضاء لجنة الشؤون التشريعية والقانونية بالمجلس، إلى وجود شبهة عدم دستورية في المادة (11) من المرسوم، إذ نصت على أنه «يحظر على المرخص له مخالفة شروط الترخيص وفي حالة المخالفة يجوز للوزارة أن تصدر قراراً بإلغاء الترخيص ووقف عمليات جمع المال وسحب حصيلة الجمع وإنفاقها في وجوه النفع العام التي تراها»، ما اعتبروه من قبيل المصادرة لتلك الأموال بغير حكم قضائي، متعارضاً مع نص المادة (9/ د) من الدستور، الناصة على «المصادرة العامة للأموال محظورة، ولا تكون عقوبة المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائي في الأحوال المبينة بالقانون».
وقالت رئيس لجنة الشؤون التشريعية والقانونية بالمجلس دلال الزايد: «الأصل أن الأموال بصفة عامة موضع حماية، وملك للشخص سواء الطبيعي أو الاعتباري، الاستثناء فيها موضوع المصادرة، لذلك يجب أن يصدر بها حكم قضائي».
وأضافت «لا أعلم لماذا أقحمت المادة (11) في المرسوم، كان الأجدى في حال توافر مسألة جمع أموال بطرق غير مشروعة، لا بد أن تكون المساءلة تحت رقابة القضاء، إذ إنها تعطي ضمانات».
وقالت عضو لجنة الشؤون التشريعية رباب العريض: «أنا مع القانون مضموناً، والمملكة تأخرت كثيراً في إصدار مثل هذه التشريعات، إذ وجدنا بعض الدول العربية مثل الكويت، لديها القانون منذ 1959، لذلك لا يجب ألا نربط المرسوم بالأحداث الحاصلة في المملكة».
وأضافت «إلا أننا في اللجنة، وجدنا شبهة عدم دستورية مادتين، ولا اختلاف في معنى المصادرة أو السحب (..) يفترض أن يكون سحب الأموال بحكم قضائي».
وأشارت دلال الزايد، إلى وجود شبهة مخالفة في الفقرة الثانية من المادة (14) من المرسوم بقانون، لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات الوارد في المادة (20/ أ) من الدستور، والتي تنص على أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني.
ونصت الفقرة الثانية من (14) في المرسوم على أنه «ويعاقَب على مخالفة باقي أحكام هذا القانون والقرارات الصادرة تنفيذاً له بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر وبغرامة لا تتجاوز خمسمائة دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين»، ورأت أن القاضي لا يستطيع أن يعتبر فعلاً معيناً جريمة، إلا إذا وجد نصاً محددًا يجرم الفعل.
وقالت الزايد «يحزنني أن المراسيم التي تمر عبر عدد من المستشارين الذين لهم باع كبير في المجال، لا تراعي الضوابط الدستورية»، مؤكدة على أن رفض المرسوم «ليس لمضمونه، إنما لوجود شبهة عدم دستورية».
وأردفت «إذا أردنا أن نضع قيد لأفعال غير مشروعة، ينبغي صياغة النصوص بشكل واضح ومحدد، ولا تسمح للبس أو التصيد للنص التشريعي».
من ناحيته، أوضح المستشار القانون لوزارة العدل سعيد عبدالمطلب أن «المصادرة سواء كانت عامة أو خاصة، وفق ما استقر عليه القضاء الدستوري في البحرين أو المقارن، هو نزع ملكية المال جبراً من مالكه، وإضافته لملك الدول دون مقابل، إذا أردت القول أن الفعل يشكل مصادرة يجب توافر شرطين، الأول أن يكون المال مملوك للشخص، الثاني أن ينقل لخزانة الدولة».
وأضاف «في المادة المنظورة، المال ليس مملوكاً للشخص الذي سحبت منه الأموال، فإذن النص هنا بحكم المال العام، أي ليس ملكاً للشخص، الأمر الثاني المبلغ لا يدخل في ذمة الدولة، إنما تقوم بإنفاقه على ما كان مقرر له».
وأوضح أن «النص على سحب الأموال في المرسوم، عبارة عن شيء في القانون المدني اسمه الحلول القانوني، الدول تحل نفسها مكان الشخص، للقيام بعملية الإنفاق المقرر لهذا المال، بالتالي لا وجود لفكرة المصادرة في النص».
وحول ما أثير عن المادة 14، ذكر عبدالمطلب «لا يمكن القول إن المادة فيها مخالفة دستورية، القضية منهج تشريعي، قد يقرر ينص المشرع على عقوبة لكل جريمة محددة، أو يضع محظورات على الشخص، وفي حالة مخالفة النص تعتبر جريمة يعاقب عليها».
وأشارت لجنة الخدمات الشورية في تقريرها بشأن المرسوم، إلى أنه أتى منسجماً مع توصيات المجلس الوطني، حول ضرورة مكافحة الأعمال الإرهابية، والحد من آثارها السلبية التي تمس الأمن والسلم والاقتصاد الوطني، وتجفيف مصادر تمويل الإرهاب، ووضع عقوبات رادعة بحق كل من يجمع الأموال لأغراض إرهابية، ويشدد عقوبة جمعها دون ترخيص من الجهات المختصة، كما يعالج الفراغ التشريعي بشأن جمع الأموال للأغراض العامة.
ورأى رئيس لجنة الخدمات عبدالرحمن عبدالسلام أن «السحب يختلف عن المصادرة، الأخيرة تكون إذ وقع على المال جريمة، ويكون ملكاً خاصاً، أما الجمعيات الخيرية التي تجمع المال لتوجيهه لأعمال الخير، فإذا خالفت القانون، جاز لمن رخص لها أن يضع يده على المال».
واشار إلى أن «المصادرة لا تتم إلا بعد قرار من المحكمة، ولا يجوز للدولة أن تدخل المال في ذمتها، هناك اختلاف تام بين المصادرة والسحب الواردة في المرسوم».
وقال رئيس المجلس علي الصالح إن «الأمر الأول المرسوم صدر وساري المفعول، الثاني مررتم قبل فترة قانون الغش التجاري، والديوان الملكي كان لديه ملاحظة على المصادرة، ورأى أن فيها شبهة عدم دستورية، ولا يريدون أن يصادق جلالة الملك على قانون تعتريه شبهة عدم دستورية، لذلك لامونا لأننا لم نتنبه للنص، وطلبوا رأي مستشار المجلس، وفعلاً رأى وجود شبهة في القانون الذي من مجلسي الشورى والنواب».
وأضاف «أرى أن نعطي فرصة لإعادة دراسة القانون، واستشارة الجهة التي أصدرت المرسوم، والتأكد من سلامته من الناحية الدستورية، وتأجيله أسبوعاً أو اثنين ليس بالكثير، وسننتهي منه قبل نهاية دور الانعقاد».
ووافق المجلس بعد نقاش طويل على إعادة المرسوم لأخذ رأي هيئة التشريع والإفتاء القانوني حول الشبهتين.