تعتبر منطقة آسيا الوسطى من أهم المناطق التي ترتبط بعلاقات تاريخية قوية مع العالم العربي والإسلامي، كما تعتبر من أهم المناطق التي أسهمت بشكل كبير في إثراء الحضارة الإسلامية ونهضتها ورقيها، وحين نتكلم عن آسيا الوسطى، فإننا نتحدث بلا شك عن كازاخستان. إن التزام كازاخستان التام بمبدأ تعددية التوجه في السياسة الخارجية والنأي بها عن العزلة أتاح للدولة الفتية الابتعاد عن «الإقليمية» في تعاملاتها على الساحة الدولية، مما حقق قدراً وافراً من التوازن بين الدول الكبرى والمحاور القطبية، خصوصاً مع دول آسيا الوسطى. لقد استطاع الشعب الكازاخستاني برئاسة الرئيس نور سلطان نازارباييف الحفاظ على الحدود الكازاخستانية التي تعتبر ثاني أطول حدود برية في العالم دون أن يفرط في بحر أو يابسة بالرغم من الموقع الجيوسياسي المعقد للغاية. ومن المعروف أن الاتحاد السوفيتي والصين قد دخلتا في نزاعات حدودية بل حروب محلية على الحدود الكازاخستانية الصينية، إلا أنها تمكنت خلال سنوات قليلة من رسم حدود دائمة مع كل من الصين وروسيا وحافظت في نفس الوقت على علاقات الصداقة مع كليهما.
إن كازاخستان عضو نشط في المجتمع الدولي، وتعمل بشكل فعال في الهيئات والمنظمات الأوروبية والآسيوية كما انضمت بعد استقلالها مباشرة إلى منظمة المؤتمر الإسلامي، فأصبحت أكبر بلد مسلم في العالم مساحة، الأمر الذي وسع رقعة العالم الإسلامي بما يقدر بـ 2,7 مليون كم مربع.
وأقامت الدولة العلاقات الحميمة مع الدول الإسلامية وخاصة دول الخليج العربي، وأصبحت شريكاً أساسياً لهذه الدول في المجال السوفيتي السابق. الدليل على ذلك زيارة أمير دولة قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وزيارة ولي العهد السعودي الأمير سلطان بن عبدالعزيز إلى اصطنة بعد إنشائها، وهاتين الزيارتين هما الأوليان من نوعهما في تاريخ علاقات السعودية وقطر مع الجمهوريات السوفيتية السابقة.
إن جهود رئيس دولة كازاخستان النشطة في مجال السياسة الخارجية ومبادراته المتعددة التي شملت إقامة الاتحاد الأوروبي ونظام الأمن الإقليمي والدولي ومؤتمر التعاون وبناء الثقة المتبادلة في آسيا، حظيت بالتقدير من كافة الفعاليات العالمية بصفتها إضافة جديدة في إرث الممارسات الدولية.
جرى في يونيو 2002 في مدينة ألماطى أول قمة للدول الأعضاء في مؤتمر التعاون وبناء الثقة المتبادلة في آسيا الذي صدر في ختامه إعلان ألماطى والبيان المشترك عن إزالة الإرهاب ومساهمة لحوار بين الحضارات. والتزم المشاركون في القمة وفقاً لهذه الوثائق بتأييد الجهود الهادفة إلى نزع أسلحة الدمار الشامل كاملاً، واقترحوا إقامة المنطقة الخالية من السلاح النووي في قارة آسيا كلها. إن الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الملحوظة التي تمت خلال سنوات الاستقلال ومهدت الطريق لتطور الجمهورية جعلت الرئيس نازاربايف يتوجه وعن ثقة للشعب الكازاخستاني بمشروع الخطة المسماة «كازاخستان عام 2030»، وثقة في قرارات شعبه الخلاقة للرئيس نور سلطان نازاربايف في وضوح وصراحة معهودة للاستراتيجية التي تقوم عليها خطة «كازاخستان عام 2030» وهي الاستراتيجية التي تطمح إلى بناء كازاخستان المستقلة والمزدهرة خلال الثلث الأول من القرن الواحد والعشرين.
لقد خرجت كازاخستان إلى مصاف الدول المعترف بها حديثاً من قبل المجتمع الدولي، ونالت استقلالها في غمرة الفوضى التي نتجت عن انهيار الاتحاد السوفيتي في ديسمبر عام 1991، وكان الكثير ينظر لها على أنها دولة لا تملك مقومات الحياة والنمو أو حتى البقاء، لما كانت تشهده من فقر في مختلف القطاعات الاقتصادية، وتدنٍ في مستوى المعيشة، وتهالك البنى التحتية، ولكن سرعان ما تغير ذلك الوضع خلال فترة وجيزة من عمرها القصير نسبياً، ففي الوقت الحالي ينظر المجتمع الدولي إلى كازاخستان باعتبارها من الدول المتقدمة نظراً لأهميتها الاقتصادية الكبيرة، وقدراتها الهائلة على تحقيق معدلات نمو هائلة، ولأهميتها كمنتج وناقل للطاقة من منطقة آسيا الوسطى وبحر قزوين إلى القارة الأوروبية، ولكونها الآن تمثل جسراً مميزاً بين الشرق والغرب سواءً في نقل تجربتها للعالم في مجال التسامح بين القوميات وتعزيز سبل التعايش فيما بينهم، حيث تعيش أكثر من 130 قومية على أرضها في جو من التسامح والمودة، كما لها مبادرات وجهود كبيرة في الحوار بين الحضارات والثقافات والأديان.
باتت كازاخستان اليوم لاعباً هاماً على الساحة الإقليمية والدولية، ومركزاً حيوياً من مراكز القوى في تلك المنطقة الهامة من العالم، حيث ملتقى طرق التجارة القديمة من خلال طريق الحرير القديم، وتمازج الحضارات الصينية والروسية ووسط آسيا مع الحضارة الغربية الأوروبية، وبين كل ذلك تقف كازاخستان شامخة تتمتع بالاستقرار، والتنوع الثقافي والحضاري مع الحفاظ على ما يميزها من عادات وتقاليد وقيم وأعراف، وتحظي كازاخستان بالأهمية الاستراتيجية والاقتصادية والحيوية، الأمر الذي جعلها تنال ثقة وعضوية العديد من المنظمات الدولية والإقليمية الهامة، في مقدمتها منظمة الأمم المتحدة، ومنظمة التعاون الإسلامي، ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبي، ومنظمة شنغهاي للتعاون.